الأحد ٨ مايو ٢٠١٦ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
التعليم والاستمارة البيضاء !!
كتب : مدحت بشاي
من المسئول عن تقلص دور التعليم في مراحله الأولى واختزاله في منح استمارة بيضاء عليها درجاته في الثانوية العامة ليقدمها للالتحاق بالجامعة ، وهي استمارة حكومية ليس فيها ما يُعد مؤشراً دالاً و حقيقياً عن مؤهلات ومهارات وميول وقدرات حاملها الذهنية والعلمية والإبداعية ، مما يعين حاملها وأسرته و إدارة الجامعة التي تقرر الانتساب إليها لاختيار نوعية المسار الجديد لملايين من حاملي أمل أمتهم في تحقيق التقدم واللحاق بأهل المعرفة والعلم في كل الدنيا ؟!
لاشك ، إن إكساب الطالب أو الطفل مهارات التعلم الذاتي مهمة باتت ضرورة ملحة ، والعمل الجاد لتجهيز المواطن الحاضر لمواجهة الحياة في مجتمع ديمقراطي ، وتمكينه من معرفة حقوقه وواجباته ، وتدريبه على ممارسة هذه الحقوق والواجبات ، ومعرفته بمؤسسات المجتمع السياسية والقانونية والمالية والإدارية ، ومشاركته في ترسيخ ثقافة وحضارة المجتمع ، واستعداده للخدمة العامة في إطار هذا المجتمع مسألة أساسية في تنمية الثروة البشرية ، وهناك مجموعة من الآمال والأهداف الكبرى التي يجب تحقيقها في هذا المجال وهي : تكافؤ الفرص..التوسع في التعليم ..التعليم للتميز والتميز للجميع ..الجودة الشاملة
ولا شك أيضاً أن التعليم يبقى دائماً هو الأداة الأهم من أدوات الحكومات في تشكيل المجتمع ، وبمعنى يُقرب المقصود أنه وسيلة هامة في صياغة ملامح وشكل الحياة ، و السبيل لتصورها في السعي لتطبيق آليات تحقيق المواطنة ، لكن التعامل مع هذه الأداة : أي التعليم يتبدل حاله من عهد إلى عهد ، ومن حكومة إلى أخرى ، خاصة إذا كانت البلاد خاضعة ، حكومة وشعباً ، لسيطرة احتلال أجنبي . يقول خبراء التعليم في هذا الصدد على سبيل المثال أن مصر كانت ترزح تحت نير ثلاث قوى شديدة البأس . الاحتلال ، والسراي ، وحكومات الملكيات الزراعية الكبيرة أو الرأسمالية الصناعية . وكان أن عملت هذه القوى تحقيقاً لمصالحها على التدخل تدخلاً مباشراً في صياغة التعليم شكلاً ومضموناً ، ليكون لا أداة للارتقاء بمصر والمصريين ، وإنما لمصادرة حريتهم ، والوقوف دون حصولهم على حقوقهم بل الحد الأدنى من هذه الحقوق . لكن هل استسلم المصريون لهذه القوى أم عارضوها وعملوا على مقاومتها والحيلولة دونها ودون إذلالهم والنيل منهم ؟ الواقع التاريخي يقول أن حركة النضال المصري لم تتوقف وخاصة حين زالت صدمة الاحتلال الأولى ، فراح المصريون يبحثون عن أنفسهم ، وعن شخصيتهم الحضارية وسط اندفاع الشعوب الأخرى في مسار حضارة القرن العشرين فاكتشفوا أنهم متخلفون وأنهم عاجزون عن مواجهة المحتل بنفس سلاحه فارتدوا إلى حين عن المواجهة المباشرة إلى المواجهة غير المباشرة في ميدان الثقافة والتعليم والرأي . وقد أسفرت حركة النضال هذه عن نتيجة على أكبر جانب من الأهمية والخطورة : لقد أصبح التعليم هو وعاء المقاومة الشعبية الخفية بين المصريين والاحتلال . ففي سنة 1908 نجحوا في إخراج مشروع الجامعة الأهلية إلى الوجود وأصبح التردد عليها مهرجاناً يومياً تتشكل من خلاله الشخصية النضالية المصرية . وكانت ، قبل هذا المشروع ، قد تكونت الجمعيات ، الدينية والسياسية ، التي قامت بتأسيس المدارس على اختلاف مراحلها ، للبنين والبنات ، بقوة الدفع منذ عهد إسماعيل من ناحية ، وبالرغبة في تحقيق الذات والتحرر من أسر و قيد الفقر والعوز من ناحية أخرى وما كان السبيل إلى ذلك سوى التعليم الذي عمل ، خلال هذه الحقبة ، وبقوة تيار عنيفة ، كرافعة اجتماعية للمصريين إلى مستوى اجتماعي وأدبي أفضل .
إن تطوير التعليم في مصر يواجه تحديين كبيرين أولهما أهمية رصد ميزانيات هائلة أو على الأقل التوصل لحلول بديلة غير تقليدية عبر فتح كل منافذ المشاركة المجتمعية في تمويل التعليم أو المسئولية الاجتماعية لرأس المال وترشيد المجانية فيما بعد التعليم الأساسي وإنشاء المدارس التعاونية ، وهي جميعها هي خيارات يتعين بحثها بجدية إلى جانب الاستمرار في زيادة مخصصات الدولة للتعليم .
يقول د. حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق ، وهو الوزير الذي استمر على كرسيه الفترة الأطول في ولاية تلك الوزارة على مدى تاريخها في الحقب الأخيرة " نحن بلد به شرائح كبيرة ـ تمثل جزءاً من ثروتنا البشرية ـ مازالت تتخطى حد الفقر ، وإدخالهم في المؤسسة التعليمية وإلزامهم بالتعليم مسألة تتعلق بالأمن والسلام الاجتماعي لأن هذه الشرائح لو تُركت لشأنها لن تتعلم . ففي جنوب الوادي على سبيل المثال يوجد أطفال صغار يسقطون في طابور الصباح فاقدي الوعي لعدم تناولهم طعام العشاء والإفطار .. إن مسئولية المجتمع هي أن يرعى تلك الشرائح لأنهم إذا تُركوا سيصبحون خطراً على الدولة وأمنها القومي وعلى السلام الاجتماعي . "
نتأمل تجربة " كوريا " التي اتخذ قادتها قرارهم الجرئ في مواجهة الأمية بكل أشكالها حتى لو كان على حساب إيقاف العملية التعليمية النظامية لمدة محدودة لإعادة تنظيم المؤسسة التعليمية وتجهيزها من جانب ، ومن جانب أخر تنظيم مواجهة شاملة لمحو الأمية ، وكان النجاح حليف أمة قررت اختصار أزمنة المواجهة ، بدلاً من " خناقات " مفتعلة بين حكومات غير مسيسة و شعب قرر أن يعلم ويعرف ويشارك ويرفض ويقبل ...