الأقباط متحدون - أريد أن أموت في هدوء
أخر تحديث ١٣:١٨ | الثلاثاء ٨ مارس ٢٠١٦ | ٢٩ أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٦١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أريد أن أموت في هدوء

أريد أن أموت في هدوء
أريد أن أموت في هدوء

 بقلم :محمد حسين يونس

 
في رواية للكاتب اليوناني الرائع  كازنزاكيس ، (( الحرية أو الموت ))..مشهد لا أنساه أبدا ..  أورد ترجمته كما أتذكرها . 
الاب الذى بلغ من العمر ارزلة ..يطلب من الابناء أن يحضروا له ثلاثة من الاصدقاء الذين يماثلونه في العمر ..و أن يخرجونه راقدا علي سريرة الي الحديقة ..  يجلس أمامه ندماءه .. و يلتف حولهم الابناء و الاحفاد عن بعد ( فهذا كلام للكبار لا يصح أن يسمعه الصغار ). 
الاب يسأل .. لقد عشنا علي الارض لمدد طويلة .. و خبرنا الحياة بمرها و حلوها .. ولكن لازال السؤال الذى سألناه في مقتبل العمر مطروحا لم نجب عليه .. لماذا وجدنا في  هذه الدنيا و ماذا فعلنا بحياتنا !!.
 
أخرج الاول من حقيبة في يده لا تفارقة .. وعاء زجاجيا .. ووضعه امامه .. ثم  أشار لمحتوياته .. هنا 54 أذن محفوظه في سائل لنفس العدد من الاتراك المحتلين لجزيرتنا  الذين قتلتهم جميعا .. وإحتفظت من كل قتيل بأذن لاتذكر كم كنا رجالا .. و كم كافحنا ضد المحتل العثماني الذى ذقنا علي يديه الويل . 
لهذا وجدت في الحياة .. و هذا ما فعلته بعمرى .. صارعت و حاربت .. و سافرت عبر البحار كقرصان .. و كمنت علي الارض كقاطع طريق .. وربحت الكثير .. وإستمتعت بالخمر و النساء .. و لم يبق لي  في النهاية إلا أنني عذبت من عذبونا و قتلت من قتلونا .. و ها أنا أعيش ألان  كما مهملا لا يعرفني أحد .. و لكنني غير نادم .
 
قال الثاني .. الحياة ذئب و شاة .. إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .. و لقد كنت ذئبا يهابه الجميع ..لقد إخترت القوة .. فنميت جسدى  وعقلي و ثروتي .. ولم يكن يغلبني في السوق غالبا .. لقد كان الجميع يهابونني .. لثروتي و عزوتي .. و كان الجميع يتوددون لي .. و يتقون غضبي .. و كنت شرسا .. لا أمل من متع الحياة .. لدى القصر و الخدم والمحظيات .. أأكل بشره .. و امارس الجنس بشره .. و أعيش كملك متوج .. أأمر فأطاع . 
و لكن بمرور الزمن بدأت قوتي تضمحل .. و ثروتي تذوى ويغتصبها الاقوياء  .. و الاتباع يتفرقون .. و تحول الذئب إلي شاة ضعيفة .. تتحرك بهدوء  كي لا تلفت نظر الذئاب الشابة التي نضجت وأصبحت هي المسيطرة .. أعيش بدون أبهه أو بذخ .. و لكنني لا أنسي  سالف الازمان .. عندما أتحدث من أقراني عن أيام كنا فيها الذئاب المرهوبة . 
 
 قال الثالث ..أنا لا أعرف الكلمات .. ثم أخرج (كمان ) من حقيبته .. و أمسك بالقوس و بدأ يعزف .. و تسللت الانغام .. تتصاعد صاخبة .. و عنيفة .. و بدأ الشباب في التصفيق و الرقص .. و تعالت الضحكات .. و هو مستمر في  العزف تارة بسرعة و أخرى ببطء .. ثم رقت الانغام .. و هدأت .. و أمطرت سحابات عابرة بعض الرزاز .. فاغمض الاب عينيه .. و إنسلت روحه خارجة بهدوء .
 
عاصرت هذه الحياة 76 عاما ..كنت فيها ..  النماذج الثلاثة .. مكافحا ضد الاستعمار .. و عاديا  في بعض الاحيان .. و تمتعت بالسلطة و النفوذ وزرت أماكن عديدة جميلة .. و أكلت الاطيب و شربت الافخر .. ولبست الاجمل .. و كانت علاقاتي مع الاصدقاء و الصديقات متعددة و متنوعة .. يلتفون حولي إما للتمتع بما أملكه من النفوذ أو لربحية منتظرة او لإستمتاع بحياة مترفة أوفرها لهم  أو لحب .. حتي وهن العظم مني .. و تحول الذئب لشاة.. تحاول أن تتوارى  من الذئاب التي في الحكومة .. وأقسام الشرطة و الشارع .. و من بتوع الضرائب و مافيا البنوك .. و سائقي التاكسي و الميكروباص .. و الصحافة التي لا تتوقف عن التشهير .. و الناشرين الذين يأكلون حق المؤلف .. و أصبح كل من يطلب ما بيدى أسرع و أسلمة له . 
 
 لقد جال تحت منزلي بلطجية رابعة .. ودمر حديقتي بلطجية القهاوى.. و كسر سكوني إذاعات عالية الصوت ترتل أو توعظ .. و كسرت  خصوصيتي سيدة بالادوار العليا  تنظف السجاد من الشباك فتردمني بالتراب .
 
الهنود الحمر .. عندما يصل الجد الي سن الرحيل، وبعد أن  يقيم له الابناء و الاحفاد  حفل توديع  .. يأخذ متعلقاته و يصعد الي قمة الجبل متأنيا ببطء ليموت هناك في هدوء .
 
إنها الحياة  تواجد الميلاد و إختفاء الرحيل .. فلما التمسك بعالم لا يخصك ..لقد أصبحت أعيش في غابة، تحكمها العشوائية ،إنفرط فيها العقد ..و سادت فيها الضوارى، لا فن . ولا ذوق .. و لاأخلاق كما  خبرتها.. و المسن يداس .. ويرمي له بعض اللقيمات علي هيئة معاش تتضائل قيمته كلما إرتفعت الاسعار . ..أريد أن أموت بهدوء كبطل رواية كزانزاكيس ، كعجوز هندى لم يعد المجتمع يحتمل إعالته . .. فقد مللت من هذه الغابة وتعبت من العيش بين هؤلاء المتوحشون .أف

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter