الأقباط متحدون - مَوْكِبُ أحَدِ السَّعَفِ
أخر تحديث ١١:٠٥ | السبت ٢٣ ابريل ٢٠١٦ | ١٥برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٠٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

مَوْكِبُ أحَدِ السَّعَفِ

مَوْكِبُ أحَدِ السَّعَفِ
مَوْكِبُ أحَدِ السَّعَفِ

بقلم القمص اثناسيوس جورج
في الأحد السابع من الصوم الكبير (الأحد السابق للقيامة) تحتفل الكنيسة بتذكار دخول السيد الرب إلى أورشليم قبل آلامه؛ وللمرة الأخيرة على الأرض، دخل في هذا اليوم ليملك على خشبة وليُتوَج بإكليل الآلام والشوك، فيتمم عمله الكهنوتي الذبائحي كرئيس الكهنة الأعظم، يقدم ذاته ذبيحة فداء أبدي، وخرجت الجموع في موكبه الملوكي؛ مبتهجة مترنمة؛ حاملة سعف النخل وأغصان الزيتون؛ صارخة (أوصنا في الأعالي؛ مبارك الآتي بسم الرب).

إنه موكب البركة والخلاص والفداء الذي صنعه من أجلنا ومن أجل السرور الموضوع أمامه؛ ومسرة الآب الذي سحقه بالحزن؛ فأطاع حتى الموت موت الصليب؛ بإرادته وسلطانه وحده؛ ومسرة الرب بيده تنجح.

دخل أورشليم؛ لا ليملك مُلكًا زمنيًا؛ لكن ليملك فوق رابية الجلجثة، ويكون صليبه هو عرشه؛ وفي يده يمسك قصبة عوضًا عن صولجان المجد... إكليل شوكه هو تاجه الإلهي؛ الذي تكللت به هامته، فأسس ملكوتًا أبديًا ليس من هذا العالم؛ وصار ملكوته أبديًا لا ينقرض ولا يتزعزع؛ وليس لملكه انقضاء. هدم بيت القوي ونزع سلاحه؛ وانتزع الغلبة لحسابنا... هدم مملكة الشيطان؛ ورفع عنا نير الخطية وحررنا من العبودية.

ذهب العالم كله وراءه؛ وضم في موكبه كل الذين جال وصنع معهم خيرًا: علمهم وأطعمهم وشفاهم وأبرأهم من عاهاتهم وأسقامهم؛ وأقام موتاهم، وقد هربت من أمامه الشياطين وفزعت، وأطاعته البحار والرياح وكل قوى الطبيعة. لقد جمعموكبه الذين نظروا جميع قواته؛ والتي لو كُتبت جميعها لَمَا اتسعت لها كتب العالم.

دخل إلى الهيكل وهو رب الهيكل، ملك البر والسلام؛ حاملاً الجلال والعدل، ولو سكتت الجموع لصرخت الحجارة، وهو الذي حوّل القساة المتحجرين إلى حجارة حية مقدسة؛ فجعل الحجارة تنطق والنبوات تكتمل؛ وأبواب الفردوس تنفتح؛ لأنه جاء ليخلص ما قد هلك. دخل إلى الهيكل الذي سبق وعلّم فيه؛ وبُهتت الجموع من تعاليمه.

توجّه إلى هيكل بيت أبيه كسيد يأتي بغتة للذين يطلبونه ويُسرون به؛ لذلك طهر الهيكل بسلطان عظيم وبغَيْرة آكلة؛ ليُعيد له مجده؛ كهيكل طاهر سمائي؛ موبخًا لصوص الهياكل في كل جيل؛ مناديًا عليهم "بيتي بيت صلاة يُدعىَ؛ وأنتم جعلتموه مغارة للصوص" (مر ١١ : ١٧).

إنه ملكٌ متواضع؛ أمه عذراء فقيرة، ونُسِبَ إلى نجار، ووُلد في مذود، ولم يكن له أين يسند رأسه، استعار بيوتًا ليبيت فيها، استعار مركبًا ليعظ، واستعار عِلّيّة ليصنع الفصح، واستعارالأتان ليدخل أورشليم، وبتواضعه وهو رب العرش أتانا راكبًا على جحش، وحتى في موته استعار قبرًا؛ بينما هو صاحب الغنىَ الذي لا يُستقصىَ؛ والذي يعطينا خيراته غير الموصوفة؛ ويمتعنا بكرم أبيه.

إنه ملك باكٍ؛ بكى على المدينة؛ لأنها لم تعرف ما هو لخلاصها؛ ولم تعرف ما هو زمان افتقادها، باكيًا على أورشليمنا؛ بسبب التحجر والقساوة والجهالة التي تحاصرنا بمترسة؛ والتي إذا لم نرجع عنها؛ سوف لن تترك فينا حجرًا على حجر. إنه يبكي على الذين يستخفّون بكلامه ويتاجرون بتعاليمه ويرذلون شعبه وغنم رعيته.

إنه ملك مذبوح ومصلوب؛ لكي يطهر ضمائرنا من أعمالها الميتة؛ ولكي يُبطل الخطية بدم صليبه؛ الذي بروح أزلي قدمها لأبيه بلا عيب؛ لأنه الحَمَل الإلهي الذي ذُبح من أجل جميعنا. إنه ملك في يده سوط؛ لا يسمح لأحد أن  يتجاوز بمتاع هيكله، ويطرد كل من يحوّل بيت أبيه إلى مغارة لصوص... يضرب بالسوط كل من يسرق مجد هيكله؛ وكل من يدنس العبادة؛ ويقاوم كل الأعمال اللصوصية التي تحُول دون مجد بيته. وهو إلى الآن يطرد بسلطانه وسوطه؛ السُّرّاق وأصحاب المصالح والذين يحوِّلون خدمته إلى تجارة ويسرقون مجده لأنفسهم.

إنه ملك قوي؛ دخل فارتجت المدينة؛ وخلع الناس ثيابهم وفرشوها عند أقدامه؛ لكنه في ذات الوقت ملك فقير؛ لم يأتِ جالسًا على مركبة ذهبية؛ ولا ملتحفًا بالأرجوان؛ ولا راكبًا على فرس ناري؛ ليؤسس ملكوت البسطاء والمساكين بالروح؛ وغير المولعين بأُبّهة العالم. إنه ملك وديع ومنصور؛ ففي وداعته أتى كملك ليكمل الخلاص الذي من أجله جاء؛ ولكي يأسر قلوب الذين فداهم واشتراهم بوداعته. مذوده هو قصره، ولباس الحملان هو رداؤه، والرعاة والعذارى هم حكومته، والتواضع والوداعة هما علامتا مُلكه.

التسبيح والبهجة وفرحة الطِيب الغامر هي لغته، والخلاص الأبدي هو مكافأته، والذين يمشون في موكبه سيقولون عند مجيئه (مبارك الآتي بسم الرب) عندما يأتي في مجيئه الثاني المخوف؛ مُحاطًا بجيوش العساكر والطغمات؛ مكتسيًا بالنور كثوب؛ ليدين الذين دانوه؛ ويحاكم الذين استهانوا به؛ بينما هم يقرعون على صدورهم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter