مصريون ضد الغريب
بقلم: منير بشاي
حدث –للأسف- ما كنا نخشاه، وما بدأ لعبا بنار الفتنة أمتد وأنتقل إلى خارج حدود"مصر"وأصاب مسيحيو"العراق"في مقتل. ثم أرتد مرة أخرى إلى أقباط"مصر"في شكل تهديد جديد ضدهم من تنظيم القاعدة. وشكرًا لمن أطلقوا الشرارة الأولى.
قلوبنا تدمى لما يجرى في"العراق"بواسطة أناس فقدوا إنسانيتهم وإحساسهم فلم يصبح منظر الدم يزعجهم، ولا يؤثر فيهم. قتلوا الطفل والشيخ والمرأة والإنسان العادي المسالم الذي يكدح جريًا وراء رزقه، وكل همه في الحياة أن يوفر قوته وقوت أولاده. بل ولم يميزوا في عملياتهم بين مسلم ومسيحي، فكل من لا يتبع فكرهم يجب أن يموت. ونتيجة لهذا مات مئات الآلاف من المسلمين الشيعة والسنة. وآخرها ما حدث بالأمس الثلاثاء 2 نوفمبر حيث قامت القاعدة ب 17 تفجيرًا ضد شيعة"العراق"قتل فيها 113 فردًا على الأقل. أما العمليات الإرهابية ضد المسيحيين فأدت إلى هجرتهم من أرض آبائهم فانخفض عدد المسيحيين في"العراق"من مليون وربع إلى حوالي ٨٧ألفًا وتعرضت أكثر من ٥۰ كنيسة للتدمير. وخطف مطران وثلاثة قساوسة ثم قتلوا. وقتل من المسيحيين العراقيين حتى الآن حوالي ٨٠٠ فردًا.
وآخر عملياتهم الإرهابية ضد المسيحيين في"العراق"كانت الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة بـ"بغداد"يوم الأحد ٣١ أكتوبر ،۲۰۱۰ عندما دخل ٩ من الإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة مبنى الكنيسة بهدف أخذ المصليين كرهائن لتحقيق مطالبهم، وهى الإفراج عن سجناء من تنظيم القاعدة فى العراق ومصر. وفى بيان لتنظيم القاعدة الذين أطلقوا على أنفسهم دولة العراق الإسلامية أقحم أقباط مصر في مطالبهم، حيث قال البيان " إننا نمهل الكنيسة القبطية في مصر ٤٨ ساعة لتلبية حال أخوتنا في الدين المأسورات في سجون أديرة الكفر وكنائس الشرك في مصر وإطلاق صراحهن جميعهن!!" وكان هذا إشارة إلى زوجتي الكاهنين"كامليا شحاتة" و"وفاء قسطنطين".
وشنت القوات العراقية بمؤازرة الجيش الأمريكي هجومًا على الكنيسة لتحرير الرهائن وتمكنوا من قتل ثمانية من مجموع الإرهابيين التسعة بينما فجر الإرهابي التاسع نفسه. وبلغ عدد القتلى ٥٨ قتيلا حتى الآن من بينهم 17 شرطيًا وجرح 57 شخصًا.
وفى"القاهرة"حدث بعض القلق بالنسبة للتهديد الموجه للكنيسة القبطية وكانت مهلة إلـ48 ساعة، التي أعطتها منظمة القاعدة للأقباط في بيانها قد انتهت ولم يحدث شيء. وأعلن المتكلم بلسان وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكى تنديده بما ورد من تهديد للكنيسة مشددًا على أن مصر ترفض أي تدخل في شئونها. وأدان بشدة العمل الإرهابي الهمجي الذي تعرضت له كنيسة سيدة النجاة ببغداد.
ومن ناحيتها قامت قوات الأمن المصرية بإجراءات مكثفة حول جميع الكنائس والكاتدرائيات في"القاهرة"ومحافظات مصر. ونظمت حملات مرورية حول الكنائس لمنع أي انتظار للسيارات أمامها كما قامت بالتدقيق في فحص هوية المرتادين على الكنائس.
وعقد المجمع المقدس للكنيسة القبطية اجتماعًا طارئًا لدراسة التهديد. وبعدها أعلن الأنبا"مرقس" أن رسالة التهديد ليست للكنيسة فقط بل هي رسالة تهديد لأمن مصر ككل.
ولكن كل هذا القلق ما كان ليحدث لو كان هناك تعامل جاد مع المشكلة من البداية، وكانت هناك محاولات حقيقية لاحتوائها قبل أن تمتد وتنتشر. وإذا كانت السلطات قد فشلت في وأد المشكلة التي أدت إلى مأساة مسيحي العراق فهل ستصلح المأساة ما أفسده الإنسان وتوقف التهديد المسلط على أقباط مصر؟ هل تنجح المأساة في لم الشمل وإقناع المسلمين والمسيحيين أن يتحدوا ضد الخطر القادم من الخارج ..من عناصر غريبة، ويدركوا أن أي تهديد ضد مصري هو تهديد ضد كل المصريين وتهديد ضد مصر ذاتها؟
ولعل ما حدث في"العراق"والخوف من احتمال امتداد الإرهاب إلى مصر، يدفع مسيحيو مصر إلى توحيد صفوفهم مع بعضهم البعض، وبالتالي مع مسيحي المشرق فالجميع في قارب واحدة. كما أتمنى أن يحاول مسلمي مصر ومسيحيها علاج أي تصدع قد طرأ على العلاقات المشتركة بينهم. وإذا كانت هناك دعاوى مثل ما يتردد في هذه الأيام ويكاد يمزق جسد الوطن فلتعالج بالطرق القانونية الشرعية وفى جو من الهدوء والتحضر.
والبوادر لمثل هذا التفاهم إيجابية وقد عبر عنها بيان الأخوان المسلمين الذي ندد بما جرى في بغداد، واصفًا ما حصل بأنه جريمة بشعة لا تقرها شريعة الإسلام ولا الخلق الإنساني القويم ولا القيم التي تعارفت عليها البشرية. ووصف البيان التهديدات الموجهة لدور العبادة القبطية بأنها حمقاء مؤكدًا أن الدولة المصرية والشعب المصري كله مطالب بحماية كل دور العبادة للمؤمنين من كل الأديان.
ولقد أن الأوان أن يتكاتف مسلمو العالم مع بقية شعوب العالم على لفظ ذلك الإرهابي "بن لادن"ومنظمته وإدانة كل أعماله الشريرة. وهذا ما عملته القيادة الإسلامية في"أسبانيا"في الفتوى التي أصدرها كبير مشايخ أسبانيا وأسمه"إسكوديرو Escudero" في الذكرى السنوية الأولى لتفجير قطار مدريد، إذ أعلن في فتواه اعتبار بن لادن مرتدًا عن الإسلام لضلوعه في اعتداءات إرهابية مثل تفجير قطار مدريد. وقد طالب الشيخ كل القادة الإسلاميين أن يدينوا"بن لادن"علانية. وأستعمل في إدانته تعبير "استحلال" بمعنى أن"بن لادن"قد أتبع قوانينه الشخصية وبذلك يعتبر مرتد عن الإسلام. وأضاف"إسكوديرو Escudero"أنه لا يخشى بإصداره الفتوى من انتقام تنظيم القاعدة ضده قائلا "أنا أخاف الله وحده وهو خير الحافظين".
يقول المثل الدارج: أنا وأخويا على أبن عمى وأنا وأبن عمى على الغريب. والمغزى أنه يمكن أن أختلف مع أخي ولكن أتفق معه ضد أبن عمى، ولكن أنا وأخي وأبن عمى نتحد معًا ضد الغريب. والغريب الذي يريد أن يستغل ما يحدث بين أقباط مصر ومسلميها هو تنظيم القاعدة الذي يأتي موشحًا برداء الدين المزيف، ولكنه يخفى مخطط القتل والإرهاب وتأليب المصريين ضد بعضهم البعض. وفى النهاية يتم تحويل مصر إلى أفغانستان جديدة، وتصير شوارع"القاهرة" مثل أدغال "تورا بورا"، ويتحول المجتمع المدني الراقي إلى طالبان.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :