بقلم: إسحق إبراهيم
ارتكبت الحكومة المصرية عدة خطايا وليست أخطاء في طريقة تعاملها واتخاذها للاحتياطات اللازمة لمنع انتقال الفيروس (H١ N١) المتعارف عليه بأنفلونزا الخنازير، تعامل المسئولون المصريون مع الأزمة باعتبارها عقاب إلهي للبشر وفتنة وكل فتنة ضلالة وكل ضلالة في النار!!
أبدع أعضاء مجلس الشعب والمسئولون بالحكومة على غير العادة في اتخاذ قرار ذبح الخنازير لتأكيد الريادة المصرية حيث أننا أول دولة في العالم تأمر بذبح جماعي للخنازير لمواجهة تفشي المرض!!
لا يخفو على أحد مشاعر الشماتة والفرحة التي أصابت قطاعات كثيرة من المواطنين بهذا القرار حيث اعتبروه قصاص من الله للتخلص من الخنازير النجسة -لا سيما أن معظم المربين والمستخدمين لها من المسيحيين- وعلت أصوات خطباء في مساجد القاهرة الكبرى كما نشرت جريدة المصري اليوم تصف وباء أنفلونزا الخنازير بأنه ابتلاء الله لعباده وعقوبة قدرية وإنذار إلهي للبشر بسبب ما يرتكبون من ذنوب ومعاصٍ.
وقال الشيخ "جمال عبد العزيز" إمام مسجد النور في "ميت حلفا" بالقليوبية: إن مواجهة الوباء تكمن في الرجوع إلى الخالق كما فعل الصحابة الذين خالفوا النبي بعد غزوة أُحد، وركز خطباء آخرون على قضية تحريم الخنازير وأيّدوا قرار ذبحها على اعتبار أن مصر دولة إسلامية لا يجوز فيها تربية الخنازير، فيما طالب خطيب مسجد عثمان بن عفان بإعدام هذا الحيوان لا ذبحه، وقال خطيب مسجد حديقة دار العلوم في منطقة المبتديان: إن الإسلام والمسيحية يحرمان تربية الخنازير واستشهد بالحديث الشريف الذي يحرم الخمر على شاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها وآكل ثمنها وذكر أن الاقتصاد القائم على تجارة لحم الخنزير فاسد، وقال إمام مسجد السواح إن سبب انتشار الوباء هو ابتعاد المواطنين عن المنهج الإلهي، وأكد إمام مسجد "أبو بكر" في إمبابة أن الداء أصاب المسلمين بسبب المعاصي.
وللأسف هذا البُعد الديني لم يقتصر على رجال الدين الإسلامي فقط بل سيطر على فكر ورأي أعضاء الحزب الحاكم في مجلس الشعب عند مناقشة القضية وكان مفهوماً أن يتبنى أعضاء الإخوان مطالب بإعدام الخنازير في موقعها دون الالتفات إلى التقارير الطبية وآراء الخبراء إلا أن المفاجأة كانت في أعضاء الحزب الوطني الذين أعطوا بعداً دينياً للقضية واتخذوا قراراً متسرعاً بالذبح ثم أرتكب المسئولون خطيئة مزدوجة عندما قاموا بابتزاز الكنيسة والضغط عليها للمساعدة في التنفيذ..
الكنيسة شعرت أنها في موقف صعب فهي لا تستطيع أن ترفض مساعدة الدولة في تنفيذ حكم الإعدام للخنازير لأن هذا معناه أن الكنيسة سيتم تحميلها مسئولية وجود وانتشار الفيروس إذا انتقل إلى مصر كما ستنهال الاتهامات إليها بتفضيل مساندة بعض أبناءها على حساب صحة المصريين، فباركت الكنيسة الخطوة وأكدت أن الخنزير ليس مقدساً أو له علاقة بالمسيحية -وهذا صحيح- رغم أن السؤال من الأساس خطيئة ولا يختلف كثيراً عن سؤال مؤسسة الأزهر للموافقة على نشر رواية أو قصة، فالموضوع طبي زراعي ليس له علاقة بالأديان وإقحام الدين فيه يعد نوعاً من زيادة مساحة المؤسسة الدينية في الحياة العامة.
ويبقى السؤال: من المسئول عن تحويل أزمة تحتاج إلى حلولاً علمية للأطباء ومسئولي تربية الحيوانات إلى قضية دينية؟ إنها الحكومة الضعيفة.
ويثبت قرار ذبح الخنازير أيضاً ارتكاب الحكومة لخطئة أخرى اعتادت على الوقوع فيها، وهي اتخاذ قرارات مؤثرة دون وجود دراسة شاملة وكافية لكافة جوانب هذه القرارات وتأثيرها ورد الفعل المحلي والدولي عليها، فالحكومة اعتقدت أن المعارضة الداخلية للقرار ستكون ضعيفة واعتمدت في مواجهتها على الكنيسة وتعبئة الرأي العام ضد منتجي الخنازير لكن لم تحسب الحكومة رد الفعل العالمي حيث قوبل القرار برفض واعتراضات دولية مازال مستمرة.
جاءت أول الانتقادات من منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» التي اعترضت على قرار الحكومة المصرية بذبح الخنازير، مؤكدة أن الخنازير ليست السبب في انتشار الفيروس ولكنه فيروس ينتقل من إنسان إلى إنسان ولم يثبت علمياً انتقاله من الخنازير إلى الإنسان.
وقالت المنظمة إنه لا داعي لرفع درجة التأهب تحسبا من تحول المرض إلى وباء من الدرجة الحالية الخامسة إليى الدرجة السادسة وهي أعلى درجات التأهب، بينما قالت منظمة الصحة العالمية بأنها ستعتمد الآن اسم 'أنفلونزا إيه' أو (إتش وان إيه وان) للإشارة إلى المرض بدلاًً من اسم أنفلونزا الخنازير لأنه لا يوجد دليل على إمكان انتقال عدوى الإصابة بالمرض إلى الإنسان من الخنزير أو لحومه.
وأكد بيان مشترك لمنظمات الصحة والزراعة والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية أن فيروسات الأنفلونزا ليست معروفة بانتقالها إلى الإنسان عبر تناول لحم الخنزير أو منتجات غذائية أخرى تنتج انطلاقاً من لحم الخنزير، وأضاف البيان أن المعالجة الحرارية المعتادة المستخدمة في طهو اللحم بداية من 70 درجة مئوية تكفي لشل كافة الفيروسات التي قد توجد في منتجات نيئة.
اعتبرت فيه مجلة "نيوزويك" الأمريكية قرار الحكومة المصرية بذبح 300 ألف خنزير يقوم بتربيتها جامعو القمامة، حماية للمصريين من وباء أنفلونزا الخنازير يمثل نوعاً من ازدواجية المعايير التي تمارسها بين المسلمين والأقباط في مصر.
وكانت المجلة الأمريكية قد وصفت قرار الحكومة المصرية بأنه من المفارقات الأكثر طرافة حيث أنها لم تنفذ القرار نفسه على الدجاج بالرغم من إصابة 68 ووفاة 23 آخرين جراء إصابتهم بمرض أنفلونزا الطيور بجانب أن الدجاج هو العنصر الرئيس في النظام الغذائي المصري، بينما لحم الخنزير على النقيض لا تستهلكه سوى الأقلية المسيحية.
وأرسلت "جويس دى سيلفا" مسئولة المنظمة العالمية لحماية حيوانات المزارع -مقرها لندن- برقية احتجاج على قرار الحكومة بذبح الخنازير في الوقت الذي وصف فيه عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي القرار نفسه بـ«رد فعل مبالغ فيه» فيما اعترضت الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان على قرار الذبح.
ما يزيد من جرم الحكومة أنها لم تدرس كيفية تنفيذ هذا القرار والمدة الزمنية التي يحتاجها والتعويضات المطلوبة، فالتقديرات تشير إلى وجود حوالي 300 ألف رأس خنزير بينما لا يزيد ما يتم ذبحه يومياً عن 500 رأس مما يعني أن الحكومة تحتاج إلى ما يقرب من عام ونصف العام لانجاز مهمتها!!
وهي مدة طويلة من المتوقع أن يتم السيطرة على الفيروس خلالها واكتشاف أمصال مضادة له كما أعلن مسئولوا منظمة الصحة العالمية أما موضوع التعويضات فهو مهزلة جديدة للحكومة، تضاف إلى خطاياها فالموضوع لا يقتصر على المائة جنيهاً أو المائتي التي تقدمها الحكومة تعويضاً عن كل رأس، فهناك عمالة ستضاف إلى قائمة الباحثين عن عمل ورأس مال مهدر وآلات سوف تعطل بعد قرار الذبح.
كيف سيتم التعامل مع هذه القضايا؟ هل فكرت الحكومة في تسكين هؤلاء في أنشطة إنتاجية أخرى؟ وفي أي المجالات سيتم استيعاب العمالة التي ستشرد.
Ishak_assaad@yahoo.com