الأقباط متحدون - يا مبدعى مصر.. اتحدوا!
أخر تحديث ٠١:٠٤ | الجمعة ١ ابريل ٢٠١٦ | ٢٣برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

يا مبدعى مصر.. اتحدوا!

محمد نور فرحات
محمد نور فرحات

 عائد لتوى من رحلة طويلة وشاقة إلى مدينة سيول عاصمة كوريا الجنوبية. كنت موفدا من وزير الثقافة لتمثيل مصر فى مؤتمر نظمته المنظمة العالمية للملكية الفكرية هناك موضوعه: (بناء القدرات فى مجال حماية حق المؤلف).

 
أبدأ بالحديث عن كوريا الجنوبية ثم أحدثكم عن مؤتمر الأمم المتحدة الذى حضرته هناك. عدد سكان كوريا الجنوبية حوالى ٥٠ مليون نسمة أو يزيد قليلا. عاصمتها سيول مزدحمة ولكن ليس مثل زحام القاهرة. وفقا لحديث المسؤولين الكوريين معنا، خرجت كوريا من الحرب الأهلية/ ١٩٥٠- ١٩٥٣ مدمرة تماما، يقتات أهلها على أوراق الأشجار. اليوم وصل دخل الفرد ٣٠٠٠٠ دولار سنويا وهو من أعلى المستويات فى العالم. يقوم اقتصاد كوريا على الصناعات الذكية أساسا. مجمل صادراتها سنويا حوالى ٥٠٠ مليار دولار. ميزانية شركة سامسونج وحدها تعادل ميزانية خمس دول متوسطة النمو. أما عن شركتى هيونداى وكيا للسيارات فحدث عنهما بلا حرج وتصدران إلى الولايات المتحدة فضلا عن السيارات محركات الطائرات. كوريا تصدر من منتجات صناعات المعرفة أو الصناعات الثقافية (السوفت وير والموسيقى والأفلام والكتب وخلافه) ما قيمته ٢٨٠ مليار دولار سنويا. حدثتنا مسؤولة المرأة فى أكاديمية البحث العلمى أن عدد براءات الاختراع المسجلة من النساء كانت عام 2005 حوالى 500 براءة والآن تزيد على 14000 براءة. توجد أجهزة مهمتها تسويق الاختراعات العلمية وتحويلها فورا إلى ما ينفع الناس.
 
يستوقفك فى ملاحظاتك العابرة حب الشعب للنظام الشديد والنظافة الشديدة واحتقار الكذب والشغف بالعمل. يعملون هناك عن حب لا عن تأدية واجب (شعب متدين بطبعه)، السؤال الذى لابد أن يدور بخاطرك فورا هو: كيف نهضت كوريا هذه النهضة فى مدة زمنية مطابقة للمدة الزمنية التى بدأت عندنا بثورة يوليو؟ فى حين تدهورنا نحن فى كل شىء. الإجابة واضحة وضوح الشمس فى أربع كلمات: الحزم فى مواجهة الفساد بلا هوادة، الدولة القوية والعادلة، العمل الجماعى المنظم والمنتج، والديمقراطية. كتب المفكر الاقتصادى صاحب نوبل أبارثيا صن كتابا عن التنمية والحرية. لا تنمية بلا حرية ولا حرية بلا تنمية. الازدواجية التى اصطنعتها الأنظمة العربية وضعت الشعوب أمام واحد من خيارين: إما الطعام وإما الكلام، هذه الازدواجية التى أسفرت بعد ما يزيد على نصف قرن حرمان الشعوب من الطعام والكلام معا. وأصبحنا مجتمعات تحيط بها الأخطار من كل جانب. ومع ذلك يصر حكامها على السير على نفس الدرب، ومن سار على هذا الدرب سقط.
 
ماذا تدارسنا فى مؤتمرنا. قدم مندوبو المنظمة الدولية ومندوبو ثمانى عشرة دولة مدعوة، تقارير عن حقوق المؤلف وكيفية حمايتها. يقصد بحقوق المؤلف هنا الحقوق المادية والأدبية للمبدعين أيا كان شكل الإبداع، كتابا أو صورة أو رسما أو قصيدة أو فيلما سينمائيا أو مقطوعة موسيقية أو برنامج للحاسب الآلى، أى كل ما ينتجه العقل من صور الإنتاج غير المادى.
 
اقتصاد المعرفة هو عماد النمو الاقتصادى فى عالم اليوم. محو الأمية الرقمية هو ما يقاس به تقدم الأمم. لذا فحماية منتجى المعرفة وكفالة حقوقهم الأدبية والمادية أمر تنظر إليه دول العالم المتقدم غير المستغرقة فى صراعات الخرافة على أنه جوهر التقدم.
 
حماية منتجى المعرفة تكون إما بحماية حقوقهم الأدبية أو ما يسمى بحق أبوة المبدع على إبداعه. فله وحده أن يصرح بالنشر أو التعديل، وله أن ينسب مصنفه إليه وحده. ثم الحقوق المالية باعتبار المبدع صاحب الحق الوحيد فى عائد الاستغلال المادى لمصنفه. حماية حقوق المبدعين تؤدى إلى تشجيع الإبداع. وتشجيع الإبداع يؤدى إلى غزارته أى إلى النمو الاقتصادى وزيادة الناتج القومى، بل النمو المعرفى والأخلاقى.
 
دولتنا تنظر إلى هذه الأمور بقدر من عدم الاكتراث وربما بعدم المعرفة. لا بأس عندنا من إصدار التشريعات وتشكيل لجان جلب المكافآت، ولكن دون تقدم حقيقى على أرض الواقع. مصر دولة إنتاجها الثقافى أكثر غزارة وجودة من إنتاجها المادى. نحن أول من أدخلنا صناعة السينما إلى المنطقة. أصوات عبدالوهاب وأم كلثوم، والعشرات غيرهما، مازالت تترنم بها الأمة العربية. موسيقى وغناء سيد درويش ومن تبعه من عظام المطربين والموسيقيين ثم كتابات جيل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وقبلهما جيل طه حسين والعقاد وبعدهما جيل إدوارد خراط وصنع الله إبراهيم وإبراهيم عبدالمجيد وأمل دنقل وأشعار شوقى وحافظ، وبعدهم عبدالمعطى حجازى وصلاح عبدالصبور وفاروق شوشة وفاروق جويدة ومحمد إبراهيم أبوسنة وسيد حجاب وفؤاد حداد ومئات غيرهم من أصحاب الإبداعات والاختراعات العلمية من شباب وكبار المبدعين لا تجد من يحميها وهى ثروة قومية تقدر ماديا بالمليارات وتقدر معنويا بالريادة والمكانة والسمو الروحى.
 
لدينا قانون صدر سنة ٢٠٠٢ نص على حماية كل صور الملكية الفكرية من اختراعات ومؤلفات وإبداعات وتصميمات وفولكلور بل أصناف نباتية. المعادلة التى تجيد وبمهارة استخدامها دول نامية رشيدة كالهند والبرازيل هى إقامة التوازن بين حق المبدع فى الحماية المعنوية والمادية وحق المجتمع فى المعرفة. الاتفاقات الدولية بدءا من معاهدة برن سنة ١٨٦٦ حتى اتفاقية مراكش لحقوق المعاقين بصريا، حتى اتفاقية بيجين (بكين) عن حقوق مبدعى الصوتيات والمرئيات تقيم هذا التوازن. التوازن فى قانوننا الحالى مختل لأن واضعيه كانوا منحازين لأصحاب المال على حساب حق المجتمع وكانوا ممثلين لمصالح الناشرين والمنتجين أكثر من تمثيلهم لمصالح المبدعين ومستهلكى المعرفة. هناك كثير من الفرص التى تكفلها الاتفاقات الدولية لتوسيع دائرة حقوق المجتمع لم يستغلها مشرعنا. والمسؤولون عندنا يرغبون فى إصلاح المنظومة ولا يعرفون، ومن يعرفون لا تتحول معرفتهم إلى واقع مفيد للمجتمع.
 
القانون الحالى به ثغرات لابد من تلافيها بعد سنوات طويلة من التطبيق. الأهم من كل ذلك أن القانون لا يتضمن آليات فعالة لا لحماية حقوق المبدعين أو حماية حقوق المجتمع.
 
يجرى الاعتداء على حقوق مبدعينا فى كل مكان فى العالم دون رادع. إبداعات عبدالوهاب وسيد درويش وأم كلثوم تذاع يوميا فى كل البلاد دون مقابل بل ويجرى استغلالها بطريقة بذيئة أحيانا فى الإعلانات التجارية. مؤلفات نجيب محفوظ والسنهورى تعاد طباعتها عشرات المرات فى بيروت دون مقابل. أفلامنا يجرى تسجيلها وبيعها على الأرصفة. والأدهى من ذلك أن انتشار حالة (الدروشة) وانتشار الفكر الوهابى دفع بعض الناشرين والمنتجين إلى تشويه إبداعاتنا لتصبح أكثر تدينا من وجهة نظرهم.
 
كيف تجرى حماية حقوق الإبداع فى مصر؟ القانون مع قصوره ينص على الحماية، وعلى المتضرر المعتدى على حقه اللجوء إلى القضاء. وبين الاعتداء على الحقوق ورد الحقوق إلى أصحابها بواسطة القضاء آماد وآماد.
 
فى أغلب دول العالم لا يترك المبدعون وحدهم فى مواجهة قراصنة الفكر يصارعونهم فى المحاكم بطيئة الإجراءات. هناك آليات حديثة تقوم على الحماية الذاتية الجماعية للمبدعين. هناك ما يسمى بمؤسسات الإدارة الجماعية لحقوق المبدعين وظائفها كالتالى: رصد القرصنة على الإبداع فى أى مكان فى العالم، الوكالة القانونية عن المبدع لتحصيل حقه، التعاون الدولى المتبادل لتحقيق هذا الغرض. على المبدعين أن يتحدوا دفاعا عن حقوقهم. وعلى الدولة أن تدعمهم فى اتحادهم. وعليهم أن ينخرطوا فى مؤسسات الإدارة الجماعية لحقوقهم، ولا يكفى فى ذلك تطبيق قانون الجمعيات الأهلية، بل يجب إضافة نصوص جديدة لآليات الحماية الجماعية للإبداع فى قانون جديد للملكية الفكرية.
 
ما شهدته فى كوريا منذ أيام وما شهدته من قبل فى السويد بل فى الصين بل فى تنزانيا منذ سنوات شىء لا أستطيع وصفه فى كلمات. مؤسسات للحماية تستخدم أحدث التكنولوجيا الرقمية لاكتشاف القرصنة فى أى مكان حتى على الإنترنت، وقدرات عالية الكفاءة يدعمها القانون فى سبيل عودة الحقوق إلى أصحابها. وفى المحصلة يزيد الناتج القومى بالمليارات. يا مبدعى مصر اتحدوا وكفٰوا عن الشكوى، واعلموا أن حمايتكم فى أيديكم ويدعمها الدستور بالنص الدستورى المستحدث على إلزام الدولة بإنشاء جهاز لحماية الملكية الفكرية.
 
ذلك هو خلاصة المقال فيما لا يقال.
 
قبل أن أغادر مؤتمر سيول التف حولى ممثلو ١٨ دولة من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يسألوننى فى دهشة شديدة عما أذاعته الداخلية عندنا عن مقتل قاتلى جوليو ريجينى من أفراد التشكيل العصابى الذى يستهدف الأجانب.
 
لم أستطع الإجابة لأننى لا أجيد الكذب.
 
الفساد واحد، لابد أن نستأصله فى كل مكان، ولنتقدم فى طريق واحد هو طريق العدل والحق والحرية والإيمان بقدرة الإنسان الحر على التغيير.
نقلا عن المصرى اليوم
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع