ما قبل الصلب ...!!
نبيل المقدس
فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ. ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ لِتَلاَمِيذِه : "لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً .قَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ: "يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا إِلَى هُنَاكَ." أَجَابَ يَسُوعُ: "أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هذَا الْعَالَمِ،وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ . "يوحنا 11: 6 – 10
يهمنا من هذا المقطع هو ما يعنيه يسوع من القول " أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ .... " فهو يقصد أن النهار لاينتهي , قبل ما تنتهي ساعاته . اي ان الساعات ما بين اول النهار من لحظة شروقها حتي غروبها , لا بد وأن تمر مهما حدث من أحداث. كما يقصد أن اليوم ليس قصيرا فهو وقت كاف لينجز الإنسان ما يريد عمله .. فلا داعي للقنوط واليأس .. كما وجب عليه أن لا يُعجل في عمله , فلو إستغل الإنسان ساعات النهار الإثني عشر بكل دقة , أكيد سوف ينجز كل أعماله وربما زيادة . وبالرغم أن هذه الساعات كافية , إلاّ أنها محدودة ومحددة , فهي إثنتا عشرة ساعة بالظبط , ولا يمكن أن تمتد هذه الساعات حتي ولو دقيقة واحدة.
والمدقق في قراءة إجابة يسوع بتلك العبارة يجد أنها تحمل معنيين .. معني ظاهري : فالعمل في نور النهار لا يعثر , أما الذي يجازف ويعمل في ظلمة الليل فهو مُعرض أن يعثر . أما المعني الثاني هو معني خفي يخص التلاميذ ويخص يسوع في عمله .. فنهاره بالنسبة للعالم لا يزال يسير في وقته المحدد , ولم يدخل بعد في منطقة ليل العالم بعثراته وإعثاره , وفي نفس الوقت ساعة أعدائه لا تزال بعيدة , وهي التي تمثل ظلمة العالم بعثراتها . وقد اوضح المسيح لهم المعني الذي يخصهم, قائلاً في انجيل يوحنا 12 : 35 : " النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ ". أما يخصوص عمله فقد سبق وأوضحها لهم في يوحنا 9 : 4 – 5 " يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ ".
وهنا ينكشف ما كان يقصده المسيح من النور والظلمة والنهار والليل ... فنهار الإنسان حيث النور هو المسيح في القلب والفكر , وغياب المسيح ( النور) من القلب هو ليل الإنسان حيث الظلمة .