الأقباط متحدون - دروس من صادق خان!
أخر تحديث ٠١:٥٦ | الثلاثاء ١٠ مايو ٢٠١٦ | ٢بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٢٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

دروس من صادق خان!

د.عبدالخالق حسين
صادق خان، ابن سائق حافلة، هو أول مسلم في بلد مسيحي أوربي، يُنتخب لرئاسة بلدية العاصمة البريطانية. هاجر والداه من باكستان إلى لندن عام 1970 قبل وقت قصير من ولادته. وسكنت العائلة في دار من دور البلدية في ضاحية شعبية. انظم صادق خان إلى حزب العمال في وقت مبكر من حياته (15 عاماً من العمر)، وصار عضواً في البرلمان (مجلس العموم) عام 2005. وفي يوم الخميس 5/5/2016، انتخبته الغالبية العظمى من شعب لندن البالغ نحو 8.5 مليون نسمة، رئيساً للعاصمة.

قد يسأل القارئ الكريم: هل يستحق هذا الخبر أن يكون موضوعاً لمقال بالنسبة للقراء العرب، المبتلية شعوبهم بالمشاكل الكثيرة والمزمنة؟ الجواب نعم، الموضوع مهم ويستحق طرحه للنقاش، إذ يمكن استخلاص الدروس والعبر للاستفادة منه في معالجة مشاكلنا، وخاصة فيما يتعلق بثقافتنا التدميرية، والحاجة إلى التفكير النقدي لمواجهة الإشاعات الباطلة والحماية منها.

فالأهم في انتخابات عمدة لندن، أن المنافس الرئيسي لصادق خان هو رجل قوي اسمه (زاك جولد سميث)، مرشح حزب المحافظين الحاكم، وهو إنكليزي، وابن ملياردير، والنائب المحافظ لضاحية ريتشموند الميسورة، والذي وجه لخان، في حملته الانتخابية، تهمة خطيرة وهي المشاركة في تجمعات تحدَّث فيها "متطرفون إسلاميون." ونقل السيد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، هذه التهمة التسقيطية إلى البرلمان، معيِّراً زعيم المعارضة (حزب العمال)، بأن مرشحهم له علاقة بالمتطرفين الإسلاميين! في إشارة مقصودة إلى أن صادق خان متطرف إسلامي، أو على الأقل متعاطف مع المتطرفين. فتصور مدى تأثير هذه الحملة على الناخب البريطاني، خاصة وأن الشعوب الغربية مازالت تعاني من ردود أفعال لمجازر بربرية همجية ارتكبتها الجماعات الإسلامية الإرهابية (داعش)، في باريس وبروكسل، وقبلهما بسنوات في قطارات الأنفاق في لندن، ومحطة القطارات في مدريد التي راح ضحيتها المئات.

و من هنا تبرز أهمية وعي الناخب البريطاني حيث أعطى درساً بليغاً لأولئك الذين أرادوا من هذه الدعاية الباطلة تحقيق مكاسب سياسية. لذلك وعلى الضد مما توقع المحافظون، ارتدت سهامهم إلى نحورهم، إذ صوتت الأغلبية لصادق خان ولم تتأثر بالدعاية الرخيصة.

علينا أن نقارن هذا الموقف في التفكير النقدي المستقل مع وعي المواطن العراقي المستجيب للإيحاءات ومهما كانت التهم تسقيطية باطلة من تأليف فلول البعث والمتنافسين على المناصب في العراق، إذ ما أن يطلق أحدهم إشاعة رخيصة ضد الخصم، حتى وتلقفها آخرون وصدقوها وقاموا بنشرها وتعميمها على أوسع نطاق. وهكذا تم إسقاط العديد من السياسيين في العراق بالكذب والافتراءات وأغلبها لا يقبلها العقل السليم.

ان انتخاب اللندنيين لصادق خان يؤكد ان المجتمع البريطاني والأوروبي بصوره عامة، لم يعد يتأثر بأية أيديولوجية دينية كانت أم سياسية، بل يفكر بطريقة اقتصادية وعملية وهذا هو النمط الجديد بالتفكير. فالناس في أوربا لا يمهم دخول الجنة بعد موتهم بقدر ما أن يعيشوا حياة كريمة في دنياهم توفر لهم الأمان والدخل المعقول، ونوعية الحياة والعيش الكريم. كما ويبحث الغرب عن حليف إستراتيجي مهم في دول العالم وخاصة العربية والإسلامية فيما لو تَرَكُوا الأيديولوجيات وركزوا على المصالح المشتركة التي تهم عيش ورفاهية شعوبهم.

كما إن الفضل في فوز صادق خان يعود للمسلمين اللندنيين الذين لم يتلوثوا بعدوى الطائفية، والذين بعث فيهم صادق الأمل بجدوى المشاركة في النشاط السياسي والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، كذلك والأهم، يعود الفضل في فوزه إلى غير المسلمين من سكان لندن الذين انتخبوه وتجاوزوا الفوارق الدينية، ولم يتأثروا بدعايات الإسلاموفوبيا.

والدرس الآخر والمهم لانتخاب صادق خان، هو أثره الإيجابي والمحفز والمشجع لأبناء الجالية العربية والإسلامية وما له من اثر في ازالة كل الشكوك والخوف ان الأصل العربي او الاسلامي سيجعل الانسان ذكرا ام أنثي في موقف ضعيف، وهذا ما يروج له المتطرفون والمتخاذلون والانعزاليون من أصحاب العقد والنفوس الضعيفة. لذلك قال صادق إن فوزه في الانتخابات يعني "انتصار الأمل على الخوف".

الدرس الآخر الذي يجب استخلاصه من فوز خان، هو على الشعوب الإسلامية إعادة النظر في قيمها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها ومواقفها العنصرية والطائفية ضد مكونات شعوبها أولاً، وضد الغرب ونظرتها المعادية إلى الإنسانية، ثانياً. فمشاكلها هي وليدة هذه الثقافة التدميرية التي هي بحاجة إلى إعادة النظر وخاصة الموقف من الشعوب الغربية، حيث تنظر لها نظرة عدائية دونية واحتقار وتكفير ولا إنسانية. بينما الواقع يؤكد أن الشعوب الغربية هي التي تحمل مشعل الحضارة والإنسانية والعلوم والتقنية والتقارب بين الشعوب في ظل العولمة، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والمذهبية والعرقية.

فالحكومات العربية مازالت متمسكة بعنصريتها وطائفيتها، وأغلبها ترفض منح الجنسية لأي مهاجر عربي أو غير عربي، حتى ولو قضى عدة أجيال في ذلك البلد. ففي العراق قام حزب البعث بتهجير أكثر من مليون عراقي من مختلف الأعراق، عرب وأكراد فيلية، لأسباب طائفية بتهمة التبعية الإيرانية. ومازال فلول البعث من الطائفيين يرددون هتاف (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، والمقصود بإيران هو السياسيون الشيعة المشاركون في السلطة بعد 2003. والمرددون لهذا الهتاف هم أنفسهم الذين قاموا بالاعتصامات في المناطق الغربية قبل سنوات، وجلبوا الكوارث على مناطقه، و نجحوا هذه المرة في نقل اعتصاماتهم إلى المنطقة الخضراء، بل وحتى إلى داخل البرلمان بفضل السيد مقتدى الصدر، وذلك باختراقهم ما يسمى بالتيار الصدري والسيطرة عليه بسهولة وتوجيهه كما يشاؤون.   

وفي الكويت نحو 30% من الشعب الكويتي يطلق عليهم (البدون)، أي بدون جنسية، وهؤلاء عاشوا أباً عن جد في الكويت ولا أي بلد لهم غير الكويت، ولكن أغلبهم من طائفة معينة، لذلك تم حرمانهم من الجنسية بغية منعهم من ممارسة حقوقهم السياسية. أما في البحرين، فالشيعة الذين يشكلون نحو 80% من الشعب، فمُضطهدون ومحرومون من أغلب الحقوق بما فيها الوظائف الحكومية، ويفضل عليهم من يتم استيراده من الخارج، إذا كان من طائفة السلطة. أما في الدول الخليجية الأخرى وخاصة في السعودية، فما أن يعرفوا أن الوافد للعمل هو شيعي حتى ولو بدعوة من السلطة، فيرفضون السماح له بالعمل، ويفسخون العقد معه، ويطردونه من البلاد. طبعاً هذا الكلام في نظر البعض يجعلنا في خانة الطائفيين. ولكن شاؤوا أم أبوا، هذا هو الواقع المخزي الذي تمارسه معظم الحكومات العربية بمنتهى الصفاقة والصلافة، ومن واجب المثقفين فضحه وإدانته.

والجدير بالذكر، أن مشكلة عداء المسلمين للغرب ليست من أتباع أيديولوجية واحدة، بل من جميع الأيديولوجيات السائدة في العالم الإسلامي. فالغرب بالنسبة للشيوعيين هو "رأسمالية متوحشة"، وبالنسبة للقوميين العرب "إستعماري بغيض"، وللإسلاميين فهو بلاد "الكفار وأحفاد القردة والخنازير"، إذ كما عبر عنه الإرهابي أبو حمزة المصري، فالغرب بالنسبة له مرحاض لقضاء الحاجه(كذا). هذه هي الأخلاق الرفيعة جداً التي يتباهى بها الإسلام السياسي، وهذا هو جزاء الاحسان في نظرهم. ولكن المفارقة أن جميع هؤلاء الشتامين المعادين للغرب يفضلون العيش في هذا الغرب على العيش في دول تتبنى أيديولوجيتهم، وهذه ازدواجية مفضوحة بكل امتياز.

هذه النظرة العدوانية للإنسانية هي السبب الرئيسي لمشاكل الشعوب الإسلامية، وخاصة العربية منها، من تخلف واضطرابات وفقر وعدم الاستقرار، والتشرد والهجرات المليونية إلى الغرب "المأكول والمذموم". فبهذه الثقافة صار إنتاجهم الوحيد هو تصدير الإرهاب إلى العالم. بينما هذا الغرب الـ"الرأسمالي المتوحش، الإستعماري، الكافر" هو الذي وفر الأمن والمأوى والكرامة والحرية للهاربين من ويلات حكوماتهم والتي هي من إنتاج ثقافاتهم الاجتماعية الموروثة المدمرة.

لذلك، فعندما انتخب الشعب الأمريكي ابن مهاجر كيني أسود رئيساً لجمهوريتهم العظمى، وانتخب شعب لندن ابن مهاجر باكستاني رئيساً للعاصمة البريطانية، إنما عبر هذان الشعبان عملياً عن أخلاق إنسانية رفيعة، وليس بالإدعاءات الفارغة، فكل يطبق قيمه الحضارية.
حقاً ما قاله أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ... فإن هم ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع