الأقباط متحدون - لم يدر الخد من لا يملك رد الصفعة!
أخر تحديث ١٧:٤٠ | الاثنين ٤ ابريل ٢٠١٦ | ٢٦برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

لم يدر الخد من لا يملك رد الصفعة!

بقلم منير بشاى

من النصوص الكتابية التى دائماً نًقتبسها، وأحيانا نسئ فهمها، ما قاله الرب يسوع فى الموعظة على الجبل بشأن تحويل الخد الآخر. قال الرب يسوع: "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر ايضاً" (متى 5: 38 و 39)

هذا النص كثيراً ما يُستعمل لتبرير السلبية والتقاعس وقبول المذلة والخنوع لظلم الظالمين.  البعض يعتقد أن المسيحى ليس مسموحاً له الإعتراض على الإساءة، وليس له أن يطالب بحقوقه، بل على العكس كلما اُنتهكت حقوقه عليه أن يقدم المزيد لتُنتهك.

هذه هى حرفية الآية، إذا نظرنا إليها دون النظر إلى القرينة. ولكن بالتأمل فى هذه الآية ضمن ما سبقها وما لحقها من نصوص، نلاحظ ما يلى:

تحويل الخد امر تصويرى وليس حرفيً
يجب ملاحظة المغزى الذى قصده السيد المسيح من هذا الكلام. فالمسيح قد قال فى بداية الموعظة على الجبل أنه لم يأت لينقض الناموس والأنبياء (متى 17:5) من أجل هذا فإن الكثير مما ورد فى تعاليمه فى هذه الموعظة يبدأ يالقول "قد سمعتم أنه قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم".

و فى هذا الجزء يتعرض الرب لمبدأ مقاومة الشر بشر مثله فى تعليم العهد القديم "العين بالعين والسن بالسن" فنادى السيد المسيح بعدم رد الأذى بالأذى. ليس هذا فقط بل نادى بإظهار المحبة لمن وجه لنا الأذى. ولتوضيح هذا الأمر قدم هذا التصوير لشخص يُلطم فيدير الخد الآخر لمن يلطمه. إنه تصوير للصفح والتسامح فى تعاليم المسيح بالمقارنة بتعاليم العهد القديم.

تحويل الخد عمل  ارادى وليس قسرى
الذى يدير الخد لمن يلطمه يجب ان يفعل هذا بارادته الحرة ومن منطلق الشجاعة والقوة وليس نتيجة الضعف والاجبار. الذى يدير الخد من المفروض أنه يملك أن لا يفعل، وأنه اذا اراد هو قادر على أن يرد الصفعة مقابل الصقعة. أما المغلوب على أمره الذى قبل أن يدير الخد يجد نفسه يُصفع على الخد الآخر، وقبل أن يفيق من هذا وذاك يجد نفسه يُصفع على القفا – هل هذا يطبق مبدأ تحويل الخد؟ بالطبع لا. لأن الذى صُفع لم يٌسمح له أن يقدم درساً فى الصفح والتسامح ولكنه لُقن درساً فى التحقير والإذلال. ولا أعتقد أن السيد المسيح أراد لنا أن نصبح أذلاء أو جبناء.

تحويل الخد  قرار ذاتى وليس مبدأ عمومى
إننا كأفراد لنا مطلق الحرية ان نقرر لأنفسنا، إذا لطمنا أحد على وجهنا، ما إذا كنا نريد أن ندير الخد الآخر وما اذا كنا نعتقد ان هناك فائدة ترجى من تحويل الخد الآخر. هذه مسألة ترجع لنا وليس لغيرنا. وهى تتعلق بما إذا كنا نحن الذين قد أصابنا الضرر. أما إذا كان الضرر قد أصاب غيرنا فليس من حقنا أن نتطوع نيابة عنهم ونطالبهم بإدارة الخد الآخر. إن الواجب علينا ّ أن ندافع عنهم إذا أصابهم الضرر وغُبنوا فى حقوقهم.

تحويل الخد اجراء  شخصى وليس قانونيً
قد نقبل ترك حقوقنا، وندير الخد الآخر فى المسائل الشخصية البسيطة، ولكن يجب علينا أن نتمسك بحقوقنا فى المسائل القانونية الهامة. وسنرى كيف أن الرب يسوع وكذا الرسول بولس كليهما اعترضا عندما صفعا على الوجه، وقدما الاحتجاج القوى عندما مُسَّتْ حقوقهم القانونية.

ولنضرب مثلاً: لنفترض أنك تقود سيارتك فى الطريق وأراد قائد سيارة أخرى أن يتعدى على حقك فى الطريق ويسبقك.  فإنك رغبة منك فى عدم مقاومة الشر قد تسمح له أن يسبقك فى الطريق. ولكن تصور أن السائق الآخرً خرج من سيارته، واراد أخراجك من العربة، لينتزعها منك. هل تعطيه العربة عن طيب خاطر، ومعها أيضاً تتطوع بان تعطيه كل ما معك من أموال ومجوهرات، وذلك تنفيذاً لمبدأ إدارة الخد الآخر؟ ام أنك تحاول أن توقف هذه الجريمة إن استطعت؟

طبعاً لا يوجد من يقبل أن يضحى بممتلكاته وحقوقه لقطّاع الطرق وكاسرى القانون. الا طبعا اذا اجبر على ذلك من مجرمين مسلحين تفاديا لما يمكن ان يحدث له او لأحد من افراد اسرته.  وفى هذه الحالة لا يكون الدافع هو تحويل الخد.

كيف تصرف الرب يسوع عندما لُطم على وجهه؟
أثناء محاكمة الرب يسوع أمام رئيس الكهنة، سأل رئيس الكهنة الرب يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه. كان الإتهام الذى حاولوا أن يلصقوه به هو عصيان قيصر، وكان من الضرورى إثبات عدد التلاميذ ليبرهنوا على مدى قوة هذا العصيان المزعوم. وحاول رئيس الكهنة أن يأخذ من الرب يسوع إعترافاً بذلك، ولكن الرب رفض أن يقدم له الإعتراف وعوضاً عن ذلك أحاله إلى المصدر السليم للدليل وهو تعاليمه واجتماعاته التى قام بها علانية، قائلاً: "أنا علمت كل حين فى المجمع وفى الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً. وفى الخفاء لم أتكلم بشئ" (يوحنا 18: 20).

لقد كانوا يظنون أن الرب يسوع سوف يصبح فريسة للخوف لدى استجوابهم له وبينما هم فى مركز القوة، فيعترف فى الحال بعصيانه لقيصر وتعديه على ناموس موسى. ولكنهم فشلوا فى أن ينتزعوا من الرب يسوع أى اعتراف. وفى جرأة مثالية قال الرب يسوع لرئيس الكهنة: "لماذا تسالنى أنا؟ اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا" (يوحنا 21:18). وإذ قال هذا رفع أحد الخدم يده وصفع الرب يسوع على وجهه قائلاً: "أهكذا تجاوب رئيس الكهنة؟" (يوحنا 22:18).

هذا مع انه رغم صراحة الرب يسوع وجرأته إلا أنه لم يتعدى حدود الادب أو اللياقة. ولم يقم هذا الخادم الوضيع بلطم الرب يسوع إلا تزلفاً لأصحاب المناصب، وإرضاء لغرور ذوى السلطان. ولكن هذا لم يُسكت الرب يسوع عن الدفاع عن نفسه وعن حقه القانونى فى إثبات براءته فأجاب "إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردى، وإن حسناً فلماذا تضربنى؟" (يوحنا 23:18).

فى هذه الكلمات البليغة يعلن الرب يسوع عن احتجاجه ضد الظلم. وبذلك يعطينا المثال القوى أن ندافع عن أنفسنا عندما نكون أبرياء. هذا مع ان المسيح كان على استعداد ان يسلم نفسه ليموت عن البشرية رغم براءته.  ولكن المسيح اراد هنا ان يوضح لنا كيف ان التسليم للظلم والعنف يتوقف على الظروف المرتبطة بكل حالة على حدة.  وفى النهاية نجد ان المسيح قد خضع للظلم ولكنه لم يفعل هذا الا بعد ان احتج على كل تعدى حدث له . وهذا يؤيد حقنا فى الدفاع عن انفسنا ضد الظلم عندما نكون أبرياء حتى وان اصبحنا بعد هذا تحت طائلة الظلم..

وكيف تصرف الرسول بولس عندما لُطم على وجهه؟
وفى ظروف مشابهة، بينما كان الرسول بولس يُحاكم امام رئيس الكهنة تعرض أيضاً للضرب على الوجه. وأيضاً رفض الرسول بولس هذا الأمر واحتج ضده بشدة.

أمام رئيس الكهنة أعلن الرسول بولس براءته قائلاً "إنى بكل ضمير صالح قد عشت لله إلى هذا اليوم" (أعمال 1:23). وعندما سمع رئيس الكهنة هذه الكلمات أمر الواقفين أن يضربوه على فمه. فما كان من الرسول بولس إلا أن احتج قائلاً: "سيضربك الله أيها الحائط المبيض أفأنت جالس تحكم علىّ حسب الناموس، وأنت تأمر بضربى مخالفاً للناموس؟" (أعمال 3:23).

كانت كلمات الرسول بولس لرئيس الكهنة قوية وشجاعة. ولقد كان على حق فى اعتراضه على الضرب على أساس أنه مخالف للناموس. وهو يعطينا درساً أنه من حقنا أن ندافع عن براءتنا ونحتج ضد الظلم.

الخلاصة انه واضح أن كلام الرب يسوع عن تحويل الخد الآخر لا ينفى تمسكنا بحقوقنا القانونية والإنسانية.  من حقنا أن نصيح بأعلى صوتنا فى وجه الظلم قائلين للظالم "لماذا تضربنى؟" ومن حقنا ان نلجأ لكل الطرق المتاحة لنمنع الظلم.  ومن واجبنا ان ندافع عن الضعفاء عندما نرى حقوقهم تغتصب.  هذا حتى وان كان يبدو ان محاولاتنا لن ترفع الظلم.  مسئوليتى تنتهى عندما اقوم بواجبى كاملا، وبعد ذلك على ان اترك الأمر لله وهو من بيده الأمر.

Mounir.bishay@sbcglobal.net

عن كتاب "كيف نواجه الاضطهاد" للكاتب.  والكتاب باللغتين العربية والانجليزية. وقد صدرت منه مؤخرا الطبعة الثانية المنقحة والمزيدة.  للحصول على الكتاب يرجى الاتصال بالمؤلف على عنوانه الالكترونى.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع