كتبت – أماني موسى
قلما يجود الزمن بحملة مشعل التنوير في وجه مجتمع غارق في ظلام الجهل والتعصب، وقلما يجود بحامل مشعل تنويري يقف صامدًا بمعركة الوطن في وجه أعداء الإنسانية، فعند وقت الجد وحين يستلزم الأمر الحرب والخوض في معركة شرسة غير محسوبة العواقب، ربما تكون الحياة هي الفاتورة المقدمة فيها، عندئذ تجد البعض منهم يتراجع خطوات إلى الوراء وربما يعتذر عما بدر منه تخوفًا من طيور الظلام وشراهتهم للدماء.
نرصد في السطور القادمة أبرز الكتب التي تسببت في ملاحقة أصحابها بعضهم بدعاوى قضائية وآخرين بمحاولة اغتيال أو تفريق عن الزوجة مثلما حدث مع الكاتب نصر حامد أبو زيد.
رواية أولاد حارتنا كادت أن تقتل أديب نوبل
قبل 22 عام في أكتوبر 1994 حاول عضو الجماعة الإسلامية "محمد ناجي محمد" اغتيال الكاتب والروائي نجيب محفوظ، معترفًا بأن الجماعة الإسلامية كلفته أو "شرفته" كما وصف.
وعلل ذلك أن نجيب محفوظ كافر ويحارب الإسلام وعليه أطاع أمر التكليف بالقتل، مؤكدًا في القوت ذاته أنه لم يقرأ أي كتاب لمحفوظ.
والواقعة كما رواها الجاني "أنه توجه مع زميله باسم الذي استشهد -على حد قوله- أثناء القبض عليهما، إلى منزل محفوظ في اليوم السابق على محاولة الاغتيال وطلبا مقابلته وكانا يحملان داخل ملابسهما مسدسًا وسكينًا، وكان باسم يرتدي ملابس خليجية كما حملا أيضًا وردًا وحلوى للتمويه لكن زوجة محفوظ التي فتحت لهما الباب قالت انه غير موجود وأن بإمكانهما مقابلته في اليوم التالي في ندوته الأسبوعية التي يذهب إليها في الخامسة بعد الظهر.
وتابع "كان الهدف هو ذبح نجيب محفوظ داخل منزله بالسكين أما المسدس فكان لتهديد أفراد أسرته حتى لا يطلبوا النجدة، لكن الله لم ييسر الأمر لذلك قررنا ذبحه في اليوم التالي وقد قمت بتنفيذ العملية وحدي وهربت إلى زملائي في عين شمس وأخبرتهم أنني غرست السكين في رقبة نجيب محفوظ فأخذوني بالأحضان وأخذوا يقولون لي مبروك.
يذكر أنه حين سئل هل قرأ شيئًا لمحفوظ، قال "استغفر الله، أنا لا أحتاج إلى قراءة كتاباته، أنا نفذت أوامر أمير الجماعة التي صدرت بناءً على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن".
وكان السبب وراء هذه المحاولة على وجه التحديد رواية "أولاد حارتنا" التي وصفوها بـ الرواية الإجرامية التي تتطاول على الذات الإلهية، كما أن الأزهر أصدر بيان يؤكد ذلك.
طه حسين يتهم بالإلحاد والكفر بعد كتابه "في الشعر الجاهلي"
في عام 1926م أصدر الدكتور طه حسين، كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي هبط بمثابة صاعقة على رؤوس الذين ينتمون للتيار الديني المتشدد، وتم تكفيره واعتباره ملحد.
يقول في كتابه "أريد ألا نقبل شيئًا مما قاله القدماء في الأدب وتاريخه إلا بعد بحث وتثبت إن لم ينتهيا إلى اليقين فقد ينتهيان إلى الرجحان"، ويقول أيضًا "إنه سيسلك في هذا البحث منهج ديكارت الذي يطالب الباحث بأن يتجرد من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن ينسى عواطفه القومية والدينية".
نصر حامد أبو زيد يغادر بعد دعوى حسبة والتفريق بينه وبين زوجته
كان نصر حامد أبو زيد متخصص في الإسلاميان، وأدت دراساته الكثيرة للنص الديني وتعمقه فيها ودعوته إلى تأسيس منهج جديد يقوم على العقل، بمنهج مخالف لما اعتاد عليه الكثير من المفكرين في عصره إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد.
ولم يتوقف الأمر عند حد التكفير أو الاتهام بالإلحاد، بل وضعه على قائمة المهدور دمهم من قبل بعض المشايخ المتشددين، ومن ثم فهو بات معرض للاغتيال بين اللحظة والأخرى.
كما أقيمت دعوى حسبة ضده للتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس، فما كان أمامه إلا السفر لخارج مصر، قضى خلالها فترة قصيرة بالمرض بفيروس لم يستطع الأطباء علاجه، وعاد جثمانه إلى مصر ودفن بمدافن الأسرة بطنطا.
اغتيال فرج فودة بسبب كتبه عن الإسلام السياسي
أغتيل فرج فودة بتحريض الجماعة الإسلامية وجبهة علماء الأزهر التي أصدرت بيانًا بتكفيره، حيث سقط شهيدًا على "سماك" أمي لا يجيد القراءة والكتابة، في 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، حيث انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام الجمعية المصرية للتنوير بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة.
وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبد الشافي رمضان الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين.
غير أن سائق سيارة فرج فودة انطلق خلفهما وأصاب الدراجة البخارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدًا بالمكان إلى المستشفى حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب.
حبس إسلام بحيري
وفي واقعة شبيهة ولكن هذه المرة ليست من أجل كتاب مقروء بصفحات ولكنه إنتاج فكري لم يتوافق مع الهوى العام والتيار المتشدد، حيث واجه الكاتب والباحث إسلام بحيري، في ديسمبر الماضي، عقوبة السجن لمدة سنة بتهمة ازدراء الإسلام، وذلك بعد أن تم تخفيف العقوبة من خمسة أعوام إلى سنة.
وكان المحامي محمد عسران، قد أقام دعوى ازدراء الأديان ضد إسلام بحيرى، وعليه صدر الحكم ضده.
وجاءت حيثيات الحكم "إنه ثبت في يقين المحكمة أن المتهم "إسلام بحيري" عكف على بث أفكار متطرفة تحت ستار الدين، عن طريق استغلال حلقات برنامجه التلفزيوني "مع إسلام" وتدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي والندوات العامة التي أعتاد خلالها التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي والسنة النبوية المطهرة، بزعم تجديد الخطاب الديني والتنوير".
حبس الكاتب كرم صابر بعد رواية "أين الله" استنادًا لشهادة الأزهر
حيث قام مجموعة محامين من المنتمين للتيار السلفي، وعلى رأسهم محمد سيد طنطاوي، المحامي ببني سويف، برفع دعوى قضائية ضد الروائي كرم صابر، بعد صدور مجموعته القصصية "أين الله" في أبريل 2011، قالوا أنها تحرض على الإلحاد.
وفي 2014، أيّدت محكمة "ببا" الجزئية، سجن الكاتب كرم صابر إبراهيم، لمدة 5 سنوات، بتهمة ازدراء الأديان والعيب في الذات الإلهية، واستندت في حكمها إلى شهادة الأزهر الشريف.
وعلق صابر على حكم سجنه، أنه لم يتوقع أن يتفاقم الأمر إلى هذا الحد خاصة أنها رواية، ولكن أدلة الثبوت أعتمدت على شهادة مخبر أمي لا يجيد القراءة والكتابة، أكد أن روايته تزدري الأديان وتمس الذات الإلهية.