هل وضعوا قانون زرع أو نقل الأعضاء فى ثلاجة المشرحة مع الجثث؟!، بعد أكثر من ربع القرن صراعاً ومعارك وجدلاً سوفسطائياً حول قانون نقل الأعضاء، صدر القانون سنة 2010، وما إن تنفّسنا الصعداء حتى توقف كل شىء بعد 25 يناير 2011، بحجة «خلينا فى المهم»، وتحت شعار «إحنا فى إيه ولا فى إيه»؟!!، كارثة ومصيبة أن نعود إلى المربع رقم واحد مرة أخرى فى لعبة السلم الطبى والثعبان الرجعى، سلم طبى يريد أن يصعد ويرتقى بالمهنة ويواكب العصر ويحترم إنجازات العلم، وثعبان رجعى متخلف يجرّنا إلى الأسفل، ويجرنا إلى دوامات نقاشات تستنزف العقول وتقتل الحماس، فنعود إلى نقطة الصفر، ظل القانون فى أدراج مجلس الشعب أكثر من ربع القرن، رغم أن زرع الكلى، على سبيل المثال، بدأ فى مصر فى منتصف السبعينات، على يد «د. غنيم»، وكنا الرواد فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، القانون فى الدرج، رغبة فى راحة النافوخ، واتقاءً لشر الألسنة التى تُكفر كل من يُفكر، دخلنا فى متاهة تعريف الموت وانزلقنا إلى حفرة لا قاع لها، حينما ناقشنا قضية طبية محسومة صار الجدل فيها من الفولكلور التاريخى، أدخلنا الشيوخ ومعهم بعض الأطباء المتأخونين السلفيين، وشلة من الإعلاميين الذين لا يفقهون شيئاً فى العلم، إلى مغارة الشر وكهف الغربان والبوم وبيت جحا، الذى ظللنا تائهين فى ممراته لمدة خمس وعشرين سنة، نلوك عبارات نُردّدها كالببغاوات، أسطوانة مشروخة تُردد طقطوقة مملة من عينة موت جذع المخ ليس موتاً شرعياً، الموت الشرعى هو انخساف الصدغين وتوقف القلب وتدلى الخصيتين.. إلخ
، الموت الإكلينيكى لفظ اخترعته عصابة الاتجار بالبشر.. إلى آخر هذا الكلام الذى لا يصمد لأى مناقشة من طالب فى تالتة طب!!، تمكن منا هذا اللت والعجن المزمن حتى أصبح العالم كله ينقل الأعضاء من الميت إكلينيكياً إلى المريض الحى إلا نحن وأفغانستان!!، حتى السعودية التى فيها الكعبة ومهد الإسلام يتم فيها نقل الأعضاء من الموتى حديثاً، ولديها قانون يبيح ذلك، وطبعاً الأردن حدّث ولا حرج، صارت رائدة، وسبقتنا للأسف بمراحل، نتيجة عدم تلكعها، وتركها سياسة الأيدى المرتعشة، جاء زمن «مرسى» ليضرب قانون زرع الأعضاء فى مقتل ويخرج علينا النائب الإخوانى أكرم الشاعر ليفتح الموضوع من جديد، وكأنه يخترع العجلة، ويقول إن الموت الإكلينيكى ليس موتاً شرعياً، وقلنا له الموت موت، ليس فيه شرعى وعرفى، وإن كلامه يستفيد منه الحانوتى وليس الطبيب!!، وما أخاف منه هو أن نعود إلى هواية «اللوك لوك» التى تلبستنا وجعلت كل قضايانا تتحول إلى برنامج توك شو مستمر لمدة 24 ساعة، وصار الجدل لمجرد الجدل يمنحنا الأورجازم واللذة. أخاف فى هذا البرلمان الذى تجادل لمدة شهر ليضع اللائحة فقط، أخاف وأخشى أن يخرج علينا سلفى من هواة «الحكى فى المحكى» واستنباط الأحكام والنظريات الطبية من بطون كتب تراثية كان سقفها الحجامة والكى وحبة البركة، وهى علاجات زمانهم، ليجرجرنا ثانية فى المتاهة ويفتح علينا مرة ثانية باب جهنم، وإذا كان القدماء معذورين لأن هذا كان المتاح، فنحن ليس لدينا أىّ عُذر فى أن نغتال ضحايا تأجيل نقل الأعضاء، لذلك لا بد من التفعيل السريع قبل أن ندخل متاهة اللجاج السلفى البرلمانى، البداية لا بد لوزارة الداخلية أن تضيف فى رخصة القيادة كبداية عاجلة خانة موافق أو رافض لنقل أعضائك بعد الوفاة، ثانياً لا بد لوزارة الصحة من إصدار البروتوكول المنظم لعلامات الموت الدماغى، وليكن مقصوراً على المستشفيات الخاضعة للدولة، التى تُحدّدها وزارة الصحة، بروتوكول ليس لغرض نقل الأعضاء فقط، لكن لحسم مسألة استنزاف أهل المرضى الذين يظلون بالشهور على أجهزة التنفس الصناعى تائهين هم والأطباء قبلهم الذين ليس لديهم البروتوكول ولا القانون!!
، ثالثاً الإعلام لا بد أن يتوقف عن اللغط والبحث عن الإثارة وتنجيم الجهلاء، بحجة أنهم يدافعون عن الموت الشرعى. يا سادة، الجراحون الذين يزرعون فص الكبد الجزئى هم أول الناس الذين يعرفون أنه إجراء ملىء بالمشكلات، وأنه أساساً كان لزرع الكبد للأطفال، وأنهم فى الخارج يفضّلون نقل الكبد من المتوفى إكلينيكياً. يا سادة، جراحو القلب يصرخون: «زرع القلب فى مصر معطل وميت إكلينيكياً»، ليس لضعف مهارات الجراحين، لكن لضعف قرار وارتعاش يد المسئولين، وانسحاقهم أمام السلفيين. يا سادة، تجارة الكلى فى مصر جعلتنا على رأس خريطة النخاسة البشرية بسبب عدم تنفيذ القانون. ارحموا المرضى الذين يدقون الأبواب دون جدوى ودمهم فى رقاب من أفتى بالتحريم ومن ضحى بالمراجع العلمية وغلب عليها الكتب الصفراء، وصاحب القرار الذى معه القانون الذى يحميه، لكنه وضعه فى الثلاجة لأنه يخشى المكفراتية!!.
نقلا عن المصرى اليوم