الملف المهم والتحقيق الصحفى الصادم الذى نُشر فى «الوطن» أمس بقلم الزميلة فاطمة مرزوق والزميل عبدالله عويس، فتح جرحاً نازفاً وفضح سلوكاً مشيناً صار للأسف دستوراً ومانيفستو للشخصية المصرية التى صارت مريضة بفيروس الفهلوة والأنانية والتحايل حتى ولو على حساب صحتها، فحوص ما قبل الزواج إجراء مهم وقرار رائع، ولكنه صار على أيدى المصريين، وكما قرأنا فى هذا الملف الرهيب، مجرد ورقة «نبلها ونشرب ميتها»، نطلعها بالرشوة ونختمها بالمحبة ونقدمها للمأذون بالفهلوة ونحن نبتسم ونهلل من الفرح: «هيييه انتصرنا على الدولة وضحكنا عليها»، نضحك على أنفسنا وننشر أمراضنا ونغتال علاقات أسرية وننتحر فى زيجات مكتوب عليها الفشل لمجرد إثبات أننا جدعان قوى ونقدر ننصب على البلد بسهولة ونرشى الموظفين وناخد الورقة بأقل مجهود!!، تفكير عقيم وسلوك لن يصلحه حكمنا بأنبياء العالم مجتمعين لو بعثوا من قبورهم!!،

أهمية هذه الورقة تماثل ورقة كتب الكتاب، وخطورة الالتفاف على فحص ما قبل الزواج تتفوق على خطورة الخيانة، البلاد المتحضرة التى يخاف فيها المواطن على نفسه وعلى بلده ويتعامل مع الوطن على أنه أسرته الكبيرة والذى تخلى عن أنانيته المفرطة مقابل احترام القانون الذى يحميه هو أولاً، هذه البلاد انخفضت فيها بل اختفت أمراض خطيرة نتيجة التطبيق الصارم لهذا الفحص والخطوات السليمة للحصول على تلك الورقة، ورقة فحص ما قبل الزواج التى كانت من أهم ما فعله د.حاتم الجبلى أثناء توليه الوزارة، هى ورقة تحمينى وتحميك وتحمى ابنى وابنتك، سأعطيك مثالاً واحداً فقط، مرض الثالاسيميا أو أنيميا البحر الأبيض المتوسط، البلاد التى تقع على الضفة الأخرى من البحر الأبيض اندثر فيها المرض تقريباً نتيجة احترامهم لهذه الورقة والتصرف بطريقة حضارية لاستخراجها وعدم اللجوء للانتحار الجماعى والتلذذ بالزوغان من التحاليل بالرشوة، مصر فيها، حسب الإحصاءات الأخيرة، سبعة ملايين ونصف المليون حامل للمرض، رقم مرعب، والأكثر رعباً هو الألم والمعاناة التى تعانيها أسرة الطفل التى زوغت من التحليل وطبعاً يعانيها الطفل الغلبان الذى ساقه حظه التعس ليولد من رحم أم مارست الحماقة وزوغت من التحليل ومن صلب أب نفح ممرضة المعمل أو طبيب الوحدة رشوة عشرين جنيهاً لكى يثبت لزوجته كم هو ناصح وفهلوى وابن حنت ويجيب التايهة ويضحك على أكبر شنب فى الحكومة، يقول لها وهو منتفخ الأوداج انتى متجوزة سبع!!،

وهو لا يعرف أنه بهذه الفعلة ليس أسداً ولكنه للأسف حمار كبير، هل تعرفين أيتها الزوجة المزوغاتية وهل تعرف أيها الزوج الفتك ماذا فعلت بابنك الذى سيولد بأنيميا البحر الأبيض المتوسط؟ هذا هو مستقبل ابنك باختصار، الثلاسيميا مرض ينقل عن طريق الوراثة ويؤثر على عمر الكريات الدم الحمراء، تحصل طفرة فى مكونات الهيموجلوبين مما يسبب تكسراً فى خلايا كرات الدم الحمراء فيحاول الجسم أن يعوض هذا النقص عن طريق زيادة تكاثر كرات الدم الحمراء وبالتالى يصبح كثير من عظام الجسم وأعضائه مصنعاً للنخاع مما يؤدى إلى انتفاخ جمجمة الرأس وكبر الطحال والكبد، ولكن كل هذا الإنتاج الكبير من كريات الدم الحمراء يفشل فى تعويض الهلاك الذى تتعرض له كريات الدم الحمراء، فيضطر الطبيب إلى نقل الدم إلى المريض بصفة مستمرة، نقل الدم عادة ما يكون مصحوباً بازدياد الحديد فى جسم المصاب مما يسبب له ضرراً بالغاً على الكبد والقلب أو الفرصة للإصابة بالتهابات فيروسية للكبد، وتكلفة المريض لكى يهرب من مصيره المؤلم بالموت المبكر ويقلل الحديد فى جسمه بالأدوية الحديثة عشرات الآلاف من الجنيهات كل شهر!!،

هل نحن أقل من قبرص التى من خلال فحوص ما قبل الزواج تخلصت من المرض؟!!، أهم وأول ما يسقط أى دولة فى الدنيا هو اجتماع الغباء مع الأنانية والحماقة فى مواطن يظن نفسه ذكياً ولكنه لا يدرك أن ذكاءه من نفس نوعية ذكاء الزوج الذى ضبط زوجته متلبسة بالخيانة فقام بختان نفسه انتقاماً منها!!.
نقلا عن الوطن