بقلم - مجدي جورج
حط في قريتنا احد الاعراب في يوم من الأيام بخيمته وابله وأبنائه ونصب خيمته بجوار بيت جدي وطلب حمايته فقام جدي الشهم الشجاع بحمايته ومساعدته ومد يد العون له وكان يقدم له الكسوة في الأعياد ويرسل له المونه السنوية التي تكفيه هو واولاده خصوصا ان الرجل لم يكن يعرف الزراعة والفلاحة كاهل بلدتنا ، وكان يرسل لاولاده شيوخ الكتاب علي نفقتنا كي يعلموا أولاده وطبيب الصحة كي يهتم بهم .
وجاءنا بعده في يوم من الأيام جار اخر سئ الخلق آكل لحقوق الناس لم يكن له لا بيت ولا املاك في بلدتنا ، متمحكا بصلة القرابة بينه وبين بعض جيراننا ،وأقام هذا الجار لبعض الوقت عند أقاربه ولكنه رويدا رويدا وبمساعدة بعض الأشقياء من خارج بلدتنا استولي علي بيوت الجيران بالدهاء تارة وبالشراء والغش تارة وبالقوة الجبرية تارة اخري حتي اصبح ذاك الرجل السئ الخلق يملك حارة باكملها كانت قريبة من بيتنا الكبير ومن المكان الذي حط فيه هذا الاعرابي .
ومرت الأيام والسنين ومات هذا الاعرابي ومات جدي وفجاءة اتي لزيارتنا أبن من ابناء ذلك الاعرابي بعد ان وسع الله عليهم ووهبهم الثروة والغني والجاه بسبب ما قيل انهم عثروا علي كنز في باطن قطعة ارض كانوا استولوا عليها بحد السيف ، دخل علينا الرجل محملا بهداياه ففرحنا بها جميعا وقلنا انه لازال يذكر الجميل الذي فعله جدنا مع ابيه ولكن للاسف فانه حمل لنا مع هداياه نبأ قسم بيتنا الامن رأسا علي عقب ، فقد قال لنا لقد استودع ابي وديعة عندكم وقد جئنا نسترد وديعتنا وعندما استفسرنا منه عن وديعته قال لنا :-
لقد كنا نملك جزء صغير من حقلكم المتسع المترامي الأطراف هذا وعندما جاء جار السوء في ذلك الزمن القديم خاف ابينا ان يلحقه آذي او ان يستولي هذا الجار علي ملكنا فتركه لجدكم الكبير كي يتولي حمايته .
فقلنا له بغضب وبصوت واحد ولكننا عشنا عمرنا كله علي هذه الارض لم نسمع بهذه الحكاية ابدا . وأضفنا ومادليلكم ؟
فرد الزائر قائلا دليلنا هذا الخطاب الذي ارسله ابن اخي الي أبوكم يطالبه برد هذه الوديعه .
فرددنا عليه جميعنا قائلين ان خطاب كهذا لا يمكن ان يكون سند ملكيه فأي احد يستطيع ان يدعي علي اي أحد اخر ويرسل له مثل هذا الخطاب لكن البلد فيها حكومة وقانون واذا كان لديكم اي سند ملكية فلنلجا الي القانون وهو الفيصل بيننا . ليس هذا فحسب بل كيف لابيكم الذي آويناه واطعمناه ان يقول انه كان مالك لجزء من حقلنا ولم يكن لديه لا فاس ولا محراث ولا مهنة له الا رعي الإبل والماعز . ثم انه لو كان كلامكم منطقي وكان لكم وديعة عند جدنا فأين كُنتُم عندما حاول جار السوء ان يستولي علي بيوتنا وحقولنا ولم نتمكن من طرده من أملاكنا وتحريرها الا بعد ثلاث معارك كبيرة سالت فيها دمائنا ودماء اولادنا بل اننا وقتها أرسلنا الأطفال والسيدات للإقامة عند الأهل والجيران عند أطراف البلدة حتي لا تطولهم أيد جار السوء .
ولماذا تأتون الان وتقولوا ان لكم ملك عندنا بعد مرور عشرات السنين علي الصلح الذي عقده كبار رجال البندر بيننا وبين جار السوء هذا ؟ لماذا لم تأتوا لتساعدونا وقت الأزمة ضد جار السوء ؟
واذا كان لكم حق وأرض وعرض فلماذا لم تذهبوا ايام مشاكلنا ومعاركنا مع جار السوء الي رجال الحكومة والشرطة لتقدموا شكوي ضده كما فعلنا نحن عشرات المرات ؟
واذا كان لكم حق عندنا فأين شهودكم وانتم الان اصبحتم من اصحاب الجاه والمال ومع كل ثرواتكم تلك لا تجدون احد من كبار رجال البلد او المركز يشهد ان لكم حق عندنا ؟
ثم اذا كان لكم حق عندنا فبالاولي ان يعرف بهذا الامر الأشقياء الذين ساعدوا جار السوء قديما ولكانوا قد باحوا له بالسر وماكان قد تصالح معنا وترك لنا حقولنا وارضنا كاملة وعلي الاقل كان سيتمسك بهذا الجزء من حقلنا الذي تدعون ملكيته وسيقول انه ملكه ، كما فعل ذلك تماماً مع لبني بنت بلدنا التي ترك لها كل حقولها التي احتلها سابقا ماعدا مزرعة صغيرة كانت محل خلاف بينها وبين جارتها الجدة سكينة فهو لايريد اعطائها للسيدة لبني قائلا انها ملك الجدة سكينة .
في نهاية زيارته تركنا ابن الاعرابي بعد ان قدم هداياه لكبارنا وبعد وعود بمساعدتنا في كافة المجالات ولكنه تركنا منقسمين علي انفسنا فقام كبيرنا بجمعنا في الدوار الكبير و قال لنا لا تغضبوا يااولادي وأحفادي فانا كبيركم الذي اعرف ما لاتعرفون وقد استشرت كبار رجال العائلة وقالوا ان كلام هذا الزائر صحيح ، وعندما استشطنا غضبا قال لنا أرجوكم لا تتحدثوا في هذا الموضوع ثانية حتي لا تعكروا صفو العلاقات بيننا وبين ابناء واحفاد الاعرابي الذين أصبحوا من الأغنياء ، ونصحنا البعض بسماع كلام كبيرنا وقالوا لنا لا تنسوا ان كبيركم هو الذي حماكم ولازال من اللصوص والأشقياء وقطاع الطرق ثم أنكم لن تتنازلوا الا عن بضعة قراريط قليلة جدا من حقلكم الكبير الذي يشمل مئات الأفدنة وهذه المساحة جرداء قاحلة مالحة لاتصل اليها المياه.
ومن يوم الزيارة المشئومة ونحن كعائلة منقسمين قسم يقول لا يجب ان نخالف كلام كبيرنا حبا فيه واحتراما له خصوصا بعد ان تعهد لأبناء واحفاد الاعرابي بإرجاع حقلهم وقسم اخر يري اننا لا يمكن ان نترك ارضنا وعرضنا وحقلنا لهؤلاء المحتالين خصوصا انهم أينما حلوا زرعوا الشقاق والفرقة بين اهل البيت الواحد .