بقلم: د.ماجد عزت إسرائيل
الرهبنة في المسيحية هي حياة الوحدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح بجانب العمل اليدوي بقصد التبتل مع اختيار الفقر طوعاً، كما أنها فلسفة الديانة المسيحية والجامعة التي تخرج منها مئات البطاركة والأساقفة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة والطاعة والمعرفة والمحبة، ويرجع تاريخ نشأة الرهبنة في مصر إلى مطلع القرن الرابع الميلادي،وبدأت في بادئ الأمر حركة دينية مستقلة عن الكنيسة، ولكنها سرعان ما أصبحت جزءاً أساسياً من النظام الكنسي ،حتى إنها انتقلت إلى سائر أنحاء العالم المسيحي؛ فكان لمصر فضل على العالم في معرفة الرهبنة.ولقد أسهمت عدة عوامل جغرافية ودينية وإقتصادية في انتشارها.
وتعد منطقة وادى الريان بمحافظة الفيوم من بين المناطق التى انتشرت بها الرهبنة منذ القرن الرابع الميلادى،ثم حدث أندثار رهبانى بالمنطقة إلى أن سكنه الأب" متى المسكين"منذ منتصف القرن المنصرم وحتى أوائل الستينات، فنظمه وشيد به بعض القلالى ورمم البعض اللآخر،ولايزال هذا الدير حتى كتابة هذه السطور،و يقع الوادى في الجزء الجنوبي الغربي لمحافظة الفيوم،ويبعد عن مدينة القاهرة بنحو( 80 كيلو متر) وعن دير الأنبا صموئيل بنحو 50 كيلومتر شمالاً،وعن الفيوم نحو 25 كيلومتر جنوباً،وتبلغ مساحته نحو7 كيلومترات عرضًا و30 (كيلومتر طولاً)، ويوجد بها عين ماء يتم استخدامها للشرب والري، وتنتشر بالمنطقة بعض النباتات الطبيعية مصاحبة بين جنابتها أشجار النخيل والزيتون،ولا يسكن الوادي إي إنسان ولكن يتردد بعض العربان عليه من أجل أعمال السلب والنهب، أو تهريب المخدرات،أوسير قوافلهم التجارية ما بين الشمال والجنوب أو ما بين الشرق والغرب.
على أية حال، منذ أوائل القرن الحالى ودخل دير وادى الريان دائرة الضوء،بكثرة دموع رهبانه، ويرجع لسببين أولهما:اعتراض المجمع المقدس على نظام الرهبنة وتقاليدها وطقوسها بالإضافة إلى مشاكل بعض رهبانه،ولذلك لم تعترف الكنيسة بها ديراً للرهبنة خلال فترة المتنيح قداسة"شنودة الثالث" البطريرك رقم (117)(1971-2012م)،وبعد جلوس قداسة البابا "تواضروس الثانى" فى نوفمبر 2012م، تم الأعتراف بالدير ورهبانه فى 6 ديسمبر 2012م،واسند رئاسته لنيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا "مخائيل "مطران أسيوط ،وأصبح القمص "أليشع المقارى"المتحدث الرسمى عن الدير ورهبانه وهو المنوط لأدارته فى عدم وجود الأسقف.
أما السبب الثانى لدموع رهبان دير الريان أو القديس الأنبا مكاريوس الإسكندرى فمنذ سبتمبر 2014م ،بدأت وزارة النقل والمواصلات فى شق طريق بمنتصف الدير للوصول إلى منطقة الواحات،أما وزارة البيئة فقد اعربت عن عدم رغبته فى وجود الدير لأن المنطقة محمية طبيعة وليس مكان مناسب للرهبنة،وزاد من مشكلة الدير اسرار مستشار رئيس الجمهورية المهندس " إبراهيم محلب "على تنفيذ هذا الطريق،ومن هنا بدأ اعتراض رهبان الدير،فلجاء سيادته لقداسة البابا "تواضروس الثانى" لأقناع رهبانه ولكن غالبيتهم أثر على عدم تنفيذها وكسر الرافضين أحدى قوانين الرهبنة وهى الطاعة،وفى منتصف ليلة 17 مارس 2016 قام محافظ الفيوم ومدير الأمن بزيارة الدير لأقناع رهبانه بشق الطريق،ولكن الراهب "بولس الريانى" قام بطرد المحافظ ومديرأمنه،بعدها بساعات تم القبض على الراهب لرفضه شق الطريق الذى يقسم ديره لقسمين.
ومن هنا نرى من الحكمة والمحبة التى تعلمناها من الكتاب المقدس والآباء القديسين أن نبحث عن حل لمشكلة رهبان وادى الريان؛ لوقف دموعهم، حتى لا تترك آثارها على شعب كنيستنا القبطية وأيضًا على مصرنا الحبيبة،وأريد فى هذا المقام طرح مجموعة من الحلول كما يلى:
أولاً: على المجمع المقدس الأعتراف بالدير ووضعه فى خريطة الأديرة الرهبانية المصرية، وطبقاً لقوانين الكنيسة القطبية أن البابا أو البطريرك هو أعلى سلطة دينية فى الكنيسة يحق له التصرف فى مؤسسات كنيسته،كما يمكن وضع الديرتحت إشرافه مباشرة أو تصرفه ورسامة أسقف ورهبان،وأيضاء ندب مجموعة من الأساقفةالمشهود لهم للتنمية الروحية والثقافة لرهبان الدير، وشلح المخالف لتعاليم وقوانين الرهبان،نريد التقويم الصحيح للمحافظة على طقوس وتقاليد الكنيسة
ثانياً:استبعاد كل الأساقفة القائمين على فض نزاع الدير مع الدولة؛ وتشكيل لجنة من المجمع المقدس تضم مجموعة من آباء المجع ومتخصصون فى علم الآثار والبيئة، لوضع حلول مناسبة للخروج من أزمة دير الريان ورهبانه.
ثالثاً:مطالبة قداسة البابا "تواضروس الثانى" بصفته أب جميع الرهبان وبطريرك الكنيسة القبطية، بالأفراج عن الراهب "بولس الريانى" حتى لا تنهمر دموع رهبان الدير.
رابعاً: على رهبان دير الريان بالفيوم يجب أن يتعلموا أنه بدون الطاعة لا توجد الرهبنة وأن البطريرك هو خليفة السيد المسيح وبالتالى رأس الكنيسة،وهذا ما تعلمنه من تاريخ الدراسات الآبائية، فالطاعة والمحبة والحكمة؛ ساعدت الآباء الرهبان فى أن يقفوا ضد الهراطقات والبدع والخرافات،وأيضًا فى نشرو التعليم والدراسات الأدبية والمدارس الشعرية ،ومدارس كتابة سير الشهداء القديسين والقديسات،والمدارس الفلسفية والقانونية والدفاعية للرد على الهرطقات والبدع والخرافات، وكذلك أستطاعوا تفسير الكتاب المقدس.
خامساً: على حكومة المهندس شريف إسماعيل البحث عن حل مع الكنيسة لتفادى شق الدير إلى قسمين،كما أن المنطقة آثرية ومحمية طبيعة،نريد الخروج من الأزمة بشكل يرضى كل الأطراف وهذا ما نتمناه.