بقلم: ليديا يؤانس
إنحنيت أحتضن قدميه بين ضلوعي أقبلها، تركت قدميه وصعدت علي السرير بجانبه، أبحث عن مكاني بين أحضانه، للأسف لم يشعر بي، لم تطوقني ذراعاه، لم يضع إحدي ذراعيه تحت رأسي والأخري تحتوي جسدي النحيل بين ذراعيه كما كان، لم أشعر بلهيب أنفاسه يتجول فوق وجهي الرقيق يمطره بالقبلات كما كان، هذا الرجل الذي أعشقه وأحبه بجنون، دائماً يبهرني بتمُيزه، ذو جسد قوي مُفعم بالحيوية والرجولة، قوي الشخصية والجسد، حاصل علي بطولات في رفع الأثقال وكمال الأجسام، ولكن أهم بطولاته أنه الرجل الوحيد بالنسبة لي الذي لا تُساوي الحياة بدونه شيئاً!
إنفتح باب الغرفة ودخل الرجل الثاني برفقة طبيب، حاولا أن يهدءا من روعي، فقدت أعصابي وقلت للرجل الثاني، أغرب عن وجهي ليس لك مكان بحياتي، هذا هو الرجل الوحيد في حياتي.
الطبيب سحبني برفق وقال سأشرح لك حالته في مكتبي، الطبيب يجرني من يدي لنخرج من الحجرة، ولكن قدماي لا تطاوعاني، عيوني ملهوفة عليه، وقلبي يذوب هلعاً بين أضلعي خشية أن أرجع فلا أجده.
قلت للطبيب، عشت حياتي كلها في رعب أن أسمع عنه مكروه، لا أستطيع الحياة بدونه، بل حياتي كلها تحت قدميه، تلقيت مكالمة هاتفية، حالته خطرة جداً وهو الآن في مستشفي القوات المسلحة، خرجت كالمجنونة أصرخ في الشارع، بدون حذاء، بدون نقود، بدون أي معلومات عن مكانه أو حالته، فاعل خير أوصلني للمستشفي ومكانه.
قال الطبيب، إستقبلناه من الإسعاف علي أثرحادث مروع، العناية الإلهية تدخلت لكي تُنقذه، من أن تدهسه عجلات السيارات المُسرعة بالطريق، لقد وقع من سيارة الإطفاء وهي تجري بسرعة جنونية لأداء مهمة إطفاء حريق.
قال سائق سيارة الإطفاء، أنه كان يجلس بجانبي، أنه هو اللواء المسئول عن وحدة إطفاء العتبة، وهي وحدة كبيرة جداً مركزية، وتخدم مناطق عديدة من وسط البلد، كان يحاول إرتداء البوت، أثناء شده للبوت، رُبما إتكأ بجسده علي باب السيارة، فجأة وجدت باب السيارة إنفتح بقوة، ولم أجد سيادة اللواء بجانبي!
قلت، لقد أخذني مرات عديدة إلي مكان عمله، سوف تري كيف أن هؤلاء الجنود قد يضحون بأرواحهم لأنقاذ الناس من لهيب النار، جندي الإطفاء يجب عليه إقتحام النيران لأنقاذ الضحايا حتي ولو فقد هو حياته، أثناء تواجدهم في وحدة الإطفاء، هم دائماً علي أهبة الأستعداد، تجد الوحدة منظمة بطريقة تسهل قفز الجنود في عربة الإطفاء في أقل من لمح البصر، يوجد في منتصف الوحدة عمود حديدي معلق في السقف ونهايته فوق عربة الإطفاء التي يجب أن تكون علي أهبة الإستعداد أيضاً، وحينما يدق جرس الإطفاء ليعلن أن هناك حريقاً، تجد الجنود يقفزون من أماكن تواجدهم أو سرايرهم حتي ولو كانوا في أي دور من المبنى، وكل واحد يأخذ حذائه (البوت) والخوذه والجاكيت، وبسرعة يمتطي العمود الحديدي، الذي ينتهي به فوق عربة الإطفاء ويستكملون لبس ملابسهم أثناء إنطلاق السيارة لأداء مهمتها.
قال الطبيب، أن حالة سيادة اللواء حرجة جداً، حيث أن مُعظم ضلوعه مكسورة، ويوجد جروح وسجحات في مناطق متفرقة من جسده، وأن عدم قدرته علي الكلام، بسبب العلاج والمُخدر القوي لتقليل الإحساس بالألم لديه.
لملمت أشلائي المُبعثره، جسدي المُتهالك، فكري المُشتت، عيوني الزائغة، أنفاسي المتلهفة علي الإستمتاع بعبق أنفاسه، نبضات قلبي البطيئة الحزينة المُلتاعة علي رفيقها، جررت قدمي بصعوبةُ، وكأنني أنظف أرضية المستشفي، حتي وصلت إلي غرفة حبيبي، أنه مازال في شبه غيبوبة، لم أستطع أن أضع أذني علي صدره، كما تعودت لأسمع دقات قلبه حيث الأربطة والضمادات، قبلت يديه ورأسه ووجهه وكل جزء من جسده، حينما تلامس جسدي مع جسده شعرت بأنه مازال علي قيد الحياة فأنفرجت أساريري وهدأت نفسي.
جلست أهمس في أذنيه، مُتأكده أنه يسمعني ويتجاوب معي، برابطة الحب المُقدس الذي يجمعنا، الدم الذي يجري في عروقي من دمه، كل خلية من جسدي تنحني إحتراماً وتقديراً وعشقاً لهذا الرجل، الذي هو كل حياتي، أضع حياتي كلها تحت قدميه، لأنه السبب فيما أنا فيه من وجود وحياة ونجاح وسعادة، أنا به أسعد إنسانه في الوجود، وبدونه لا أستطيع الوجود.
حبيبي لا أستطيع الحياة بدونك، إختلطت دموعي مع إبتسامتي الباهتة المُتوجسه من فُقدانه، وتعثرت الكلمات علي لساني.
كنت لا أستطيع مُغادرة المنزل بدون أن أسمع رأيك، في ملابسي ومكياجي وإطلالتي، فأنت ترمومتر رشاقتي وأناقتي .. لن أرضي بك بديلاً.
عندما نكون كلانا خارج المنزل، تكون لهفتنا أقوي علي العودة للمنزل، لكي نسعد باللقاء، وحلو الحديث، وتبادل لمسات الحب .. لن يكون لي رفيق غيرك.
عندما أكون مريضة، أنام وأنت تسهر بجانبي، توقظني برفق واضعاً ذراعك خلف رأسي وبيدك الأخري تُعطيني الدواء ثم تضع رأسي برفق علي الوسادة .. لن يكون سواك أمينا علي جسدي ونفسي.
أسعد لحظات عُمرك، عندما كُنت أحقق نجاحاً أو إبداعاً أو تفوقاً، دموع الفرح تتساقط غزيرة من عينيك، تنتشلني من وسط الناس لتحتضني، وتلف بي لنتراقص علي أنغام سعادتنا وضحكاتنا.
وضعت حياتك رهناً لسعادتي ولذا أضع حياتي تحت قدميك.
مرة أخري جاء الرجُل الثاني، فقطع همس الذكريات الجميلة بيني وبين حبيبي، إرتفع صوتي بإنفعال، أغرب عن وجهي لا أريدك، وفجأة بدأ حبيبي يفتح أجفانه الثقيلة، إحتضنت رأسه أقبلها وأنا أبكي أنها دموع الفرح علي سلامته، جائني صوته واهناً ضعيفاً من أعماق صدره، حبيبتي سأكون أسعد مخلوق في الدنيا لما يكون عندك أثنين رجاله، مُش أثنين أفضل من واحد!
لا أنا مُش عايزه رجاله ثاني معاك، إنت كل حياتي، أنت أعطتني حياتك كلها، فحياتي كلها تحت قدميك.
حبيبة قلبي، إنتظرنا سنيناً عديدة حوالي 17 سنة لمجئ طفل أو طفلة يُكمل سعادتنا، وعندما جاءت الطفلة الموعوده، لفظت الأم أنفاسها، أخذتك بدمك وحبل سرتك لم يقطع، إحتضنتك بين كفي، دموع الفرح إختلطت مع دموع الحزن، الفرح بفلذة كبدي، جزء مني ومن صلبي أحملها بين أصابعي، والحزن علي رفيقة عمر، كُنت أعشقها ولكنها كانت كريمة معي لآخر لحظة، أعطتني الفرحة وذهبت هي إلي السماء.
ياحبيبة قلب بابا، بابا عايز يكون عندك اثنين رجاله، بابا حبيبك وواحد ثاني ترتبطي به، أنا ساأكون في منتهي السعادة لما يكون عندك اثنين رجاله!