ميشيل حنا الحاج
بعدأن قام "بول بريمر"، المعين حاكما عسكريا على العراق بعد احتلاله في عام 2003... بحل الجيش العراقي، ثم قامت حفنة عربية بمؤازرة دول أجنبية لا تريد الخير للعرب، باشعال تمرد مسلح في سوريا منذ شهر آذار 2011، وقام هذا التمرد بمشاغلة الجيش السوري وقواته التي خاضت حربا ضد العدو الصهيوني في شهر أوكتوبر عام 1973...وبعد أن شوغلت أو انشغلت قوات دول الخليج العسكرية ذات الترسانات الهائلة من الأسلحة (المعدة لتحرير فلسطين كما اعتقد الجميع) والتي تكلفت مليارات الدولارات... بحرب عاصفة الحزم في اليمن منذ آذار2015 ، وكان قد سبقها تشتت القوة الليبية منذ عام 2011، والتي لم تكن قوة عسكرية، لكنها كانت قوة مالية نفطية قادرة على تغذية القوات العربية بالسلاح....جاء الآن دور حزب الله الذي صمد في عام 2006 في وجه العدو الصهيوني، لتشويه صورته وتقديمه على أنه قوة ارهابية، وليس قوة عسكرية قادرة على الوقوف مجددا في وجه اسرائيل، خصوصا بعد غياب كل القوى العسكرية الأخرى القادرة على مشاغلتها.
ومع تقييد القوات المصرية باتفاقية كامب ديفيد منذ عام 1973، ومع مشاغلتها حاليا بكامب ديفيد من نوع آخر تمثل بالعمليات العسكرية ضد رجال أمنها وقواتها المسلحة في سيناء وداخل الأراضي المصرية أيضا، فقد كل أمل للعرب وللعروبة بأن تقف يوما على قدميها، خصوصا وقد عززت قوات حماس وجماعة ولاية سيناء أو بيت المقدس وتنظيمات ارهابية أخرى، بالقدرة على فتح أنفاق تربط سيناء بغزة مستخدمة وسائل حفر حديثة تسمح ببناء أنفاق من طابقين، وأنفاق تعبر فيها السيارات، وليس مجرد الأشخاص من مهربي الأسلحة الى داخل غزة، ومن غزة الى سيناء حسبما تقتضي الحالة... بل ومع تطور وسائل حفر الانفاق بين سيناء وغزة (كما قال لي صديق من سكان العريش الحدودية بين غزة وسيناء) باستخدام وسائل حفر لا تحتاج الى القاء التراب الناتج عن الحفر الى جوانب الموقع المحفور (مما كان يساعد على اكتشافها)، واستخدام التراب الناتج عن الحفر لتعزيز جدران النفق وزيادة سماكته بعد خلطه ببعض الاسمنت...بعد هذا كله، لم يبق مصدر قلق للعدو الصهيوني الا حزب الله، مما استدعى ضرورة السعي لتقزيمه وتحويله من حركة نضالية تعد نفسها لمواجهة العدو، الى حركة ارهابية موضوعة على قائمة المنظمات الارهابية.
وكان من المفهوم أن تقوم الولايات المتاحدة بوضع حزب الله على قائمة المنظمات المصنفة بالارهابية. بل وكان من المقبول أن تقدم دول الخليح بتشجيع وبضغوط من أقوى أعضائها، على وضع حزب الله على قائمة الارهاب. لكن ما لم يكن مفهوما هو اقدام وزراء 18 دولة عربية، ومنهم السلطة الوطنية الفلسطينية، على اصدار قرار بوضع حزب الله على قائمة من هذا النوع، بحيث اقتصر الرفض لذاك القرار على العراق ولبنان، مع تحفظ أو امتناع عن التصويت من قبل دولتين عربيتين أخريين.
وهكذا يتأكد تدريجيا السعي الغربي المعزز بالسعي الاسرائيلي الأميركي، لاضعاف كل الجيوش أو مصادر القوة العربية القادرة على تهديد اسرائيل ومحاربتها، بل أيضا تترجح الرغبة في تفتيت الدول العربية الى دويلات كوسيلة لحماية اسرائيل وضمان أمنها... الأمر الذي بدأ الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة... في تنفيذه منذ حرب عام 1991 التي شنت على العراق بذريعة تحرير الكويت، ولدى فشلها في تحقيق أهدافها بسبب التدخل الايراني الذي فاجأ الأميركيين، أعادت الكرة في عام 2003 بغزو مباشر للعراق واجه مقاومة شديدة من الشعب العراقي، مما أضطر الأميركيين للانسحاب بشكل مبكر وقبل تحقيق كامل أهدافهم، رغم تحقيق بعضها، تمثل بالسماح بظهور وانطلاق تنظيم الدولة الاسلامية في عام 2006 تحت سمعهم وبصر قوات احتلالهم... وهو التنظيم الذي حول مجرى المقاومة العراقية من مقاومة للمحتل، الى مقاومة للشيعة استمرت أكثر من ثلاث سنوات بذريعة تأثرها بالنفوذ الايراني. أضف الى ذلك زرع البذور لظهور ما سمي بالربيع العربي، والذي واكب ظهوره (ربما من باب الصدفة) عملية انسحابهم من العراق في عام 2011.
ومما يجعل من قضية تصنيف حزب الله كتنظيم ارهابي، أمرا أكثر ايلاما مما يجب، هو توقيته الغريب. اذ جاء في مرحلة تسعى فيه الدولتين الكبريين.. روسيا وأميركا، الى تحقيق وقف لاطلاق النار في الساحة السورية، وهو القرار الذي دخل مرحلة التنفيذ فعلا يوم السبت الماضي (في 27 شباط)، مما شكل بارقة أمل بحل واحدة من المعضلات العربية، ومنها (اضافة الى احتمالات بلوغ السلام في سوريا)، احتجاج بعض دول الخليج على مشاركة حزب الله في القتال في سوريا. فوقف اطلاق النار في حال بقائه فاعلا، كان سينهي تدريجيا، مبرر مشاركة حزب الله في تلك الحرب، والتي اضطر للمشاركة فيها كعنصر توازن، نظرا للعدد الكبير من العناصر الأجنبية - غير السورية، التي استقدمتها تركيا وبعض دول الخليج للقتال الى جانب المعارضة السورية المسلحة. وكان المتوقع في هذه الحالة، هو الحاق خطولات المساعي للسلام في سوريا، بمساع للسلام في اليمن أيضا. ولكن عوضا عن ذلك، لم تتحقق خطوة ولو هزيلة للسلام في اليمن، كهدنة لأسباب انسانية مثلا، بل رافقها خطوة تصعيدية بالتوجه لتصنيف حزب الله كتنظيم ارهابي، باعتباره مشاركا في حرب اليمن.
وخطوات التصعيد ضد حزب الله، كانت قد بدأت منذ عامين تقريبا بعرقلة انتخاب رئيس للبنان. وتبعتها خطوة أخرى، بسحب الدعم المالي السعودي للجيش اللبناني كوسيلة أخرى للضغط على لبنان، وفي مسعى لتثوير اللبنانيين ضد حزب الله. وعندما لم تحقق تلك الخطوة النتيجة المبتغاة، لجأت السعودية ودول خليجية، الى اتخاذ القرار في مجلس التعاون الخليجي، بوضع حزب الله على قائمة المنظمات الارهابية، بذريعة أنه لا يقاتل في سوريا فحسب، بل في اليمن أيضا. ولم تفكر بالحل البديل وهو انهاء أسباب القتال في اليمن، مما كان سينهي بشكل غير مباشر، الحاجة لمشاركة حزب الله في القتال في اليمن...ان صحت الاتهامات بمشاركته في ذاك القتال... وهو البعيد كثيرا عن جغرافية اليمن، وتفصل بين تواجده في لبنان والأراضي اليمنية، بحار وبحار.
ولكن التوجه الى السلم في سوريا ان بقي صامدا... مع وجود مساع تركية حثيثة لضعضعته عبر مواصلتها القصف عبر حدودها للمناطق الكردية المحاذية للحدود، اضافة الى قصف قوات سوريا الديمقراطية المشكلة من أكثرية كردية، وما يرافق ذلك من عبور الحدود التركية لمزيد من المقاتلين الساعين للانضمام للمعارضة السورية التي تشكك بقدرة الهدنة الانسانية في سوريا على البقاء قائمة، في مسعى لاحباط مساعي "ديمستورا" لعقد جنيف ثلاثة للسلام في الأيام القادمة، كخطوة نحو التفرغ الكلي الدولي لمقاتلة الدولة الاسلامية - داعش، مقاتلة فعالة ... هذا التوجه كان يفترض فيه أن يرافقه توجه نحو السلم في اليمن أيضا. فالحرب التي تركز على مقاتلة الحوثيين ومناصريهم من التابعين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، تتناسى خطر الدولة الاسلامية التي تزداد انتشارا في اليمن، وخصوصا في منطقة الجنوب اليمني، وبشكل مركز في عدن والمحافظات المجاورة لها.
ففي الوقت الذي تركز فيه على خطر وجود حفنة من مقاتلي حزب الله في اليمن يقدمون الخبرة والمساعدة للحوثيين، يتجاهلون تماما خطر تواجد مقاتلي الدولة الاسلامية بأعداد كبيرة وتزداد نموا يوما بعد آخر في اليمن (السعيد)، علما بأن السعودية قد أرسلت طائراتها الى قاعدة انجرليك التركية، وأعلنت عن استعدادها لارسال قوات برية للمشاركة في مقاتلة المنتمين للدولة الاسلامية المتواجدين على الأراضي السورية. فلو صدقت النوايا على مقاتلة داعش، فان الأجدر بدول الخليج، وخصوصا بالسعودية، أن تتفرغ بعض الشيء لمقاتلة الدولة الاسلامية المتنامية في اليمن. ولكنها عوضا عن ذلك، تسعى لمقاتلة عدو آخر يبدو لها أكثر خطرا من الدولة الاسلامية، وهو مقاتلي حزب الله الذين ربما (وهذا غير مؤكد بعد) يقدمون بعض العون للحوثيين. ولعل أبرز تأكيد على تنامي قوة داعش على الأراضي اليمنية وخصوصا في عدن وجوارها، هو اقدامها في يوم الجمعة ..الرابع من آذار (مارس)، على مهاجمة دار للمسنين انتهت بقتل ستة عشر انسانا بريئا منهم أربع راهبات كل همهن تقديم خدمة انسانية للفقراء من المسنين الفقراء الذين لا عون لهم ولا قوة.
ترى من الأجدر بالملاحقة: حزب الله، أم الدولة الاسلامية - داعش، التي تعيث الفساد في اليمن، وتقتل الأبرياء من المسنين، بل وتقتل راهبات يقمن بعمل انساني مجاني، فيقتلن لا لسبب الا لكونهن راهبات مسيحيات؟
سؤال ينتظر جوابا من الأخت العربية الكبرى... من السعودية، ومن دول الخليج الأخرى...