لعبت وسائل الإعلام المصرية فى السنوات الخمس الأخيرة دوراً بارزاً فى تبنى قضايا الوطن والمواطن، وفى الوقت الذى تبنّت فيه الصحافة القومية والتليفزيون الحكومى الخط الرسمى ودافعت عنه، فإن الصحافة الخاصة والمستقلة والحزبية، وأيضاً الفضائيات الخاصة، تبنّت قضايا الوطن وهمومه، وتصدّر الصحفيون المشهد فى التصدى لحكم المرشد والجماعة، وكانت سلالم نقابة الصحفيين بمثابة الملجأ الآمن لكل مظلوم، وللتعبير عن مطالب الحرية والكرامة، ومشاهد التصدى لحكم المرشد والجماعة لم تغب عن الذاكرة، أيضاً مشاهد مطاردة عصابات الجماعة للصحفيين والإعلاميين على أبواب مدينة الإنتاج الإعلامى لم تغب عن الذاكرة، ولا كذلك حصار «أبوإسماعيل» وأولاده لمدينة الإنتاج.
لعب الإعلام المصرى الخاص ونقابة الصحفيين دوراً محورياً فى الدعوة إلى ثورة الثلاثين من يونيو، وكانوا فى مقدمة الصفوف، كما مارسوا الدور نفسه فى دعم نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، وشاركوا فى الفعاليات المختلفة التى دعا إليها، وذهبوا وراءه فى كل مكان كنوع من الدعم عبر التغطية واسعة النطاق، سافروا وراءه قارات العالم المختلفة، وخرجوا على رأس المسيرات الداعمة للرئيس، والمواجهة لمسيرات جماعة الإخوان، ومنهم من تعرّض للاعتداء البدنى من قبَل عصابات الجماعة، سافروا وراءه على حسابهم الخاص وحساب مؤسساتهم الإعلامية، فعلوا ذلك دعماً للرئيس ومساندة لنظامه فى وقت كان فيه الرئيس فى أمس الحاجة إلى الدعم والمساندة، منهم من خاض معارك فكرية ودخل فى سجال مرير مع مراسلين ودبلوماسيين أجانب، دفاعاً عن ثورة ٣٠ يونيو، وتأكيد أنها ثورة شعبية وليست انقلاباً عسكرياً. باختصار لعبت نقابة الصحفيين دوراً بارزاً فى دعم مطالب الشعب من حرية وكرامة، وأسهمت وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما الخاصة منها، فى دعم مسيرة التطور فى البلاد، ومن ثم تُعتبر وسائل الإعلام المصرية، على مختلف أنواعها من ورقية وفضائية ومواقع تواصل اجتماعى، شريكاً أساسياً فى ثورة الثلاثين من يونيو، وتُعد غالبيتها مكوناً من مكونات هذا التحالف، والسؤال هنا ما الذى حدث وأوصل الأوضاع بين نقابة الصحفيين والحكومة إلى حافة المواجهة؟ هناك أفكار ليست بريئة تقول إن النظام، وبعد أن استقر، بدأ فى التخلص من شركاء التحالف، يرغب فى سيادة الفكر الواحد واللون الواحد، يرغب فى إعلام تعبوى خلف السلطة، على غرار إعلام «عبدالناصر»، لا يريد تنوّعاً وتعدّداً، لون واحد فقط يسير وفق توجيهات تصدر من جهة ما، يتلقفها الإعلام على مختلف أنواعه، ويعمل على التعبئة العامة خلف سياسات النظام. وهناك رؤى أكثر موضوعية تعتقد أن الصدام ليس بين النظام والنقابة، بل مع وزارة الداخلية، أو بمعنى أدق مع قطاع فى وزارة الداخلية يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وأن هناك أخطاءً من جانب مجلس النقابة وفّرت الظروف الملائمة لقرار الاقتحام.
فى تقديرى أن هناك مشكلة حقيقية فى بنية ومكونات النظام القائم اليوم فى البلاد، تتمثل فى تمدُّد المكون الأمنى على حساب السياسى فى صُنع القرار وإدارة الأزمات، وغلبة المكون الأمنى عادة ما تؤدى إلى صناعة أزمات جديدة، وليس حل القائم منها، خذ على سبيل المثال الأزمة مع نقابة الصحفيين، فالاقتحام تم للقبض على عضوين مطلوبين من النيابة العامة، وهو أمر لا بد من تحقيقه، لكن قانون النقابة يمنع دخول قوات الأمن أياً كان السبب، إلا فى حضور النقيب وممثل للنيابة العامة، كان يمكن حل الأمر ببساطة لو تم مخاطبة النقيب رسمياً وعلانية، ومنحه مهملة لتسليم المطلوبين، أو يحضر مع القوات ممثل للنيابة العامة، لو حدث ذلك ما كانت هناك مشكلة، ما حدث هو قرار بالاقتحام، واستعراض العضلات (على غرار مع جرى فى واقعة القبض على رجل الأعمال صلاح دياب ونجله)، حشد مجموعة من البلطجية والفقراء والمهمشين فى أوتوبيسات، مستخدمين شعاراً عزيزاً على قلوبنا هو «تحيا مصر» والسماح لهم بمحاصرة النقابة والإتيان بأفعال فاحشة وسب وقذف الصحفيين، فكان أن تصاعدت الأزمة وجرى التصعيد. هل هناك من سبيل للخروج من هذه الأزمة؟ نعم وذلك ما سوف نتناوله غداً بإذن الله.
نقلا عن الوطن