الأقباط متحدون - مصر ومخططات الأبالسة-5
أخر تحديث ٠٢:١٧ | السبت ١٢ مارس ٢٠١٦ | ٣ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٦٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر ومخططات الأبالسة-5

فاروق عطية

5ـ  هوجة عرابي والاستعمار البريطاني
   قدم عرابي مطالب الضباط المصريين للخديوي توفيق بميدان عابدين في 9 سبتمبر 1881م و بناء علي نصيحة القُنصلين الإنجليزي والفرنسي استجاب الخديوي لمطالبهم وقام بعزل رياض باشا وعين مكانه شريف باشا المحبوب من الشعب والمناصر للدستور ومجلس النواب، قام بتشكيل الوزارة وعين البارودي ناظرا للحربية. قدم 1600 من الأعيان مذكرة لإنشاء مجلس نواب علي غرار مجالس أوروبا، وبالفعل تمت الانتخابات وافتتح المجلس النيابي في 26 ديسنبر 1881م.

   أمام تزايد الحماس والوعي الوطني ازدادت مخاوف الانجليز والفرنسيين علي مصالحهما خاصة رقابتهما الثنائية علي صندوق الدين وإدارتهما لقناة السويس دون المصريين. لذا رأت إنجلترا أن من حقها تتولي إدارة القناة بنفسها وليس عن طريق وسطاء مثل الحديوي والقناصل والمؤسسات المالية الدائنة، وبدأت إنجلترا خطوات ترتيب احتلال مصر.

   نجح شريف باشا في الانتهاء من وضع دستور للبلاد وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ولكن عصف بهذا الجهد تدخل إنجلترا وفرنسا في شئون البلاد، وإرسال المذكرة المشتركة الأولى في 7 يناير 1882 والتي أعلنتا فيها مساندتهما للخديوي، فتأزمت الأمور، وتقدم شريف باشا باستقالته في 2 فبراير 1882م بسبب قبول الخديو لتلك المذكرة. وتشكلت حكومة جديدة يرياسة البارودي وشغل عرابي فيها منصب ناظر الحربية، وحظيت وزارة البارودي بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لتحقيقها رغبات الأمة ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن فأعلنت الدستور الذي صدر به مرسوما خديويا في 7 فبراير 1882م، وسميت هذه الوزارة باسم وزارة الثورة لأنها حققت رضا الشعب والجيش كليهما.

   غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوي ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه، فاشتدت الأزمة وتعقد الحل، ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديوي ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد، فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار. بعدها أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد والبلاغات الرسمية، ثم تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة مشتركة في 25 مايو 1882م يطلبان فيها استقالة الوزارة، وإبعاد عرابي ناظر الجهادية عن القطر المصري مؤقتًا مع احتفاظه برتبه ومرتباته، وإقامة "علي باشا فهمي وعبد العال باشا حلمي، وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش" في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما. رفض البارودي هذه المذكرة واعتبرها تدخلا في شؤون البلاد الداخلية، وطلب من الخديوي التضامن معه، إلا أن توفيق أعلن قبوله لمطالب الدولتين، فقدم البارودي استقالته التي قبلها الخديوي.

   بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابي ناظرًا للجهادية، اضطر الخديوي إلى إبقائه في منصبه، وتكليفه بحفظ الأمن في البلاد، غير أن أمور البلاد ازدادت سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية (11 يونيو 1882م)، وسببها قيام حمّار مالطي (من رعايا بريطانيا) بقتل مصريّ، فشب نزاع تطور إلى قتال سقط خلاله العشرات من الطرفين قتلى وجرحى.  بعدها  تشكلت وزارة جديدة ترأسها "إسماعيل راغب"، وشغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية، وقامت الوزارة بتهدئة النفوس، وعملت على استتباب الأمن في الإسكندرية، وتشكيل لجنة للبحث عن أسباب المذبحة، ومعاقبة المسئولين عنها.

   أعلنت انجلترا تشككها في قدرة الحكومة الجديدة على حفظ الأمن، وبدأت في اختلاق الأسباب للتحرش بالحكومة المصرية، وانتهزت فرصة تجديد قلاع الاسكندرية وتقوية استحكاماتها، وإمدادها بالرجال والسلاح، وأرسلت إلى قائد حامية الإسكندرية إنذارًا في (10 يوليو 1882م) تطلب وقف عمليات التحصين والتجديد وإنزال المدافع الموجودة بها. رفض الخديوي ومجلس وزرائه هذه التهديدات، وفي اليوم التالي قام الأسطول الإنجليزي بضرب الإسكندرية وتدمير قلاعها فاضطرت المدينة إلى التسليم ورفع الأعلام البيضاء، واضطر أحمد عرابي إلى التحرك بقواته إلى "كفر الدوار"، وإعادة تنظيم جيشه. انحاز الخديوي للمحتلين، واستقبل في قصرالرمل بالاسكمدرية الأميرال بوشامب سيمور قائد الأسطول البريطاني، وجعل نفسه وسلطته الحكومية رهن تصرفه. وأرسل الخديوي إلى أحمد عرابي في كفر الدوار يأمره بالكف عن الاستعدادات الحربية، ويحمّله تبعة ضرب الإسكندرية، ويأمره بالمثول لديه في قصر رأس التين؛ ليتلقى منه تعليماته. رفض عرابي الانصياع للخديوي وبعث إلى جميع أنحاء البلاد برقيات يتهم فيها الخديوي بالانحياز للإنجليز، ويحذر من اتباع أوامره، وأرسل في 16 يوليو إلى "يعقوب سامي باشا" وكيل نظارة الجهادية يطلب منه عقد جمعية وطنية من أمراء البلاد وعلمائها وأعيانها للنظر في الموقف المتردي وما يجب عمله، اجتمعت الجمعية في 17 يوليو 1882م، وكان عدد المجتمعين نحو أربعمائة في مقدمتهم الشيخ الإمبابي شيخ الإسلام والبطريرك كيرلس الخامس، أجمعوا على استمرار الاستعدادات الحربية ما دامت بوارج الإنجليز في السواحل، وجنودها يحتلون الإسكندرية. وقرروا ضرورة حضور الخديوي توفيق إلى العاصمة القاهرة، وتشكيل لجنة برياسة علي مبارك لإبلاغ هذا القرار للخديوي، وذهب علي مبارك ولم يعد للقاهرة. وعرف الناس أن المراقبين الماليين الإنجليز أخذوا الاموال الموجودة في صندوق الدين إلى المراكب الحربية. وكان رد فعل الخديوي على هذا القرار هو اصدار بيان في نفس اليوم 17 يوليو 1882، بعزل عرابي من منصبه، وتعيين "عمر لطفي" محافظ للإ سكندرية، وأوضح البيان أن الخديوي غير مسؤول عن تصرفات عرابي.

   لم يمتثل عرابي للقرار، واستمر في الاستعدادات الحربية لمقاومة الإنجليز. وبعد انتصار عرابي في معركة كفر الدوار أرسل عرابي إلى يعقوب سامي يدعوه إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية للنظر في قرار العزل. وفي 22 يوليو 1882م عُقِد اجتماع في وزارة الداخلية، حضره نحو خمسمائة من الأعضاء، يتقدمهم شيخ الأزهر وقاضي قضاة مصر ومُفتيها، ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط، وحاخام اليهود والنواب والقضاة والمفتشون، ومديرو المديريات، وكبار الأعيان وكثير من العُمد، فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة. وفي الاجتماع أفتى علماء الأزهر بمروق الخديوي عن الدين؛ لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده، وبعد المداولة أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي عن منصبه، ووقف أوامر الخديوي وعدم تنفيذها.

   استمر عرابي في المقاوكة رغم صدور فرمان من السلطان عبد الحميد الأول يعلن عصيانه. فكرعرابي في غلق قناة السويس ولكن ديليسبس أكد له استحالة قدوم القوات الإنجليزية من الناحية الشرقية لأن القناة محايدة. استولت القوات الإنجليزية علي بور سعيد في 21 أغسطس وستمرت في التقدم جنوبا مع مقاومة شعبية من المواطنين الغير مسلحين. وفي 28 أغسطس تقدم الجيش البريطاني غربا في محافظة الإسماعيلية. وفي 13 سبتمر حدثت معركة التل الكبير، الساعة 1:30 صباحا واستغرقت أقل من 30 دقيقة. حيث فاجأ الإنجليز القوات المصرية المتمركزة في مواقعها منذ أيام والتي كانت نائمة وقت الهجوم(ساهرين حتي منتصف الليل في الذكر). والقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري. واصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم، ثم استقلت قطار سكك حديد مصر إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بقيادة خنفس باشا قائد قلعة صلاح الدين عصـر نفس اليوم. بعد دخول الإنجليز القاهرة في 14 سبتمبر 1882 ووصول الخديو قصر عابدين في 25 سبتمبر 1882 تم عقد محاكمة لعرابى وبعض قادة الجيش في المعركة وبعض العلماء والأعيان وتم الحكم عليهم في 3 ديسمبر 1882 بالنفى إلى جزيرة سرنديب (سيلان) أو سريلانكا حاليا. وكان ذلك بداية الاحتلال البريطاني لمصر الذي دام 74 عاماً.

   انتهت هوجة عرابي بالاحتلال البريطاني لمصر، واعتقال عرابي وأعوانه ونفيهم،ولم تقدم شيئا لمصر غير الاحتلال والفقر والانحدار والتدهور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وكانت من بدايتها لنهايتها نتيجة أطماع شخصية وطموحات فردية طمعا في الترقي وإلباسها لباس الوطنية الكاذب.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter