الأقباط متحدون - مصر ومخططات الأبالسة-6
أخر تحديث ١٣:١٤ | الثلاثاء ١٥ مارس ٢٠١٦ | ٦ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٦٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر ومخططات الأبالسة-6

6ـ تمردان أضاعا استقلال مصر

فاروق عطية
    ساهم كل من محمد علي باشا وسعيد باشا واسماعبل ياشا والخديوي توفيق وأحمد عرابي كل بنسبة من الأخطاء أدت في النهاية إلي دخول القوات البريطانيا إلي مصر. كانت خطيئة محمد علي تندرج تحت ما يسمي بحسن النية حين أتي بالعديد من الأجانب في شتي التخصصات بغرض تعليم المصريين تكنلوجيا الصناعات المختلفة التي كانت بعيدة كل البعد عن المصريين، أدي الأجانب مهمتهم التعليمية بنجاح واستقرّوا في البلاد مكونين جاليات كبيرة لا يستهان بأعدادها.

    أما خطيئة سعيد باشا كونه منح امتياز شق قناة السويس لصديقه المهندس الفرنسي "ديليسبس" بشروط مجحفة جرَّت على مصر الويلات فيما بعد. وفي عهده أيضاً بدأت مشكلة الديون حيث كان يستدين من الغرب بفوائد ربوية لينجز قناة السويس وغيرها من الأعمال المرهقة لميزانية البلاد دون فائدة كبيرة تجنى منها. وفي عهده بدأ تدخّل الدول الأوربية في البلاد بشكل سافر بدعوى حماية حقوقها المالية؛ إلى أن وصل الحال إلى فرض وزيرين أوروبيين ضمن تشكيلة الوزراء، إضافة إلى تدفق الأجانب في عهده على مصر، وإقامة محاكم خاصة بهم.

   أما خطيئة الخديوي إسماعيل قد كانت كبيرة، بعضها بحسن نية حين حاول أن يحذو حذو جده في تحديث مصر وتطويرها فوافق ديلسبس علي إنشاء قناة السويس لتكون شركة مساهمة بين مصر (صاحبة الأرض وعمال الحفر بنسبة أربعة أخماس العاملين) وفرنسا (صاحبة الفكرة ومعدات الحغر وخُمس العمال)، وبعضها نتيجة تهوره بالاستدانته المستمرة بسبب دخوله في العديد من المشروعات المتعددة بغرض تطوير مصر وجعلها قطعة من أوروبا، مما اضطره لعرض نسبة من أسهم قناة السويس للبيع، فكانت فرصة مواتية لبريطانتا لتشتريها والحصول علي حق الانتغاع مع فرنسا حتي عام 1958.

   أما خطيئة الخديوي توفيق هي الاحتماء بالقوات البريطانية خاصة بعد حادثة عابدين والثورة العرابية. أحس الخديو توفيق بالخطر فلجأ إلى الإسكندرية طالباً من الإنجليز المتربصين بسفنهم في البحر حماية عرشه، مع ضغطه والإنجليز على السلطان العثماني لإصدار منشور بعصيان عرابي؛ لينفضّ الناس عنه، كما استغل الإنجليز مذبحة الإسكندرية ليتخذوها ذريعة لاحتلالها بدعوى حماية رعاياهم.

   والخطيئة الكبرى كانت خطيئة عرابي الذي لم يكتف بما تحقق من نجاحات بعد وقفة ميدان عابدين وحصول الضبلط المصريين لكل مطالبهم، إنما اغتر بمن حوله وظن أنه ممثل الشعب، واستمرأ التطاول على ولي أمره، والخروج بمظاهرة ضده. كان الإنجليز يشايعهم الفرنسيون يرقبون الأحداث بغبطة وسرور، ويوعزون له من خلف ستار للمضي في طريق التمرد. لم يستجب عرابي للناصحين الذين حثوه على سد قناة السويس لكي لا يتسلل منها الإنجليز إلى عمق الأراضي المصرية؛ وانخدع  بتطمينات ديلسبس. اعتماد عرابي وجنوده علي الدجل والخرافة كان سببا مباشرا للهزيمة بمعركة التل الكبير، ففي مساء 12 سبتمبر 1882 دخل إلي الطابية أحد أرباب الطرق الصوفية وبيده ثلاثة أعلام‏، وتقدم إلى أحد المدافع فرفع عليه أحدها وقال‏:‏ هذا مدفع السيد البدوي‏،‏ ثم انتقل إلى مدفع آخر فوضع عليه علماً ثانياً وقال‏:‏ إنه لسيدي إبراهيم الدسوقي،‏ ثم إلى مدفع ثالث وقال‏:‏ إنه لسيدي عبد العال، وفي مساء 13 سبتمبر أصدر عرابي أوامره إلى جيشه بالراحة والترويح، فانصرف الجنود إلى حلقات الذِكر تحت إشراف الشيخ عبد الجواد المشهور بالورع والتقوى وظلّوا يفقرون حتي بعد منتصف الليل، بعده ناموا منهكبن، وفي الساعة 1:30 صباحاً فوجئت القوات المصرية المتمركزة في مواقعها في التل الكبير والتي كانت نائمة وقت الهجوم بقدوم الإنجليز مع بعض بدو الصحراء الذين اطلعوا الإنجليز على مواقع الجيش المصري متعاونين مع بعض الضباط الذين ساعدوا الإنجليز على معرفة الثغرات في الجيش. استغرقت المعركة أقل من 30 دقيقة وألقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري (حسب اعترافه أثناء رحلة نفيه إلى سيلان). قضي على الثورة العرابية بعد أن أوقعت البلاد بيد الاحتلال الإنجليزي ، الذي استمر حوالي 74 عاماً (1882 – 1956م). رغم ادعاءاتهم وتصريحاتهم المتكررة بأنهم سيخرجون حالما يعود الهدوء والأمن للبلاد.

   استمر الخديو توفيق في الحكم(1679-1892)، ثم جاء بعده ابنه عباس حلمي (1892 – 1914) ثم حسين كامل ابن إسماعيل (1914م – 1917م) ثم فؤاد بن إسماعيل (1917م – 1936م)، ثم الملك فاروق ابن فؤاد (1936-1952م).

   عام 1919 في عهد الملك فؤاد وعقب الحرب العالمية الأولى، اندلعت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية، بقيادة الوفد المصري الذي كان يرأسه سعد زغلول ومجموعة كبيرة من السياسين المصريين، شارك فيها كل الطبقات من طلبة وعمال وفلاحين ونساء، وذلك لتذمر الشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي وتغلغله في شؤون الدولة بالإضافة إلى إلغاء الدستور وفرض الحماية وإعلان الأحكام العرفية وطغيان المصالح الأجنبية على الاقتصاد. بدأت أحداث الثورة في صباح يوم الأحد 9 مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات في أرجاء القاهرة والأسكندرية والمدن الإقليمية. تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت في أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام 1922، وبدأت نتائجها الحقيقية..


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter