الأقباط متحدون - الكلب الضال .. والإبن الضال .. !!!
أخر تحديث ٠٠:٥٦ | الجمعة ٨ ابريل ٢٠١٦ | ٣٠برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٩٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الكلب الضال .. والإبن الضال .. !!!

ارنست ارجانوس جبران
يا عَالم يا هو .. شوفتو كلب تايه .. هنا ولا هناك .. أرجو عدم المؤاخذة .. لأننى أيضاً فى حالة " توهان " .. !! .. ها هو اليوم الرابع قد مرّ على ضياع كلبنا العزيز .. البالغ من العمر تسع سنوات .. وهو من فصيلة " الشيتسو " .. الصينى الأصل والأصيل فى أمانته .. حتى أنه بعد وقت الأصيل يأخذ موقعه عند قدمى ابنى تونى لينام على سريره فى الطابق الثانى .. نعم هذا الكلب ذات الحجم الصغير .. والذى يمتاز " بالدم الخفيف " .. لا أدرى ماذا أقول .. أصعب شئ هو الفراق .. الفراق .. حتى ولو كان المفقود كلباً .. وكم وكم يكون فراق أحد الأحباء !! .. صحيح أنه مجرد كلب .. ولكن كل ركن أو مكان بالمنزل له ذكرى خاصة مع هذا الكلب الصديق .. مازالت أوعيته باقية فى مكانها .. "وعاء الأكل .. وعاء الشرب" .. ثم حتى وعاء الجلوس أو النوم المصنوع من القِماش .. و مازالت لُعَبهُ المطاطية أو التى من القماش والتى تصدر أصواتاً بمجرد الضغط عليها حيث يُسَر عند سمعها مازالت بانتظاره .. وكم وكم كنت أجرى بين الغرف حاملاً إحدى لعَبهُ وكان يجرى ورائى .. أين أنت يا " تايقر " .. نعم اسمه " تايقر " .. لا أدرى إن رآه نِمر حقيقى ماذا يكون حاله .. أعتقد أن النمر سيطالب بتغيير إسمه فى الحال .. هذا ال " تايقر " يخاف القطط .. لأن بعض قطط أمريكا تفوقه حجماً وشراسة عندما كان يعمل فيها " جدع " ويعلو نباحه على بعض القطط الزائرة عبر الجدران الخشبية الفاصلة بيننا وبين جيراننا .. كان يفر هارباً منها .. بالمناسبة هذا الكلب خاص بإبنى أنتونى .. والذى سافر الى مدينة ليست بالقريبة خصيصاً  لشرائه بعد بحث طويل فى " الإنترنت " ..

أخيراً وجد ضالته .. نعم .. سافر الى بلد آخر .. لشراء كلب .. قال .. لجودة سلالة هذا الكلب .. سبحان الله حتى الكلاب فى أمريكا لها سلالة وتاريخ .. مَن يدرى فقد يكون جده رقم " مائة " ، كان فى قصر أحد أباطرة الصين .. !! .. صحيح " العلم نور " والجهل كلهُ فىّ أنا .. أنا الذى لا يعلم العِلْم .. العلم الذى يقبل أن يُسمَى كلبنا بأسم " تايقر جبران " .. سبحان الله .. لو علم جدى جبران غالى رحمه الله .. بأن الكلب تايقر مرتبط باسمه .. لا أدرى .. هل كان يقوم من تربته عند علمه بأن إسمه ارتبط بأحد الكلاب .. الله ينيح روحك يا جدى جبران غالى .. هذه حال الدنيا .. ماذا أقول ..!! ..

ولكن أقول .. وأكرر السؤال .. أين أنت يا تايقر .. " واحشنى " يا تايقر الكلب " .. آسف يا تايقر الصديق الوفى .. نعم كان المفقود .. له حاسة سمع قوية .. حتى وإن كان بالطابق الثانى بالمنزل ، كان يعرف أننى أريد الذهاب الى صندوق البريد الخاص بالحى والذى يبعد عدة خطوات من المنزل .. كان تايقر يعرف أننى ذاهب الى صندوق البريد بمجرد سمعه لصوت سلسلة المفاتيح المعلقة فى مكانها المخصص أثناء إمساكى بها محدثة صوت صليل خاص  .. ينزل درجات السلّم بسرعة لاصطحابى الى هناك .. أراه مسروراً منتعشاً حتى أنه يسبقنى الى باب المنزل .. وها هى فرصتة الثمينة للخروج للتنفس و التنفيس عن نفسه .. وكأنما كان مسجوناً لعدة ساعات والآن يريد أن يرَوّح عن نفسه .. وبالفعل .. عندما يخرج .. تكون أول محطة له هى إطارات سيارتى الواقفة بالخارج .. إطارات سيارتى المغلوبة على أمرها .. والتى كانت تشرب سائلاً يسقيه لها " تايقر " فى كل مرة .. وأعتقد .. كل إطار من الأربع إطارات .. قد أخذ كفايته من هذا السائل الخاص .. على مدى كل تلك السنوات الماضية .. ثم الأشجار التى بالمنطقة .. قد ارتوت هى الأخرى .. حيث تتكرر هذه العملية .. عدة مرات كل اليوم .. ولا يمكن حصر عدد المرات أو القيام بالعد .. سبحان الله .. من أين يأتى كل هذا الماء .. وكيف تكون عملية التخزين .. سبحانك يارب  .. أين أنتّ يا " تايقر " .. شعور عجيب .. كأنما أنا وأنت ارتبطنا بظروف واحدة .. نشعر بهموم بعضنا البعض فى هذا المنزل الخالى من أى أنيس أو ونيس .. لأننا نحن الإثنين بالمعاش سوياً .. حيث أننى أعمل من المنزل محاولاً إلتقاط رزقى فى هذه الدنيا التى لا ترحم ..

و أنت يا تايقر تكون الجليس الوحيد الذى يوانسنى وحدتى ..  لأنك كنت دائماً بجانبى .. فزوجنا المصون بعملها النهارى حيث تأتى الى المنزل مساء كل يوم وهى تعبة منهكة ولا وقت للتفاهم معها .. أما أنت يا تايقر .. لك من المميزات تمتاز بها أكثر منا نحن .. لم أخل أننى فى يوم من الأيام أشعر بهذا الشعور .. قد يقول البعض انه مجرد كلب .. نعم هو مجرد كلب .. ولكن صداقة الكلب نابعة مع القلب .. سبحان الله حتى نطق الكلمتين " كلب وقلب " قريبتين من بعضهما البعض .. أما صداقة الإنسان .. لا تؤاخذونى .. قد يخون الصديق صديقه .. وحتى الأخ قد يخون أخاه ويتنكر له .. أين أنت يا " تايقر " .. أخاف أنك هربت مع " كلبة " أغوتك الى مكانها .. وقلت فى نفسك .. قد سئمتُ المعيشة فى هذا المنزل المقفر .. وقلت فى نفسك .. هذا يكفى .. أود أن أعيش حياتى .. الآن عمرى تسع سنوات .. ولم أنجب جرواً يملأ حياتى .. أعتقد يا " تايقر " إن كنت تعرف كلام البشر .. لقلتها علانية .. ولو كنا نحن بنو  البشر نعرف لغة الكلاب لتفهمنا شعورك ومقصدك .. ولكن أين أنت الآن ..

وهنا جال بخاطرى .. قصة الإبن الضال .. الإبن الضال الأصغر والذى طلب من أبيه الميراث .. وأخذ نصيبه وسافر الى كورة بعيدة .. وهنا .. أخال هذا الأب .. ماذا كان شعوره عند فراقه لإبنه .. كيف كان يشعر .. عندما يرى غرفة ابنه خاوية .. كيف كان يشعر عندما يجلس لتناول الطعام .. ومكان ابنه خالٍ ..!! .. كيف كان يشعر عندما يرى أحد أوعيته القديمة ملقاة هنا أو هناك .. هذا ناهيك عن المناسبات السارة .. أيام الأعياد .. أو أيام الزواج .. حتى أيام الأحزان والأتراح .. التى يحتاج الأب الى ابنه للوقوف بجانبة فى أوقات المحن والمصائب .. يا ترى ماذا كان يقول الأب للإبن الأكبر .. أغلب الظن .. كثيراً ما كان يأتى بسيرته مع ابنه الأكبر بالسيرة الحسنة .. و قد يكون رد فعل الإبن الأكبر .. الإمتعاض النابع من الغيرة والحسد .. ولكن على الرغم من كل هذا .. عندما كان يجلس الآب بمفرده .. كان يفكر ويحدث نفسه قائلاً .. أين أنت يا إبنى الآن .. قد ذهبت الى كورة بعيدة وتركتنى .. غير مهتم بى .. ولكن على الرغم من كل هذا .. أننى مازلت أحبك و أدعو لك بالتوفيق فى حياتك الجديدة .. ..

وتمر الأيام والسنون .. ولا خبر عن هذا الإبن الأصغر .. وبالطبع كلنا يعرف هذا المثل الذى ضربه السيد المسيح .. وكم كانت الصُدَف تلعب دوراً .. لا بل إرادة الله الجميلة .. وأثناء كتابة هذا المقال يكون أسقفنا المحبوب نيافة الحبر الجليل الأنبا يوسف فى زيارة الى كنيسة مارمرقس بمدينة هيوستن يوم الأحد الموافق السابع والعشرين من مارس 2016 .. الأحد الثالث للصوم الكبير .. ويكون موضوع العظة هو " مثل الإبن الضال " .. وهنا أود أن الخص النقاط الرئيسية والتى ذكرها الأنبا يوسف .. إن سبب رجوع الإبن الضال ليس لأنه ندم على فعلته .. بل لأن بطنه الخاوية والتى لم تجد حتى الخرنوب الذى تأكله الخنازير هى التى ألزمته بالرجوع .. وهكذا أراد السيد المسيح توضيح هاتين النقطتين عندما ذكر هذا المثل:

إنه يقبلنا عندما نرجع إليه حتى ولو كان سبب رجوعنا إليه هو إختيارنا الطريق الخاطئ حيث يكون الشيطان مصدر التشكيك فى التوبة والرجوع الى الله .. ولكن محبة ربنا لنا هى أقوى من كل شئ .. وبالفعل لولا نعمة ربنا لما خلص أحد ..

والمعنى الثانى الذى نخرج به من مثل الإبن الضال هو .. إن الله يسمح لنا بالضيقات .. ضيقة مالية .. أو مرض .. أو مشكلة فى العمل .. الخ .. و كم أنا آسف .. أشد الأسف لوصولى الى نهاية المقال وذلك بسبب المساحة المتاحة إلا أننى لا أستطيع أن أختم عظة سيدنا الأنبا يوسف سوى توضيحه المعنى الرمزى لهذا المثل .. الإبن الأصغر هو يرمز الى الأمم .. و الإبن الأكبر يرمز الى الأمة اليهودية .. فالأمم قبلوا السيد المسيح وأما اليهود فهم مازالوا فى كبريائهم .. حيث انتهى المثل ولم يرد الإبن الأكبر الدخول الى منزل أبيه ..

و فى الختام .. أود أن أبشركم .. بأن الكلب الضال " تايقر " رجع الى المنزل .. فى حين أن الإبن الأكبر لم يرد الدخول الى منزل أبيه الى هذه اللحظة .. ففى بعض الأحيان الحيوانات لا تهون عليها العِشرة على عكس بنى البشر .. وهنا سكتت شهرزاد عن الكلام المباح .. لأنها أدركت الصباح .. و لكم منا كل حب وانشراح ...


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter