د.ماجد عزت إسرائيل
يمثل البطريرك في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أعلي سلطة دينية لذلك فإن مكانته - أو إذا جاز لنا التعبير جلوسه علي كرسي مار مرقس- تحظي بلفت أنظار أتباع مذهبه عامة وشعب كنيسته بصفة خاصة مكانة كبيرة ومنذ دخول الإسلام أرض مصر، حظي البطريرك بمكانة كبيرة عند المسلمين، لدرجة أن بعض الحكام والولاة كانوا يتحرُّون اختياره، ونذكر علي سبيل المثال ما حدث في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي، عندما تنيح (توفي)البابا "زخارياس الأول " البطريرك رقم(64)(996م -1023م)، فتطلع بعض الأراخنة إلي أن ينالوا منصب البابوية بواسطة استخراج أمر من الخليفة الفاطمي، فلما علم "بقيرة الرشيدي"الكاتب القبطي، حميت الغيرة علي الكنيسة في قلبه فجمع قوماً من الأقباط، وذهب إلي الوزير "علي بن أحمد " ودار حوار بينهما حول ذلك الأمر، وكان الوزير يتصف بالحكمة والفهم وسمحًا مع الأقباط، فذكر لـ"بقيرة " والأراخنة:" أنه عند رسامة البطريرك يتوجب دفع ثلاثة آلاف دينار (العملة في تلك الفترة)، وقد تركناها كرامة لكم، فيجب أن تفعلوا بعد هذا ما يرضي الرب.
وفي القرن الثالث عشر الميلادي زادت مكانة البطريرك عند المسلمين وبالتحديد في عهد البابا كيرلس الثالث( ابن لقلق)(1235-1243م)، فعندما علم هذا البطريرك بوجود جماعة تقف علي باب كنيسة القديس مرقوريوس لمحاولة إعاقته هو ومن معه عن حضور عيد تذكار قديس الكنيسة ، امتنع عن الحضور، فلما علم الوالي أرسل علي الفور أحد أمرائه لخدمته وليعينه علي إقامة الصلاة، ويقدم له التهاني. وفي منتصف القرن التاسع عشر، زادت مكانة البطريرك لدي المسلمين وقد أوصاهم دينهم بحسن معاملة أهل الكتاب واستنكر أن يسيء أحد إلي ذمي، ومن هؤلاء البابا كيرلس الرابع البطريرك رقم(110)(1854-1861م) الذي لقبوه بـ (أبو الإصلاح) لما أدخله من تطوير في العملية التعليمية، لدرجة إصداره أمرًا إلي رهبان دير بوش( مركز ناصر محافظة بني سويف) بتعليم أبناء القرية من مسلمين واقباط، بل قدم للجميع المساعدات من المأكل والملبس في محبة تامة.
ومن أوائل البطاركة الذين نالوا مكانة كبري لدي الحكام المسلمين في منتصف القرن العشرين، البابا " كيرلس السادس "البطريرك رقم (116) (1959-1971م)، والمعروف في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولدي المؤرخين والسياسيين برجل (الصلاة و القداسات )، الذي كان يستقبله الرئيس جمال عبد الناصر(1954 1970م) في منزله، بل تبرع له بقطعة أرض أقيمت عليها الكاتدرائية الحالية بالعباسية، كما تبرع أولاده بما يملكونه من أموال للمساهمة في بنائها.
وفي أواخر القرن العشرين نال البابا شنودة الثالث البطريرك(117)المتنيح في 17 مارس 2012م مكانة كبيرة لدي المسلمين علي مستوي مصر والعالم العربي لمواقفه الوطنية البارزة وخاصة مشكلة فلسطين، ولرفضه التام دخولها إلا مع المسلمين، فلقبوه ب ( بابا العرب) ولايزال يعرف بهذا اللقب.
وفي أواخر القرن العشرين نال المتنيح قداسة البابا "شنودة الثالث" (1971- 17 مارس 2012م) البطريرك رقم (117) مكانة كبيرة لدى المسلمين على مستوى مصر والعالم العربي لمواقفه الوطنية البارزة، نـذكر منها على سبيل المثال رفضه التطبيع مع إسرائيل،وزيارة القدس إلا مع المسلمين، وإيمانه التام بالحقوق المشروعة للفلسطنيين، فلقبوه بـ ( بابا العرب) و لايزال يعرف بهذا اللقب.
ولقداسة البابا المتنيح "شنودة الثالث" (1971- 17 مارس 2012م) البطريرك رقم (117) مكانة كبيرة عند آل سعود، فقد ساهم قداسته فى تقوية جسور المحبة بين المملكة العربية السعودية ومصر،حيث ذكر الدكتور "مصطفى الفقى" فى حوار مع جريـدة الأهرام المصرية بعنوان" خزائن واسرار البابا" قائلاً" جاء الأمير "سلمان آل سعود" وزير الدفاع العودى (أمير الرياض فى ذلك الوقت)، واتصل بالرئاسة وقال لى: سأقيم معرض "الرياض اليوم" ولى طلب أن يكون قداسة البابا شنودة الثالث موجودا، فأدركت أهمية هذا الرجل الذى تمكن من حل "الحساسية التاريخية" للأقباط والعروبة" وقد زارت الأميرة" بسمـة آل سعود" البابا لدعوته للمشاركة فى الهيئة الدولية التى تنظمها لمساعدة الشعوب خاصة المرأة والطفل،وأعربت عن سعادتها بزيارته وواصفة إيـاه،بأنه بابا العرب، كما حرص سفير السعودية لدى مصر "أحمد قـطان"على التواصل الدائم مع البابا.
ولمكانة المتنيح قداسة البابا شنودة البطرير رقم (117) لدى آل سعود نعته المملكة العربية السعودية بعد رحيله قائله "ينعى شعب بلاد الحرمين ببالغ الحزن والأسى سماحة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، الذي وافته المنية أمس السبت 17 مارس 2012م، سائلين الله له الرحمة والمغفرة،ويتقدم شعب بلاد الحرمين في هذا المصاب الجلل لكل الإخوة المسيحيين عامة والمصريين خاصة بأحر التعازي وصادق المواساة،إنا لله وإنا إليه راجعون، الحق فوق القوة والأمة والوطن فوق الحكومة، كما هو معروف، سبحان الله وبحمده،لا حول ولا قوة إلا بالله"،وقدم سفيرها بالقاهرة أحمد عبدالعزيز قطان التعازى لأعاء المجمع المقدس والقائمقام البطريركى. واليوم 17 مارس 2016م هو الذكرى الرابعة لرحيل قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك رقم 117م فى تاريخ عداد بطاركة الكنيسة القبطية،خالص العزاء لأسرة قداسته ولشعب الكنيسة " ذكرى الصديق تدوم الى الأبد".