كتب : كارلوس أنيس
ينبض العالم بقلوب عرفت الخير ، فبالخير نعيش له وعليه ، وإن الأنسان يمضى ولكن سيرته العطرة ، تحلق طليقة فى اعماق الزمن تنبه الأذهان إلى هذا العمل أو ذاك ، أو دعوة تطلقها قلوب متألمة لهذه القلوب التى طمأنتها هكذا هم ، من هم ؟! .. ملائكة الخير ، وهنا نسرد نماذج لسيدات قدمن الخير لمجتمعنا المصرى والأنسانى ، ملائكة الخير هكذا سميناهم.
الملاك " إيمانويل" الراهبة ورفيقة جامعى القمامة
السادس عشر من نوفمبر عام 1908 فى بروكسل بلجيكا ولدت ولدت "مادلين سانكان" من أب فرنسى وأم بلجيكية ، بعد مصرع والدها غرقاً امام عينيها ، أصبتها صدمة أثرت على مجرى حياتها ، جعلتها ترى كم هذا العالم فانى وقبض الريح ، ولهذا وبعد حصولها على شهادة الفلسفة وتخرجت فى السوربون ، التحقت بدير فى 1929م نوتردام فى سيون وقد كان اسمها بعد الرهبنة " الأخت إيمانويل".
قضت اربعين عاماَ تدرس فى مدارس الراهبات فى دول مختلفة ، فقد درست الأدب والفلسفة بتونس وإسطنبول والقاهرة والأسكندرية، لكن إشتهاء نفسها للاستشهاد او لخدمة الفقراء جعلها تقرر بعد تقاعهدها فى سن 62 أن تستأذن فى السفر للقاهرة حيث تبدء رحلة عطائها الأنسانى فى بلاد النيل ، فبعد أن رأت أحوال جامعي القمامة في القاهرة وتحديدًا في عام 1971 قررت العيش معهم لمساعدة الفقراء حيث ظلت بصحبتهم لا تفرق فى عمل الخير بين مسلم ومسيحى من 1971 حتى 1993.
وصلت إلى المقطم حيث سكنت داخل كوخ وسط أكواخ الزبالين لتبدأ رحلتها فى مصر وتصبح "الأخت إيمانويل رفيقة جامعى القمامة فى القاهرة" ، ومن اعمالها الخيرية الكثيرة أنها افتتحت فى المطرية، مجمعا يضم عيادات وحضانات أطفال، ومركز محو أمية ، وأنشأت بعدها جمعية "أصدقاء الأخت إيمانويل" التى كانت مهمتها مساعدة آلاف من الأطفال الفقراء.
عادت إلى فرنسا ، فى سن الـ85 بناء على أمر من رهبنتها وذلك حتى تستفيد الرهبنة هناك من خبرتها فى مجال الأعمال الخيرية فى الدول النامية ، وقد استقرت في دير يقع فى جنوب فرنسا.
في 20 أكتوبر 2008 في كاليان ، توفيت الأخت "إيمانويل" عن عمر يناهز التسعة وتسعين عامًا، قبل أربعة أسابيع من احتفالها ببلوغها المئة عام ، تاركة بذلك أكثر من مائة علامة منيرة سيتذكرها بها التاريخ الأنسانى بشكل عام والمصرى بشكل خاص لما قدمته فى مساعدة الفقراء.
الملاك " علا غبور" محاربة السرطان وضحيته
تعد " علا غبور" واحدة من أشهر السيدات فى مجال "المشروعات الغير هادفة للربح" ، فمن منا لا يعرف "علا غبور" السيدة صاحبت فكرة إنشاء مستشفى لسرطان الأطفال والتى وقعت ضحيته ايضاً.
فقد بدئت خدمتها فى مجال مكافحة سرطان الأطفال ، بمعهد الأورام والذى لم يكن يكفى لحاجة هذا الطوفان من مصابى "ألسرطان" فى مصر والذى كان اغلبهم يعانى من الفقر او عدم القدرة على تحمل نفقات علاج مثل هذا المرض الخطير ، وعلى أثر هذا تتبنى علا فكرة إنشاء مستشفى متخصص لعلاج أورام الأطفال، فتتحمل تكلفة دراسة الجدوى بالكامل، إضافة إلى التخطيط والتصميم.
والجدير بالذكر أنها فى رحلة كفاحها ، لم تمد يد رجال الأعمال وقتها لمساعدتها إلا بالجفاء ، رغم كونها زوجة لرجل أعمال شهير، إلا أن طلباتها لرجال الأعمال بمد يد العون لقوبلت بالرفض الشديد، والجفاء في معظم الأحيان.
لكنها لم تيأس وحاربت من اجل فكرتها ، حتى فتحت المستشفى ابوابها ، لتصبح المستشفى الأولى من نوعها في الشرق الأوسط ، وتستقطب وتنال اعجاب الملايين حول العالم ، وتجذب بفكرتها النبيلة قلوب محبين الخير والمتبرعين.
ويروى الأستاذ كمال زاخر كيف كانت " علا " تستقبل الأطفال الخارجين من غير العلاج وتجفف الدموع من اعينهم والألم راسمة الأمل على وجوههم ، متوجه للنصح للأمهات حتى يتعلموا كيفية التعامل مع الأطفال فى مثل تلك الظروف..
تفاجئ "علا" بإصابتها بمرض سرطان الرئة وقد كان فى مرحلة متأخرة حيث لم يحتاج العلاج اكثر من اربع شهور فى رحلة قصيرة إلى أمريكا حتى تودع "غبور" ، العالم فى 18- 12 - 2012م ، وقد رسمت أولى طرق حلمها نحو وطن بلا سرطان ،تذهب إلى السماء فى رفقة الألأف والألاف من دعوات الأطفال الصادقة ، ودموعاً وتاريخ يشهد لها بما قدمته للأنسانية والوطن.
الملاك " هبة السويدى" أم الثوار
هبة السويدي طبيبة بشرية وسيدة أعمال مصرية ، ولدت فى 22 سبتمبر 1973م ، لأم سعودية وأب مصري هو هلال السويدي، وتربت في السعودية، قبل أن تنتقل للعيش في مصر بعد أن تزوجت بابن عمها.
منذ قيام الثورة في 25 يناير 2011، قررت أن تساند الثورة وتقف بجانب المصابين باستكمال علاجهم، خاصة أنها طبيبة بشرية فقد عالجت هبة السويدى أكثر من ألف و600 مصاب من مصابى ثورة يناير ، وذلك عن طريق التبرع بتكاليف العمليات والأدوية، أو عرضهم على أطباء من معارفها ، دون أخذ مقابل لعمل تلك العمليات للمصابين، حيث يتم التعاون مع العديد من الأطباء سواء داخل القصر العيني أو خارجه لتسهيل علاج الحالات كما تم عمل اتفاق مع القصر العيني الفرنساوي لعمل خصم 50% من ثمن علاج الحالات.
اما عن أحداث المقطم التى جرت امام مقر الأخوان فيما يعرف بجمعة رد الكرامة، والتى حدث فى 23 مارس 2013 ألقى القبض على ابنها الأكبر محمود عبد الكريم، وعلى أثر هذا واحتشد المئات من أهالي شهداء ومصابي ثورة 25 يناير، لمؤازرة هبة السويدي أمام نيابة باب الخلق.
اما عن ابنها الأصغر البالغ من العمر 17 عاماً فقد دخلت عليه الغرفة نومه لتفاجئ بوفاته ، فى اغسطس 2015م ، فى نبأ صعق المصريين ، متمنين أن يلهم الله " أم الثوار" الصبر والسلوان.
أطلق عليها العديد من الألقاب فى أعقاب انطلاق الثورة منها "ملاك الرحمة" و"أم الثوار" و" ماما هبة" و"الأم تريز المصرية".