الأقباط متحدون - أبحث عن بنت العمدة..
أخر تحديث ٠٩:٤٦ | السبت ١٢ مارس ٢٠١٦ | ٣ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٦٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أبحث عن بنت العمدة..

مفيد فوزي
مفيد فوزي

من رأى منكم بنت العمدة فى أى مكان صحرا أو بركان، فليدلنى على العنوان، فأنا مشتاق اشتياق أرض عطشى للماء، أود لو ألمسها وألثم جبهتها وأجلس القرفصاء أمامها أسمع منها حكايات سفرتها، أشتاق لصوتها الرنان حين تصفو وحين تغضب وحين ترضى وحين تصفح. كنا طائرين فرّق بيننا الموت. كنا صديقين وحبيبين وفى آخر القائمة زوجين. كنا نخاف من افتراس مؤسسة الزواج للبساطة والتلقائية. كنا نخشى على صداقتنا من عواصفها وتغيرات المناخ. حاولنا التغلب على شرور دخلت من الشباك فى غفلة أو ذات مساء جريح. الشرور- عادة- تطال كل شىء جميل، والإيمان وحده يجعلنا نتجه لسماء تستجيب لحرارة النداء، كان كلانا يخاف على «وليفه» من صقيع الأيام وما تخبئه أقدارنا.

■ ■ ■
أبحث عن بنت العمدة فى البر والبحر، ولكن البحر رمانى بالصمت وبعض من أصدافه. وأرتد خائباً. أبحث عنها بين وجوه الصبايا وفى طوابير ماسبيرو وأدقق النظر وأكاد أراها شبحاً، لكنه السراب. أهو الخداع البصرى؟ كيف، وكلماتها فى أذنى وصوتها الخلاب يسكن رأسى وأشم عطرها الأخاذ، لكنه خاطر يمر على الخاطر.. و«تهيؤات».

■ ■ ■
بنت العمدة هى أفضل ما أنتج صعيد مصر الجوانى. سمرة بشرتها بلون طمى النيل. طويلة كالفارسات. عيناها كانتا مقتلى وهزيمتى واستسلامى بلا مقاومة.

بنت العمدة هى آمال العمدة التى حانت ذكراها أمس 11 مارس عام 2001، مر على رحيل بنت العمدة خمسة عشر عاماً، وكأن السنين تعلمت الوثب العالى.

آمال العمدة، رفيقة الأيام الصعبة، حين تزوجنا كان راتبى 18 جنيهاً وكنا نسدد ثمن كنبة اتفقت عليها آمال فى دمياط، خمسة جنيهات فى الشهر، أنا أدفعها مرة وهى تسدد مرات، كنت أتساءل لماذا أنا؟ وهناك شباب مثلى يملك شقة وسيارة وحساباً فى بنك، لماذا أنا ومستقبلى غامض. مجرد شاب يكتب فى الجرائد لا أكثر، هذا الذى تراهن عليه بنت العمدة، كان أبوها مهندساً من الرعيل الأول، وجدها عمدة الأقصر، لكنها راهنت ورفضت السفر لكندا مع أسرتها.

■ ■ ■
أبحث عن بنت العمدة بين نساء أراهن وأخالطهن ولكن أحداً منهن لا يملك قلبها الفياض وقدرتها على تقديم العون للآخرين بلا أجر، لا أحد يملك مشاعر الاعتزاز بالذات ولا الكرامة التى تحافظ عليها كما ثوب العرس دوماً أبيض، ولا أحد يملك زئيرها إذا اقترب أحد من سور حديقتها.

أبحث عن بنت العمدة التى كانت تقول لى «إن عفة المرأة فى عقلها» وكانت تقول «اخترتك من بين كثيرين لأنى أراهن على الغد» أبحث عن بنت العمدة التى دخلت قلبى من اهتماماتى وحين عدت من رحلة صحفية فى ألمانيا ونشرت تحقيقاتى على مدى أسابيع، كتبت لى مقالات موازية فى كشكول جامعى يشى بنضج امرأة وعقل أنثى متفتح. لم أكتف يومئذ بقراءته بل راسلتها على بيتها فى مصر الجديدة، هذه الخطابات فتحت عالماً من الفهم المتبادل والأرضية الواحدة المشتركة. فطنت بنت العمدة - بذكائها - لشفرة التعامل معى وعرفت أسرار «غزوى» من كل الجبهات، وليس معنى هذا أننا كنا «سمن على عسل»، أبداً، كنا نختلف بشدة وكان الصمت عقاباً وكان الخصام يذوب فى نفس ذات الليلة، لم نكن زوجين بالمعنى التقليدى، كنا صديقين بكل مساحة الصداقة، وكانت بنت العمدة تغار كألسنة النار، وكانت تحافظ على عرينها بمخالبها.

■ ■ ■
أبحث عن بنت العمدة، التى طلعنا السلم سوياً، أنا فى دنيا الحرف المنسوج وهى فى دنيا الهمس المسموع. لقد اكتشفت أن كفاح الأزواج المشترك يفتح حساباً فى بنك المحبة والتشبث بالآخر، فلا ينفد الرصيد أبداً. ومهما اختلفنا، هناك محطة للعتاب تتكسر على صخرتها أى خلافات، مهما اختلفنا، هناك شاطئ تسقط فيه الخلافات ويصفو البحر بعد ريح عاتية وأشرعة يبتلعها جوفه.

■ ■ ■
أبحث عن بنت العمدة ربما التى لها رغبة صارحتنى بها وهى بين أنياب المرض. قالت إنها تريد أن ترى فينيسيا وتلتقط عشرات الصور، قالت إنها تريد أن تسكن فندقاً فوق الماء.

الآن أستطيع- يا آمال - أن أصحبك إلى الفندق الذى طالما حلمت به فى فينيسيا، ولن أمنع دموعاً محبوسة فى المآقى لأنك غير قادرة على السفر.

أبحث عن بنت العمدة، بنت الإذاعة المصرية، التى كان صوتها مغرداً فى بيوت مصر وهى تقدم «صحبة وأنا معهم» وتغضب إذا فاتتنى مقدمتها عن الشخصية التى فى ضيافتها من توفيق الحكيم إلى صلاح طاهر وليلى مراد، لكنى حتى الآن لا أستطيع أن ألتقط شريطاً من مكتبتها الثرية بالآلاف من الأشرطة وأستعيد الإصغاء لمحتواه. لا أستطيع مهما غلبنى الشوق لأن صاحبة الصوت المغرد على سفر طويل.

■ ■ ■
أبحث عن بنت العمدة. الكلمة الواحدة والوجه الواحد والغضب الصعيدى الغائر. أبحث عن بنت العمدة «الموهوبة» ليس فقط كمعدن صوت إنما من ثقافة، فلا ملل معها ولا جلسات صمت طويلة. كانت آمال العمدة ترسم ورأى الفنان الكبير صلاح طاهر إحدى لوحاتها فانبهر، وأوصاها بالفرشاة والألوان وكان من الممكن لو طال بها العمر أن تصير خطوطها فى المعارض تتلألأ. أبحث عن بنت العمدة التى كنا نختبئ داخل محارة عن عيون الفضوليين، فى مطعم نغسل بعض همومنا ولا نكف عن الكلام، كأننا بعد فى مرحلة الخطوبة والاختبار.

■ ■ ■
أبحث عن بنت العمدة التى أتت لنا بوحيدتنا حنان، التى كانت «البلسم» طول العمر. كانت تخصص إذابة جليد بينى وبين آمال. أعطت حياتنا الطعم والمذاق وخففت كثيراً عنى بعد رحيل «القبطانة». كانت صديقتها كوثر هيكل تطلق عليها اسم «آمال العندة». كان عنادها يضرب به المثل ولكنها حين عرفت سرير المرض، تقلص العناد وصار استسلاماً للمشيئة الإلهية.

أبحث عن بنت العمدة التى بعدها ذقت مرارة الوحدة وعرفت لغة الفراق وأدب الافتقاد. حتى صداقاتى العابرة لم تخفف عذابات الفراق. وصارت حنان بالنسبة لى «أمى وأختى وصديقتى وحبيبتى» لها أشكو ولها أبوح وفى لحظات الضيق، أدق على باب الحنان فتفتح.

■ ■ ■
آمال: أنا لم ولن أعتزل الغرام «بك».

* 2016

1- ليتنى أرى قانوناً لازدراء «التنطع الوطنى».

2- كتاب خليل فاضل «البوح العظيم للمصريين»، كتاب لمفكر محترم فى بلد عديم القراءة والبصيرة.

3- فى كتابى «اسمح لى أسألك» أدعى أن لغة الحوار فيه لا تربطها علاقة نسب بحوارات هذا الزمان.

4- من كان يجرؤ فى زمن عبدالناصر على طرح «البديل المدنى»، كان وراء الشمس ينتظره.

5- لا تلقوا الأحذية عقاباً على الآخرين لخيانة. وفرّوها لحفاة فى بلدى.

6- نحن نرى الصورة من الواجهة، والسيسى يعرف أبعادها التى لا نراها.

7- الحماس نوعان: حماس يسنده الله يرفع إلى المجد و«حماس» يسانده الشر يوصل إلى جهنم.

8 - لست أريد غير توسيع دائرة الرئيس فى القرار قليلا ولا أحلم بـ«فتحها ع البحرى»، اتقاء شرور «مراكز القوى».

9- إذا ظل «التطاول» العلنى والمستتر منهج حياة، فلا عشنا ولا كان التقدم قريباً من رؤوسنا.

10- يا أغبياء القرن، ثقوا بأمن مصر رغم أخطاء فى الأداء لا تذكر، لأنه الملاذ والملاذ والملاذ.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع