بقلم - محمود بسيوني
تمتاز مهنة الصحافة والاعلام عن باقي المهن بانها قادرة على مناقشة قضاياها الداخلية بحرية ، ويقبل العاملين فيها النقد اللاذع برحابه صدر قد لا تتوفر لباقي المهن ، ولأنها مهنة تتعامل مع الخطر ، وتنشد الحرية لها وللناس ، ولا يمكنها ان تخفى ازمتها الداخلية في التعامل مع التطورات خلال الخمس سنوات الاخيرة .
الاعلام يعلم ان الدولة المصرية في ازمة وجود ، تواجه خطرا لم ترى مثيلا له منذ مئات السنين ، يهدد بنيتها ، ويسعى الى تقسيمها ، على اساس عرقي واساس طائفي ضمن مخطط يهدد الدول القومية في الشرق الاوسط كله ، اضافة الى ازمة اقتصادية طاحنة جزء منها موروث من انظمة متعددة سابقة يتوافق معها ازمة اجتماعية قائمة على غياب قيم وظهور قيم جديدة غريبة على مجتمع هو بالأساس محافظ .
الازمة نابعة من تغافل الاعلام في اوقات كثيرة عن ما يلف الدولة المصرية من مخاطر ، بعضهم يرى ان النظام هو السبب ، ويتفق ذلك مع ما يأتي من الخارج من هجوم ونقد يسعى في النهاية لسيادة الفوضى ، بعلم او دون علم تشتعل الازمات ضد اجهزة الدولة التي تحاول التعافي ، ربما لا يزال يرى الدولة كما كانت او امتداد لأنظمة سابقة ، فيمارس معها نفس الدور القديم في النقد لزيادة التوزيع او صنع بطولات اعلامية ، او البحث عن وزير او مسئول في الدولة يتفق معه ويسد فمه ببعض المكاسب .
وذلك لا ينفى ان هناك نقد بناء لصالح الوطن والمواطن ، وكشف للفساد ومحاربة للتطرف ، وفضح لمسؤولين يستغلون مناصبهم واوضاع الدولة من اجل الحصول على قطعة من التورتة او التلاعب مع السلطة لنفس الهدف.
اشتكت السلطة من الاعلام الذى تجاهل ما يتم على الارض من انجاز ولعل التعامل المستهتر مع زيارة الرئيس السيسي لليابان وكوريا الجنوبية وما تحقق بها كاشف لازمة عميقة في بنية الاعلام المصري الذى لا يجيد التعامل مع الازمة التي تلف الوطن لماذا طلبت ذلك ، لأنها تريد اعلام يراعى الامن القومى ..كيف ذلك ؟ ..لنرى تجارب دول اخرى .
في نوفمبر 2001 عقدت كونداليزا رايس اجتماعا مع المسؤولين عن التحرير في شبكات ABC,CNN,CBS,FOX,NBC وطلبت منهم ان تراعى ادارات التحرير متطلبات الامن القومي عند الحكم على الاخبار ، واتفقوا على ان يتبادلوا الآراء حول اذاعة الاخبار عن الحرب وان تتخلى عن المنافسة لصالح الامن القومي الامريكي .
وقال اندرو هيوارد رئيس شبكة CBS الاخبارية ان الولايات المتحدة كانت تواجه موقف جديد وحرب جديدة وعدو جديد ، وانه من المناسب ان نبحث عن طرق جديدة لتنفيذ التزاماتنا نحو الجمهور والتزاماتنا تجاه الامن القومي الأمريكي .
اما روبرت ميردوخ مالك فوكس نيوز فعلق على الاجتماع بقوله ان الشبكة ستقوم بواجبها الوطني ، وجعل الحكومة واجهزتها هي المصدر الرئيس للمعلومات ، وادى الاتفاق الى التخلي عن الممارسات الصحفية التحريرية لجعل الاخبار تتفق مع خط الادارة الامريكية خل حربى افغانستان والعراق ، ونتج عن هذا الاتفاق مجموعة من الارشادات والتوجيهات للمحررين والمندوبين في هذه الشبكات لجعل التغطية متحيزة للولايات المتحدة .
اضافت تلك التوجيهات ان التقارير الاخبارية عن افغانستان يجب ان تنتهى دائما بالتذكير بان طالبان تستضيف الارهابيين الذين نفذوا اعتداءات 11 سبتمبر وقتلوا خمسة الاف من الامريكيين الابرياء ، وان مقاتلي طالبان والقاعدة يختفون داخل التجمعات السكنية ، ويتخذون دروعا بشرية ، وانه يجب تكرار ذلك في كل تقرير يتضمن صورا للضحايا ، ومن الواضح ان هذه التعليمات التزمت بها كل الشبكات الاخبارية الامريكية وليس فقط ال CNN.
والتجربة الاخرى ، و طبقا لما هو مقرر دوليا للتعامل الإعلامي مع قضايا الدول النامية ينبغي أن تسهم وسائل الإعلام في تحقيق التنمية الشاملة كما يعرفها "ليونارد سوسمان" هي تركيز الصحفيين الموضوعيين على أخبار أحدث التطورات في مجالات التنمية المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى نجاح التنمية الاقتصادية وتحقيق الوحدة الوطنية.
وتتطلب صحافة التنمية من الصحفي أن يتفحص بعين ناقدة ويقيّم ويكتب عن مدى ارتباط المشروع التنموي بالحاجات المحلية والقومية ويتفحص الاختلافات بين الخطة وتطبيقها، والاختلاف بين آثارها على الناس في تصريحات المسئولين وبين آثارها الفعلية، ونلاحظ هنا التناقض بين الاستخدام الحكومي للصحافة في خدمة التنمية، وبين الدور الرقابي للصحافة في ظل السيطرة الحكومية بتراجع النقد وتتحول أخبار التنمية إلى دعاية سياسية للحكومة وقيادتها. ووفق هذه النظرية تتلخص مهام وسائل الإعلام في عملية التنمية في النقاط التالية
تشكيل اتجاهات الشعب وتنمية هويته الوطنية .
مساعدة المواطنين على إدراك أن الدولة قد قامت بالفعل على أداء التزاماتها على الوجه الأكمل انتهاج سياسات تقررها الحكومة بهدف المساعدة في تحقيق التنمية الوطنية .
تشجيع المواطنين على الثقة بالمؤسسات والسياسات الحكومية مما يضفي الشرعية على السلطة السياسية ويدعم مركزها.
الإسهام في تحقيق التكامل السياسي والاجتماعي من خلال تجنب الصراعات السياسية والاجتماعية وإحباط أصوات التشرذم والتفرقة والتخفيف من التناقضات في القيم والاتجاهات بين الجماعات المتباينة المساعدة في الاستقرار والوحدة الوطنية وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية .
إبراز الإيجابيات وتجاهل السلبيات وتقليل حجم النقد إلى حجمه الأدنى.
تأسيساً على ذلك تبرز قضية سوء استخدام صحافة التنمية خاصة في إطار الاحتكار الحكومي للصحف، حيث تتحول طاقات الصحف لخدمة هدف تدعيم مركز السلطة السياسية وتصبح أهداف التنمية الوطنية ذات أهمية ضئيلة، وتتحول حرية الصحافة كما يشير "جراهام مايتون" لتبدو نوعاً من الترف الفكري في نظر المتحمسين لمفهوم صحافة التنمية .
اذن صحافة التنمية هي الحل من اجل الحفاظ على الوطن حتى نعبر الخطر .