الأقباط متحدون - بعد أوكرانيا، مساع أميركية لفتح جبهة أرمينيا-أذربيجان، تشاغل بها روسياعن سوريا
أخر تحديث ٠٩:٢٠ | الاثنين ٤ ابريل ٢٠١٦ | ٢٦برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

بعد أوكرانيا، مساع أميركية لفتح جبهة أرمينيا-أذربيجان، تشاغل بها روسياعن سوريا

بقلم: ميشيل الحاج

اتضح للأميركيين تدريجيا أن الانسحاب الروسي المعلن من سوريا، لم يكن الا انسحابا جزئيا، ولم يمنعها من خوض معركة كبرى الى جانب السوريين في تدمر، قيل بأنها تضمنت الفي اغارة جوية على تلك المدينة الأثرية. كما لم يمنعها من مواصلة تقديم الدعم الجوي، وربما الأرضي أيضا، في معركة تحرير مدينة القريتين في ريف حمص، والتي دخلتها القوات السورية فعلا من عدة اتجاهات.

فمنذ النجاح الكبير الذي حققته في تدمر، يبدو أن الادارة الأميركية وجدت من الضرورة أن تلجأ الى فتح جبهة جديدة تشاغل الادارة الروسية. وتلك كانت جبهة أرمينيا أذربيجان، بعد أن فشلت محاولتها الأولى قبل عامين أو أكثر، بفتح جبهة أوكرانيا التي انتهت الى نهاية سيئة، اذ أفرزت اقدام روسيا على احتلال وضم شبه جزيرة القرم اليها، والتي كانت أصلا جزءا من الأراضي الروسية تبرع خروتشوف الأوكراني الأصل، بضمها الى أوكرانيا. كما انتهت بحرب ضروس في شرق وجنوب أوكرانيا ذات الأغلبية من المواطنين الروس، تطالب بالاستقلال عن أوكرانيا، أو بحكم ذاتي موسع في أدنى الحالات، وتحاول اتفاقية مينسك وضع نهاية لها.

وكانت روسيا الاتحادية، مستشعرة وجود خطر كهذا على أرمينيا، قد بادرت منذ عدة شهور الى ارسال قوات روسية للمرابطة على الحدود الأرمنية التركية التي بينهما ثأر تاريخي نتيجة المذبحة التركية العثمانية لآلاف من الأرمن في بدايات القرن الماضي. وكانت مخاوفها آنئذ تقتصر على مخاوف من قيام تركية بممارسة الضغط على أرمينيا كوسيلة لانتقام تركي من روسيا التي بادرت، اثر اسقاط أحدى طائراتها العسكرية في الأجواء السورية، الى  فرض حظر على قيام المواطنين الروس بزيارات سياحية الى تركيا، اضافة الى حظر اقتصادي يمنع التعامل مع البضائع التركية أو غيرها من النشاطات التركية، اضافة الى عقوبات أخرى عديدة.

ولم يكن هناك آنئذ مخاوف جدية من الخطر التركي على أرمينيا. أما الآن، فقد بات يبدو للروس، بعد التحرك الأذربجاني المفاجىء، أنه مخطط مدروس يشارك الآن الأميركيون فيه، كوسيلة لفتح جبهة جديدة للروس تضاف الى الجبهة التي فتحت لها قبل أعوام في أوكرانيا، بغية تشتيت الاهتمام، وخفض التركيز الروسي على سوريا سعيا لتعزيز موقف حكومتها.

وموضوع النزاع الجديد هو "ناغورنو كارباخ" المتنازع على السيادة عليها بين الدولتين الأذرية والأرمنية، والتي شهدت حربا بين الدولتين في تسعينات القرن الماضي، لكنها انتهت باعلان وقف لاطلاق النار في عام 1994. الا أن أذربيجان باتت فجأة وبقدرة قادر، تسعى لاشعالها من جديد. وقد أعلن الناطق باسم الحكومة الأذربيجانية بعد الاشتباكات الأخيرة في اليومين الماضيين، أنه يعلن من جانب واحد وقفا لاطلاق النار الذي أدى لوقوع ضحايا من الجانبين، ولكنه سوف يرد بشدة اذا لم يلتزم الأرمن به.

كما قال، مضيفا أن بلاده قد حررت بعض التلال الاستراتيجية في المنطقة، في مسعى منه لاستفزاز الأرمن لمواصلة القتال ضمن خطة مبيتة تسعى لاستدارج روسيا، الجار لأرمينيا والذي تربطه بها علاقة مودة واضحة، للتدخل في تلك الحرب، مع وجود مؤشر سابق على تدخل الروس قبل أشهر قليلة، بقيامها فعلا بارسال قوات روسية لحماية الحدود الأرمنية من مخاطر التهديد التركي. ومن هنا قد تجد روسيا نفسها مستدرجة لارسال مزيد من القوات الروسية لحماية أرمينيا و"ناكورنو كاراباخ" من التدخل الأذربيجاني المعزز بتشجيع تركي وأميركي على الأرجح، بغية تفتيت الجهد الروسي في سوريا.

ولكن كما فشلت المحاولة الأميركية في مشاغلة روسيا عن سوريا بفتح الجبهة الأوكرانية، يرجح المراقبون أن تفشل أيضا الجهود الحالية لمشاغلتها في حرب مرشحة للاشتعال على نطاق واسع بين  أرمينيا  وأذربيجان، خصوصا وأن الرئيس الأرمني قد سارع للتعليق على الاعلان الأذربيجاني بوقف اطلاق النار من جانب واحد، بأنه مجرد لعبة سياسية.

فالمخططون الأميركيون يتناسون أن روسيا كانت هي قلب الاتحاد السوفياتي، بل كانت الاتحاد السوفياتي ذاته، الذي كان قادرا في الماضي على مواجهة كل المؤامرات والتدخلات الأميركية في طول أراضي العالم وعرضها، بما فيها حرب فيتنام وحرب كوريا. ولا شيء يحول بينها الآن وبين خوض معارك على جبهات عدة، تماما كما كان الاتحاد السوفياتي يعد نفسه لمواجهة العديد من الاحتمالات والجبهات في آن واحد.

وقد لاحظ المراقبون، أن ذلك قد تزامن مع اقدام جبهة النصرة التي لا يشملها وقف اطلاق النار في سوريا وتتعرض لهجمات سورية روسية، على مهاجمة والسيطرة على موقع في ريف حلب الجنوبي وهو تل العيس وتلال أخرى. لكن ما لاحظه المراقبون أيضا، أن ذاك الهجوم قد شاركت في تنفيذه  كتائب الأقصى التابعة للاخوان المسلمين، وكذلك أحرار الشام، وكلاهما ممن يشملهما وقف اطلاق النار.

وفي ذلك ما فيه من احتمالات انقضاء وقف اطلاق النار، واعادة فتح الجبهة السورية، نتيجة خرق كتائب الأقصى وأحرار الشام له باعتبارهما ممن يشملهم وقف اطلاق النار، وقد خرقوه بالمشاركة في ذاك الهجوم على تلال في ريف حلب.  ويعزز مشاركة كتائب الأقصى وأحرار الشام في تلك المعركة، قيامهما بنعي شهداء لهم على صفحاتهم الأليكترونية، قضوا في تلك المعركة. وفي ذلك ما فيه من استفزاز مقصود للقوات الروسية، بغية استدراجها لمواصلة الحرب ضد المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعارضة المعتدلة.

فالاتفاقات الروسية الأميركية حول القضية السورية، تظل في نطاق التمنيات، وربما اضطرت الولايات المتحدة لتقبلها على مضض، وخصوصا بعد الاحراج الكبير الذي تسبب به لها التدخل الروسي القوي في سوريا. حيث نفذ الروس خلال ستة أشهر فحسب، آلاف الغارات على الدولة الاسلامية، بل وعلى المعارضة المسلحة قبل اعلان وقف اطلاق النار. وهي اغارات تفوقت كثيرا على حفنة من الاغارات الجوية التي نفذها التحالف الأميركي ضد الدولة الاسلامية على مدى عامين أو أكثر من اعلان الحرب عليها.

 فهذا التنافس بين المواجهة الجدية الروسية ضد الدولة الاسلامية، والمواجهة الأميركية الصورية أو الضعيفة ضدها، كان يفرض عليها أحيانا تقديم بعض التنازلات...ولكن على مضض وكسبا للوقت، انتظارا منها لتطور آخر منتظر، وقد تكون احتمالات حرب بين أرمينيا وأذربيجان يستدرج الروس اليها، هو ذاك الحل المنتظر أميركيا وتركيا، رغم الخلافات المعلنة بين أميركا وتركيا التي تطلق الوعود باغلاق حدودها، مانعة دخول المسلحين الى سوريا، في وقت يؤكد فيه الروس، كما قال ناطق روسي رسمي مؤخرا، بأنها لم تزل تأذن بمرورهم عبر حدودها.

وحاولت الولايات المتحدة مؤخرا، أن تخوض حربا استخبارية ضد الدولة الاسلامية والقاعدة في محاولة لتعزيز موقفها العاجز، أو غير الراغب، في  تكثيف اغاراتها الجوية الفعلية. فقامت يوم أمس باغتيال أحد قادة شباب الصومال بطائرة بدون طيار. وفعلت الشيء ذاته قبل أيام قليلة، باغتيال بعض قادة الدولة الاسلامية والقاعدة في اليمن، وكذلك في ليبيا مستخدمة أيضا طائرة بدون طيار.  ويرجح أن الهجوم الجوي الواسع الذي نفذه السعوديون اليوم على محافظة المكلا في اليمن التي تسيطر القاعدة عليها، قد تم بتشجيع ونتيجة معلومات استخبارية أميركية. لكن هذا التطور في النهج الأميركي، لم يكن كافيا لتجميل صورتها كمنافسة بشكل جدي للجهود الروسية  في ملاحقة الدولة الاسلامية بشكل خاص، والارهاب بشكل عام.

 فذلك كله، لن يجمل وجهها بما فيه الكفاية، ولن يقدمها كمنافس حقيقي للمجابهة الروسية الحقيقية مع الدولة الاسلامية. ومن هنا بات من المرجح أن تسعى لفتح جبهة أخرى لروسيا، تشاغلها بعض الشيء ولو الى حين، عن تفرغها الكامل للتعامل مع الورقة السورية. لكن التصميم الروسي الساعي للمحافظة على مصالحها وقواعدها في سوريا، لن يردعها عن مواصلة القتال هناك، وربما بشكل أوسع قد يفاجىء الأميركيين والأتراك في آن واحد، خصوصا وأن أرمينيا المحاذية في حدودها لروسيا الاتحادية، لن يشكل تقديم العون لها عبئا كبيرا عليها، تماما كما لم يشكل فتح الجبهة الأوكرانية ذات الحدود المشتركة مع روسيا، عبئا كبيرا عليها.  فالولايات المتحدة، ومعها تركيا، تسعى لفتح جبهات جديدة لروسيا، لكنها، أي الولايات المتحدة، لا تحسن اختيار الجبهات البعيدة عن الحدود الروسية والتي قد يشكل مشاغلتها فيها عبئا أكبر على روسيا الاتحادية.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن
كاتب في صفحات الحوار المتمدن – ص. مواضيع وأبحاث سياسية
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين – الصفحة الرسمية
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية
عضو في مجموعة مشاهير مصر
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع