نبيل المقدس
ربما أحد الأثرياء مِمَنْ آمنوا بالمسيح , ومَنْ كانت لهم حدائق خاصة في ضيعة جثسيماني , أعطي السماح للرب يسوع لكي يصطحب التلاميذ للصلاة والتأمل والراحة , هذا عندما كانوا يصعدون إلي أورشليم كل سنة لحضور عيد الفصح . وكان هذا المكان يتميز بالهدوء والسكون مما كانت تعطي فرصة أن يختلي يسوع لوحده مع الآب في صلاة تستمر ساعات طويلة . وقد تعوّد هو وتلاميذه علي المكان فكان من السهل علي يهوذا أن يتوقع مكانه , بعد ما ذهب إلي بيت عينيا ولم يجدهم لتسليمه لليهود ,حيث كان مِنْ وقت قليل خرج بعد ما واجهه الرب بالقول : "مَا أَنْتَ بِأَكْثَرِ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ سُرْعَةٍ ."يوحنا 13 : 27
لم يكن يهوذا وحده عندما رجع إلي بيت عينيا ليسلم سيده لليهود , بل كان يرافقه "الْجُنْدَ وَخُدَّامًا مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، بِالمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ." يوحنا 18 : 3, فلما لم يجدوه هو و التلاميذ , ذهبوا فورا إلي البستان" . ويُقال أن عدد الجُند كان تقريبا 200 فردا .. وفي بعض التفسيرات 1000 عسكري .. وليس من الصعب تجميع هذا العدد المهول من افراد الجند لوجود قلعة أنطونيا علي حدود اورشليم التي تعج بالجنود تراقب الهيكل وخصوصا في أعياد الفصح للحفاظ علي الأمن وبطش المتظاهرات إن وُجدت. ومن العجيب ان السلطات الرومانية جيّشت جيشا كاملا للقبض علي إنسان واحد .. لأن هذه السلطات كانت تعلم تماما , أن هذا الشخص " يسوع " تكمن فيه قوي معجزية تتحدي البشر والحديد والنار.
من هنا يعطينا يسوع درسا عظيما في الشجاعة .. ففي هذا المشهد الذي امامنا أمر غريب وعجيب .. فالجنود كانوا يحملون المشاعل والمصابيح بالرغم أن عيد الفصح كان يأتي في وقت يكون فيه البدر مكتملا , إلي حين يتحول بدائة الليل إلي ما يقرب مِنْ النهار ..... فلماذا إذاً وجود المشاعل والمصابيح ؟؟ .. واضح أنهم كانوا يتوقعون أن يسوع هرع وخبأ نفسه في الكهوف أو بين أحد شقوق الجبال .. ولكنهم إندهشوا لما شاهدوا " يسوع " واقف أمامهم بلحمه ودمه ويقول لهم : " مَنْ تطلبون " ؟ .. وفي تلعثم قالوا " يسوع الناصري ". ويجيبهم يسوع في شجاعة وبدون خوف " أنا هنا ". وبدأ الجند يقولون فيما بينهم : هل هذا مَنْ ظننا أنه مختبأ في الكهوف ؟ .
ها هو يجابه جيشا كامل التسليح لوحده , وحين يعلن نفسه أنه يسوع المسيح يتراجعون , ويسقطون أمامه , من نظراته المملوءة سلطان الأقوي منهم جميعا مجتمعين مسلحين... ، " وإذا واحد من الذين مع يسوع ( وهو التلميذ بطرس ) مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون."لكن واضح من إستسلام يسوع لهم , بالرغم أنه كان يستطيع إنتهاز لحظة وقوعهم وإرتباكهم أن يجتاز في وسطهم , دون أن يستطيع أحدهم إلقاء القبض عليه .. ولقد حدث ذلك من قبل , حينما أراد اليهود أن يلقوا به في كفر ناحوم من قمة الجبل , ولكنه إجتاز في وسطهم ومضي . إذا كان يسوع قبل تلك الساعة يطلب من الآب بأن يبعد عنه الكأس ، الآن أصبح قوياً ومستعدا لكي يشرب كأس الآلام بكل قوة وشجاعة بسبب محبته الفائقة لخلاص البشر . لكن هذه المرة أعانهم وساعدهم للقبض عليه .. لقد إختار الموت... والوقت قد حان.
***وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَان ....!!
*** مبارك الرب في محبته اللامحدودة للبشر . وفي موته الذي بسببه رفع عنا حكم الموت .
وكل سنة وانتم طيبين ..... !