بقلم: زهير دعيم
أمّي يا لحن الوجود وأغرودة الحياة.
أمّي يا بسمة تُجمِّل ثغر البشر وتدفّئ الضّلوع.
امّي يا أملا أخضر يُزهر فوق ربوعنا ، فيُعطِّر كياننا بالطمأنينة ، ويصبغ أوقاتنا بلون الفرح .
...أنتِ محبة الإله المُنسكبة بردًا وسلامًا على قلوبنا في وقت الضّيق، بل هديته الأحلى لنا . كيف لا وانت بلسم لجروحنا ، وعزاء في أحزاننا ، وفَرَج في ضيقتنا ، وأمل في ليالينا الحالكة.
تساءلت وما زلتُ أتساءَل : كيف تكون الحياة بدونك ؟ أترى كلمة قفر تكفى لتصوير الوضع إياه؟ أم تراها صغيرة ، ضئيلة لا تفي بالمطلوب، فهذا طفلكِ الصغير بدونكِ – حتّى ولو فاز بألف عناية- يبقى مُضطربًا ، هائجًا وباكيًا الى أن يسمع صدى صوتك وينعم بدقّات قلبك فيروح يبتسم ثم تراه يغفو والطمأنينة ملء خلاياه.
وفي الكتاب المقدّس وفي مزاميره يصف داود النبيّ المؤمن الملتجئ الى الإله المُحبّ قائلا : " بل هدأت وسكت نفسي كفطيم نحو أمّه "
حقًّا في الامومة هدوء وطمأنينة ، وعطاء لا يفوقه عطاء ، وبذل يعجز قلم الفيلسوف من أن يصوّره ، وريشة الرسّام أن تلوّنه ، وإزميل النحّات البارع من أن يُجسّده.
إنّها جملة عطايا ، وكوكبة من الأحباب ، واضمامة رياحين ، وحزمة من نور ، وباقات من الأحاسيس جُبلت في مخلوق واحد فكان الامّ، فحريّ بنا أن نجعل ونُخصِّص لكِ عيدًا ، فنجتمع إليكِ لنرنو بنهم ونحن نُقدّم لك الهدايا الحسّيّة والمعنوية ... نرنو ولا نشبع.
حريٌّ بنا أن نعيد لك بعضًا من جميلك ...وأنّى لنا ذلك ، فمهما فعلنا وقدّمنا فلن ننجح، حتى ولو حكنا لكِ من النجوم شالا ومن الأقمار تاجًا ، فسنبقى مُقصِّرين.
فالليالي تشهد كم ساهرتها وأنت تهزّين سرير طفلك حينما يفِرّ من عينيه النوم ويجفوه النعاس ، والديكة تعترف بأنك سبقتها الى الفجر بنغماتك ووقع قدميك الجميلتين ،والشمس تقرّ بأنها تغيب خلف الافق وتتوارى فوق البحار ، في حين يظلّ نورك يشعّ ويشعشع في كل الاوقات.
ونحن نقرّ أنّنا لن نوفيك حقّكِ ولن نستطيع أن نردّ لك جميلك ، لذا نرنو الى السماء في كلّ يوم سائلين ساكن الأعالي أن يُعوّضك ويهبك من لدنه الصحّة وهدأة البال والعمر الطويل ، لتبقي منارة في دروبنا .
أمّي التي غيّبها الردى وما زالت روحها تحوم فوق بيوتنا وربوعنا وتلالنا، وما زال وقع قدميها في ساحة البيت ، أحبّك كما تحبّ الموجة الصغيرة حضن الشاطئ في يوم ربيعيّ من آذار.
أحبّك وأتوق الى عناقك المقدّس ، والى دعاء يصعد بخورا الى العلاء.. والى بسمة حيية ملأى بالطهر والنقاء.
أمّي وكلّ أمّ ؛يحلو لي ان أقطف لك في عيدك اضمامة من النسرين والوزّال ، مُعطّرة بأريج العرفان ، وملوّنة بلون الشَّفَق ، وأزفّها إليك حالمة، عساها تجدكِ تتسربلين بسربال الصّحة القشيب.
أمّي وكل أمّ.... الله يحبّكنَّ وكذا نحن.