تشرفتُ بصحبة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى إندونيسيا.. كانت زيارة رئيس أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم إلى أكبر دولة إسلامية فى العالم.. مؤثرة للغاية. كان من بين الحضور نخبة من مجلس حكماء المسلمين.. وصفوة من علماء إندونيسيا.
وعلى الرغم من أننى كتبتُ فعلاً فى كتابى «الجهاد ضدّ الجهاد» عن صراع «الإسلام السياسى» و«الإسلام الحضارى» فى إندونيسيا.. إلا أننى تعلمتُ الكثير مما رأيت وممّن قابلت.. وممّا سمعتُ وقرأتُ.
(1)
إندونيسيا دولة رائعة.. طبيعةٌ خلاّبة وشعبٌ طيب، ويُقدِّر الإندونيسيون، الذين يقارب عددهم ربع المليار نسمة، مصر لأسباب عديدة.. هناك الانبهار بالحضارة الفرعونية المجيدة، وهناك انبهار بتخليد وتكريم القرآن الكريم لمصر بذِكر اسمها خمس مرات، وهناك امتنانٌ كبير لكوْن مصر أول دولة فى العالم تعترف باستقلال إندونيسيا فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر الذى صار صديقًا وحليفًا لبطل الاستقلال الإندونيسى أحمد سوكارنو.
وهناك تقديرٌ خاصٌ.. واستثنائى لكوْن بلادنا تضّم الأزهر الشريف.. إذْ يحظى الأزهر بمكانة لا مثيل لها لدى الشعب الإندونيسى.. ولقد اندهشتُ من ذلك الاستقبال الأسطورى للإمام الأكبر.. ليس فقط من الموكب الرئاسى المهيب، ولا الآلاف من رجال الجيش والشرطة الذين قاموا بتأمين الزيارة.. واصطفُّوا يمينًا ويسارًا لعشرات الكيلومترات.. ولكن أيضًا من تلك الحفاوة الشعبية الكبيرة.. أولئك الأساتذة والطلاب وعموم المواطنين الذين انتظروا ساعات طويلة فى أجواءٍ استوائيةٍ تختلطُ فيها الحرارة الشديدة بالأمطار الغزيرة.. فى انتظار شيخ الأزهر.
(2)
لقد أدهشنى كذلك.. ذلك المستوى الرائع لخريجى الأزهر الشريف فى إندونيسيا.. لغةً وفصاحةً وبيانًا. كان المتحدثون من الرابطة العالمية لخريجى الأزهر- فرع إندونيسيا.. يلقون خطاباتهم بالعربيّة الرصينة.. وكان شعر أحمد شوقى وأدبيّات كبار المفكرين المصريين حاضرةً فى كل خطاب.
كما كانت «خفة الظل المصرية» قائمةً.. نكتةً وقفشةً.. وإفيهًا، مع ابتسامات صادقة، لأناسٍ قالوا إنهم يفْخَرون بأيامهم فى مصر.. ودراستهم فى الأزهر الشريف.
(3)
تمتد إندونيسيا عبْر سبعة عشر ألف جزيرة.. ويمتد الإسلام فى كل الجزر.. ثقافةً ومسجدًا.. كما تتوزع الجامعات الإسلامية الحكومية فى مواقع متعددة.. وهى كلها تعتمد منهج الأزهر الشريف.
وحين زُرنا مع الإمام الأكبر ثلاث جامعات فى ثلاث مدن.. فى العاصمة جاكرتا وفى جاوة الشرقية وجاوة الغربية.. كان التقدير للمدرسة المصرية فى العلوم الإسلامية.. ورسالتها فى الاعتدال والوسطية.. هو عنوان كل الزيارات.. وهو خطاب الاستقبال والوداع فى كل المعاهد والكليات.
وحين ذهبنا مع فضيلته إلى «مسجد الأزهر» فى جاكرتا.. تبارى المتحدثون فى ذكر مناقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت الذى أطلق اسم «المسجد الأزهر» على ذلك المسجد الرائع فى جاكرتا.. وفى ذكر مآثر الأزهر.. شيخًا ومشيخةً وجامعةً فى كل العقود التى ربطت الأرخبيل الإندونيسى بالدولة المصرية.
(4)
إن تلك المكانة الكبرى للأزهر الشريف.. إنما توجب ضرورة إصلاح الأزهر الشريف بما يرتفع بأدائه ومستواه إلى تلك المكانة السامية.
فلا شك أن الأزهر الشريف قد نالَ منه بعض ممّا نالَ كل مؤسسات بلادنا فى السنوات الأخيرة.. وأن كثيرًا من الملاحظات التى يراها منتقِدو الأزهر هى فى محلّها.. بغض النظر عن هجوم البعض محكومًا بالغرضِ والهوى.
وإذا كان من توصيةٍ ختاميةٍ من زيارة الإمام الأكبر التاريخية إلى إندونيسيا.. فهى بذل الجهد ليصبح الأزهر عند حسن الظن به.. وأن يدرك الأزهر أن كل ذلك الحب هو تقديرٌ للتاريخ.. ولجهود الأئمة السابقين ولتراث طبقات العلماء والفقهاء الذين صنعوا هذه المكانة العالمية.. عبر التاريخ.
وإنه لمن الضرورى أن تجرى «مأسسة» الأزهر، وتحديث إدارته.. وتوسيع مساحة الظهور والصدارة لعدد أكبر من أساتذته وشيوخه.. ومن أصحاب الفضلِ فيه.
(5)
إن الرسالة العظيمة التى يمكن أن يؤديها الإمام الجليل الدكتور أحمد الطيب هى أن يحافظ الأزهر على مكانته عند من يضعونه فى هذه المكانة.. وأن يصل الأزهر إلى مكانته عند من لا يُنْزِلُونَه هذه المنزِلة.
إن خريطة طريق الأزهر هى أن يكون الأزهر الشريف عالميًّا فى وطنه.. وحاضرًا فى كل الأوطان.
فى قولةٍ واحدةٍ: إن عالمية الأزهر هى أن يكون محليًّا فى كل الدول الإسلامية.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع