بقلم: ناصر راشد
جاءت كلمات مستشار مفتي الجمهورية اللبنانية، السيد محمد السماك، أمام لقاء الجمعيّة الخاصّة من أجل الشرق الأوسط لسنودس الأساقفة و الذي حمل عنوان (الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة و شهادة) والذي عقد بروما في الفترة10–24 أكتوبر/تشرين الأوّل 2010م إلى أنه \"من المهمّ جدًّا أن لا يكون هذا السينودس مجرّد صرخة ألَم مسيحيّة تدوّي في وادي الآلام في شرقنا المعذّب.
إنّ الأمل معقودٌ على أن يضع السينودس أسسًا عمليّة وعلميّة لإطلاق مبادرة تعاون إسلاميّ -مسيحيّ مشترك تدفع الأذى عن المسيحيّين وتصون العلاقات الإسلاميّة- المسيحيّة، ليبقى الشرق مهبط وحي السماء جديرًا برفع راية الإيمان والمحبة والسلام له وللعالَم كلّه\" كما أكد على \" إنّ هجرة المسيحيّ هي تفريغ للذات العربّية، هويّة وثقافة وأصالة\" وفي نفس اللقاء جاءت مداخلة المطران بطرس مراياتي أسقف حلب و التي حملت عنوان (هل يأتي يوم يشهد فيه العالم المتفرّج والكنائس الغربية اللامبالية \"موت مسيحيي الشرق\"؟) صدامية العنوان لكنها أيضاً ظلت تطرح سؤالاً مشروعاً لا يعبر عن رغبة في العيش المشترك فقط لكنه أيضاً ينبع من قلق وخوف مما يحدث الآن تجاه مسيحيي الشرق ،حتى و إن اختلفنا معه في الجهة التي نتساءل بشأنها (الكنائس الغربية) إلا أننا نتفق معه في مشروعية السؤال ، وقد جاءت تفجيرات كنيسة ( سيدة النجاة ) للسريان الكاثوليك ( العراقيين ) ببغداد العراقية في الحادي و الثلاثون من شهر أكتوبر بعد اختتام أعمال السنودس وكأنها تؤكد أن القضايا التي تناولها اللقاء بالمناقشة و البحث هي قضايا حقيقية تماماً و ليس كما يدعي البعض و يصر على إدعائه هذا بأنه ليست ثمة مشكلة لدى المسيحيين في الشرق الأوسط ،أو أن ما يحدث هنا وهناك ما هو إلا زوبعة في فنجان أو سحابة صيف ستمر سريعاً دون أن تخلف أية آثار تذكر.
ولكن ما حدث بعد ذلك بعدة أيام القي بهذا الزعم بعيداً ، ففي التاسع و العاشر من شهر نوفمبر استهدفت عدة تفجيرات منازل أو أحياء يقطنها عراقيين مسيحيين دون أن تبالي بمحاولات البعض (الواهنة) في درء الخطر المحدق بالعراق أو بالمنطقة العربية بأكملها ودون الالتفات لأبواق الوحدة الوطنية التي تسعى إلى لم الشمل العراقي الذي فتته الاحتلال و العرب على حد سواء. كل تلك الأحداث وغيرها يطرح علامة استفهام كبرى حول دور الدولة في حماية حياة مواطنيها وأمنهم وممتلكاتهم، وحرياتهم الدينية ،فالتخاذل الذي تبديه الحكومات – بمستويات متفاوتة – ترك الكثيرين دون حائط يرتكنون عليه أو يسندون إليه ظهورهم ليصبحوا فريسة \"لآخرين \" هم في الواقع جيران لهم أو ربما أقارب و ربما مواطنين في نفس الوطن . وقد جاء ضمن النشرة التي صدرت بعد انتهاء الجمعية \" إن حقوق الإنسان هي الأساس الذي يضمن خير الإنسان الشامل، بصفته معيار كل نظام سياسي واجتماعي. وينبع ذلك من نظام الخلق نفسه. فمن لا يحترم خليقة الله، وفقا للنظام الذي وضعه هو، لا يحترم الخالق.
و يتطلب تعزيز حقوق الإنسان السلام والعدالة والاستقرار،والحرية الدينية هي أحد المكوّنات الأساسية لحقوق الإنسان. وما حرية العبادة إلا مظهر من مظاهر الحرية الدينية. وهي مكفولة في معظم بلداننا بقوة الدستور\" ولكن بعض ممارسات الحكومات أو الأفراد قد تحول دون ذلك الحق الدستوري و الطبيعي . كل هذا يطرح سؤالاً حول \" ما إذا كنا نؤمن حقاً بالتعددية وبالاختلاف الذي هو سٌنة الطبيعة و الوجود أم أننا نرفض كل من هو يختلف عنا (وطبقاً لرؤيتنا نحن و لأسبابنا نحن أيضاً )؟؟ \"سؤال علينا أن نجيب عنه بصدق وبفعل حقيقي يٌترجم إلى سلوك يومي نتعايش به وندعو إليه من أجل مستقبل مشترك ، مستقبل ندعو من أجله إلى الوحدة، ليست الوحدة التي تذوب فيها الاختلافات و تنفي المختلف عني بوصفه آخر بقدر ما يذوب فيها الخلافات ليصبح لكل منا نفس الحق وعليه نفس الواجب،كما أنها الوحدة التي تضمن الحق في الاختلاف و التعددية و تحافظ عليهما إذ أنهما مصدر ثراء وغنى. كما أنه يطرح سؤالاً أخر غاية الأهمية ألا وهو ما هو مستقبل مسيحيي الشرق ؟أم علينا أن نطرح السؤال الأكثر أهمية ...ما هو مستقبل الشرق بأكمله؟