بقلم منير بشاى
فى يوم الثلاثاء 15 مارس 2016 وجه شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب خطابا الى الغرب من البرلمان الالمانى. حاول الشيخ الطيب تقديم صورة مضيئة عن الاسلام وتلميع صورته فى الغرب. وما قاله الشيخ يختلف تماما عن ما هو متداول. وهذا دفع رئيس البرلمان الالمانى ان يعلق على حديث الشيخ قائلا "كأنك تحدثنا عن دين آخر غير الاسلام الذى نعرفه!". وقد فسّر الدكتور عباس شومان وكيل الازهر كلمات رئيس البرلمان الالمانى بانه دليل على نجاح شيخ الازهر فى تغيير الواقع الذى يعيشونه فى الغرب. ولكن الاكثر معقولية فى فهم ما قصده رئيس البرلمان الالمانى ان كلام الشيخ الطيب قد اصطدم مع الواقع الذى يعرفونه فى الغرب.
بداية احب ان اؤكد انه ليس من مصلحة احد تشويه صورة الاسلام. فالعالم كله يتمنى ان يكون الاسلام بهذه الصورة الجميلة التى وصفها الشيخ الطيب. وحتى ان كان فى الاسلام سلبيات وكان فى امكان الشيخ ان يطورها الى الصورة التى قدمها فى خطابه فنحن نؤيده فى مسعاه. ولكن ان كان الهدف انتقاء وابراز بعض النصوص الايجابية والتغطية على النصوص السلبية بقصد تقديم صورة عن الاسلام تختلف عن الواقع الذى نعرفه فهذا غير مقبول.
ناهيك ان هناك باحث اسلامى اسمه اسلام بحيرى حاول تحسين صورة الاسلام مثلما فعل الشيخ الطيب، ولكن من وقف ضده كانت مؤسسة الازهر نفسها، وكان مصيره السجن. فهل كان الاختلاف ان البحيرى اراد ان تاخذ دعوته للاصلاح مأخذ الجد وليس التوقف عند مجرد الكلام؟
دعنا نقوم ببعض الوقفات السريعة فى خطاب الشيخ الطيب.
يقول الشيخ فى خطابه "نحن المسلمون نؤمن ان التوراة والانجيل والقرآن هدى ونور للناس وان اللاحق منها مصدق للسابق ولا يتم ايماننا بالقرآن ولا بمحمد الا اذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسى وعيسى ومن قبلهم من الانبياء والمرسلين"
ولكن الشيخ يعلم ان هذا الكلام يظهر غير ما يبطن. وان هناك خلافات توحى بان الاسلام يتناقض مع الكثير مما جاء بالمسيحية واليهودية. ولذلك ظهر الادعاء ان المسيحية واليهودية اصابهما التحريف. هذا مع انه فى الوقت الذى اعترف الاسلام باليهودية والمسيحية كانتا منتشرتان فى العالم كله على مدى مئات السنين. ومن غير المعقول ان يتآمروا بتزوير كتبهم ثم يستشهدوا من اجل كذبة. ثم ان الاسلام لم يقدم دليلا على وقوع التحريف او يأتى لنا بالنسخة الاصلية غير المحرفة.
ويقول الشيخ فى خطابه "ليس صحيحا ما يقال عن الاسلام انه دين سيف فلفظة السيف هذه ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة"
ولكن الشيخ يعلم ان كلمة "القتل" ومشتقاتها بما فيه الذبح منتشر فى كل النصوص الاسلامية بما فيها القرآن وان رسول الاسلام ذبح معارضيه والخلفاء الراشدين فعلوا نفس الشىء واذا كانت اداة الذبح غير مذكورة فى القرآن فهى مفهومة ضمنيا. جاء بالقرآن "فان لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق .." محمد 47: 4 وايضا " سالقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان..." الانفال 8: 12 وفى الحديث النبوى يقول رسول الاسلام لأهل قريش "والله لقد اتيتكم بالذبح".
ويقول الشيخ "الاسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للاسلام او لأى دين آخر فالله كما خلق المؤمنين خلق غير المؤمنين ايضا "هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تفعلون بصير " التغابن 64: 2
ولكن الشيخ لم يقل لنا ان هناك عقوبة لمن يرتد عن الاسلام وهى الموت كما جاء بالحديث النبوى "من بدّل دينه فأقتلوه" . ولشرح ذلك التناقض الواضح بين ما يدعونه من حرية المعتقد، وما يمارسونه من عقاب المرتد، يقولون ان الحرية مكفولة قبل قبول الاسلام ولكنها مقفولة بعد قبوله.
ويقول الشيخ" ان الاسلام لا يأمر المسلمين بالجهاد المسلح ولا يحضهم عليه الا فى حالة رد العدوان والتصدى للحرب التى يشنها عليهم اعدائهم فهنا يجب القتال للدفاع وهذا النوع من الجهاد تقره كل الاديان والاعراف والحضارات"
وهنا لا يسعنا الا توجيه بعض الاسئلة: هل كانت كل حروب المسلمين دفاعا عن النفس ضد معتدين؟ وماذا فعلت كل شعوب البلاد التى غزاها المسلمون من عدوان ضد المسلمين بدءا بالشام وامتدادا الى مصر وشمال افريقيا وعبورا الى الاندلس باسبانيا؟ ولم يتوقف الزحف الاسلامى الا بعد ان تصدت هذه الشعوب لجيوش الاسلام بقوة السلاح واجبرتها على التراجع بالقرب من باريس غربا وفيينا شرقا. فمن كان المعتدى ومن كان المعتدى عليه فى كل تلك الحروب؟
ويقول الشيخ " لعل البعض يتهامس معترضا ويقول اذا كان الاسلام بهذه الصورة الوردية فكيف خرجت منه الحركات الدنيئة مثل داعش واخواتها التى تقتل وتدمّر وتقطع الرقاب باسم الله وباسم الاسلام؟ واجابتى هى ان الارهابيين الذين يمارسون جرائمهم باسم الاديان لا يمثلون هذه الاديان بل هم فى حقيقة الامر خائنون لأمانة الاديان التى يزعمون انهم يقاتلون من اجلها".
والرد على هذا انه كان يمكننا ان نقبل كلام الشيخ لو انه قد اصدر ادانة واحدة لهذه الجماعات الارهابية. ولكن ما حدث هو العكس وهو ان الشيخ رفض تكفير هذه الجماعات لأنها - حسب قوله- اعلنت ايمانها فى يوم من الايام ولم تجحده بعد ذلك. اما افعالهم كلها فمن المعروف انها تدرّس فى مناهج الازهر والشيخ الطيب بالتأكيد يعلم هذا، وان لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم.
وبعد- فهذا غيض من فيض من خطاب الشيخ الطيب. ولكن المضحك المبكى فى خطاب الشيخ هو عندما يوصى دول اوروبا على رعاياها من المسلمين. والرد على هذا جاء على لسان الاعلامى يوسف الحسينى "وهما هيقولوا لحضرتك ان توصى دولتك على المسيحيين فى بلدك اللى علشان يبنوا كنيسة محتاجين كام سنة علشان ياخدوا التصاريح".