الأقباط متحدون - صناعة الأزمات
أخر تحديث ١٧:٤٩ | الاربعاء ٤ مايو ٢٠١٦ | ٢٦برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩١٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

صناعة الأزمات

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تحرص مراكز الفكر والبحث والمؤسسات الأكاديمية والاستراتيجية على تدريس ودراسة مناهج وطرق إدارة الأزمات والتعامل معها، وأذكر أثناء الدراسة فى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد أننا درسنا مناهج إدارة الأزمات بدءاً بتعريف الأزمة وصولاً إلى حلها وكيفية متابعة ردود الفعل لاتخاذ ما يلزم من قرارات إضافية فى التعامل مع الأزمة. ومؤخراً تكرر الحديث عن غياب الرؤية فى التعامل مع الأزمات التى تتعرض لها البلاد، ويدلو عشرات الخبراء والمتخصصين بدلوهم فى عرض وشرح المناهج المختلفة فى إدارة الأزمات، وهى جميعها إسهامات ممتازة ومفيدة لصانع القرار والدائرة المحيطة به. لكن يبدو أن النظام فى مصر فى حاجة لخطوة أولية تتمثل فى الكف عن صناعة الأزمات، فى حاجة لتعلم أبجديات الإدارة السياسية وأصول الحكم لأن القضية فى تقديرى باتت صناعة النظام المتكررة للأزمات ثم يدخلنا فيها جميعاً، فنبدأ الحديث عن إدارة هذه الأزمات، بينما النظام فى الحقيقة يحتاج إلى التحلى بالرشادة الأولية التى تتمثل فى عدم تكرار صناعة الأزمات.

مشكلة النظام القائم فى تقديرى تتمثل فى افتقاد خبرة الإدارة السياسية من ناحية، وعدم إنتاج نخبة جديدة تحل محل النخبة السياسية التى شكلها الحزب الوطنى، فهذا الحزب مثّل مدرسة سياسية وقام بتجنيد أفضل الكوادر والخبرات فى مختلف التخصصات، وهكذا كان موت هذه النخبة لاسيما السياسية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وجاءت الجماعة بنيتها الخاصة التى صنعت عشرات الأزمات وفشلت فى إدارتها فكان الرحيل فى الثالث من يوليو. ثم جاء النظام الحالى الذى بدأ من نقطة مبشرة للغاية واعتمد على تحالف 30 يونيو على النحو الذى تجسد بوضوح فى الانتخابات الرئاسية التى دعمت فيها كافة مكونات تحالف 30 يونيو الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبدا الأمر مبشراً جداً، ثم تلقينا الصدمات الواحدة تلو الأخرى، جرى الاستبعاد التدريجى لمكونات تحالف 30 يونيو، وتم ذلك بإدارة أمنية خالصة مع غياب تام للعقل السياسى، فمن يتم الاختلاف معه يجرى استخدام أدوات قذرة فى التشهير به تصل إلى تسريب مقاطع تتعلق بالحياة الخاصة، أيضاً تم إغلاق الدائرة المحيطة بالرئيس بإحكام شديد واستبعاد كل من يمكن أن تصدر منه رؤية نقدية، ترافق ذلك مع تصور ساذج بإمكانية سيادة لون واحد فى الإعلام، الإطاحة بكل من لديه رؤى مختلفة من أرضية الدعم والمساندة والتأييد.

لدينا اليوم نظام حكم بدأ من حالة تأييد ودعم ومساندة غير مسبوقة، بدأ من تحالف ضخم، ثم ارتكب كافة أشكال الأخطاء والخطايا المتصورة وغير المتصورة كى يفقد كل طلعة شمس جزءاً من مؤيديه، ولم يكتف بذلك بل أدخل نفسه فى سلسلة أزمات صنعها بنفسه، خذ منها على سبيل المثال اقتحام مقر نقابة الصحفيين للقبض على مطلوبين للنيابة، هنا أقول إن القضية كان يمكن حلها ببساطة عبر مخاطبة نقيب الصحفيين ومجلس النقابة بتسليم المطلوبين وتطبيق القانون، وأن يعلن ذلك فى وسائل الإعلام المختلفة وتعطى للنقابة مهلة ولتكن 24 ساعة لتسليم المطلوبين، وإلا فإن البوليس سيدخل النقابة لتنفيذ قرار النيابة العامة، وهنا يوضع النقيب ومجلس النقابة أمام مسئولياتهم، فإما التسليم أو التسبب فى دخول الشرطة مبنى النقابة وتنفيذ قرار النيابة العامة، فالنقابة لها حرمتها وحصانتها، ولكنها نقابة مصرية وليست سفارة لدولة أجنبية.

ما حدث كان قراراً متهوراً وغير مدروس باقتحام النقابة والقبض على المطلوبين، فكانت الأزمة التى صنعها النظام لنفسه والتى أدارها بشكل لا يقل سوءاً عن صناعتها. فى تقديرى النظام فى حاجة عاجلة لفتح الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس والاستعانة بقدرات وكفاءات مصرية مخلصة حتى يتوقف النظام عن صناعة الأزمات ثم يتعلم إدارة وحل الأزمات.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع