بقلم: ليديا يؤانس
"هل تسمعيىن أشواقي عندما أكون صامتاً؟
إن الصمت يا سيدتي هو أقوي أسلحتي ..
هل شعرت بروعة الأشياء التي أقولها عندما لا أقول شيئاً؟"
التوقيع: نزار قباني
الكلام رائع ولكن في بعض الأحيان يكون الأروع منه هو الصمت!
بدون شك الكلام ترجمة لما يدور بالعقول، وقالوا في المثل: وزعوا الأرزاق ماحدش عجبه رزقه، ولكن لما وزعوا العقول كل واحد عجبه عقله!
طبعاً شئ رائع إن الإنسان يُثمن نفسه، ويعتبر نفسه أفضل من كل الناس!
ولكن ما المقياس علي صحة العقول وما تحتويه من أفكار ومعلومات وثقافات؟
المجنون شايف نفسه أعقل خلق الله!
الجاهل شايف إن ماحدش يفهم أفضل منه!
إللي حفظ له آيتين في أي كتاب ديني، إعتبر نفسه، ديان لخلق الله ومن المدافعين عن الله!
الآن 99% من الناس يتكلمون، ويرفعون حناجرهم عالية، سواء عن علم أو بدون علم ولكن فقط لتمجيد "الأنا" بداخلهم!
الغالبية العُظمي من الناس في عصرنا هذا يريدون أن يتكلموا هُمّ فقط ، وأن يصمُت الآخرين!
نعم، لكي يحترم الإنسان ذاته وإمكانياته الفكرية، يجب أن يصمُت، أمام الغوغاء واللاعقلانية والأفكار الموتورة والعقول المريضة، وإلا سوف يبذل طاقته الفكرية وامكانياته الجسدية فيما لا طائل من وراءها.
نعم عزيزي، لأنك إذا جادلت الأحمق صرت جاهلاً وأحمق منه.
الشخص الذي يمتلك مواهب فكرية أو أدبية أو علمية أو فنية، في الغالب يعرف قدر الآخرين، كما يعرف قدر نفسه، أنه علي إستعداد لقرع الحُجة بالحُجة، ومُناقشة ودحض الفكر بالفكر.
ولكن في هذه الأيام، الدُنيا هاصت، كثر الكلام، إتحنجل ضعاف النفوس لكسب صيت علي جثث الأبرياء، نصبوا الشباك، صوبوا السهام، إصطادوا نفوساً بريئة، تراشقت الإتهامات، ماتت الضمائر وحلت جحافل الشر، فوضعوا القوانين الظالمة، وأصدروا أحكاماً صادمة في غيبة من العدالة، ووقفت الأجهزة العليا وقفة صمت رهيبة!
كُمِمْت الأفواه، كُبلت الأيادي، سُجنت العقول وراء القضبان، أُرسلت رسائل مُشفرة للذين خارج القضبان، فهل يكون هذا هو صراع الصمت؟
قال نزار قباني:
"في بلاد يُغتال فيها المُفكرون ويُكفر الكاتب وتُحرق الكتب ... في مجتمعات ترفض الآخر وتفرض الصمت علي الأفواه والحجر علي الأفكار وتُكفر أي سؤال ... كان لابد أن أستأذنكم ان تسمحوا لي ... فهل تسمحون لي".
نعم، أنه صمت رهيب للأجهزة العليا بالدولة ..
صمت بالإجبار للعقول في غياهب السجون ..
ولكن هل هذا نذير بالصمت لمن هم خارج السجون؟
أنه صراع الصمت، بين النضال الفكري والسلام الأمني، ولكن الساكت عن الحق هو شيطان أخرس!
إذا لم تناضل من أجل حقك الفكري الآن، قد تدور عليك الرحي، وتضيع أنت وفكرك أيضاً في ظُلمات صمت السجون.
ولكن بالرغم من ذلك هناك بارقة أمل، كما يقولها "لوروابراونلو": هناك لحظات يكون الصمت فيها أعلي صوتاً من الكلام.
كثيراً ما يحاول الإنسان ان يُفاضل بين الكلام والصمت، ولكن تصعُب المُفاضلة علي مستوي الحدث، فما يصلح معه الكلام قد لا يجدي معه الصمت والعكس صحيح.
وعلي ذلك قالوا في المثل: "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
أي لا تنطق بالكلام، إلا إذا كان كلامك أفضل من الصمت، وأن تلجأ للصمت عندما يكون من تُكلمه إقل من مستوي الكلام.
من المُلاحظ أن معظم الحُكماء والعُظماء والقديسين، قد فضلوا الصمت واضعين أمامهم مقولة الحكيم: "كثرة الكلام لا تخلوا من معصية".
ويحضرني هُنا ما قاله القديس أرسانيوس مُعلم أولاد الملوك، بعبارته المشهورة: "كثيراً ما تكلمت فندمت .. وأما عن سكوتي فما ندمت قط".
عزيزي القارئ، أروع ما في الصمت أنه لغة العظماء، لا تقلق إذا كانت الظروف قد أجبرتك علي الصمت، فقد يكون سلاح الصمت أقوي من سلاح الكلمة.
عزيزي، ثِقْ أنهُ حينما تتكلم فأنت كتاب مفتوح لكل عابر سبيل يقرأ، ولكن حينما تصمُت فأنت لُغز يحاولون فك أسراره!