تحدثنا فى المقالة السابقة عن الآلام والتجارِب التى تمر بحياة الإنسان، التى تصبح طريقـًا نحو بركات كثيرة وسعادة لا يُدركها كثيرون، فمن خلالها يُدرك الإنسان قوة الله المساندة إياه فيتحرر من الخوف، ومن المفاهيم الضيقة والمغلوطة التى تقيد فكرة، ومن الاعتماد على البشر. والحياة هى رحلة نعبرها كجسر بين السماء والأرض؛ وفيها يتعرض جميع المسافرين للألم، وإن كان بدرجات متفاوتة، فإن كل إنسان له آلامه سواء كانت واضحة أو مختفية عن البشر.
حتى من يُظهِرون أنفسهم فى حالة من البُرود وكأنهم لا يشعرون، فقد يكونون معانين أقسى أنواع الألم. ول?كن يبرُز السؤال: كيف يعامِل كل إنسان آلامه؟ وهنا يكمن السر: فطريقة معاملتك لما تتعرض له من ألم هو إما أن يرسُم لك آثارًا فى طريق الحياة، وإما أن ينحيك جانبـًا.
أن هناك من يتمرد ويرفُض ويكتئب ويبعُد، وهناك من يستثمر الآلام لنجاحه. يقول الشاعر الروائى "طاغور": "الدرس الذى على الإنسان تعلمه: ليس أن الألم موجود فى ه?ذا العالم، بل أنه يتعلق بنا أن نستخلص فائدة منه، وأنه بإمكاننا تحويله إلى فرح.".
ويؤكد تلك الفكرة الكاتب الروائى الإنجليزى "تشارلز ديكنز": "الألم هو أقوى الدُّروس"؛ وهذا ما يرسُم الفارق العظيم بين البشر، ويصنع العظماء الذين يتحدَّون آلامهم. فى البداية، ثِق أنك تستطيع عُبور الألم وتحويله إلى إنجاز عظيم. يقول الأديب الشاعر الروائى الفرنسى "?يكتور هوجو": "الألم ثَمَرَة. والله لا يضع ثمارًا على غصن ضعيف لا يقدِر على حَملها.
"؛ لذ?لك ثق أنه مع الألم الذى يسمح به الله لك فى الحياة، هناك تعزيز لقدراتك من قِبله ومساندة من أجل تحويل ه?ذا الألم إلى نجاح وإنجاز. وه?كذا يكون الألم فى حياتك طريقـًا نحو النمُو والنضج، ليصنع منك علامة فارقة فى التاريخ الإنسانى والحياة. يقول الأديب الكبير "توفيق الحكيم": لا شىء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم". وفى الحياة نماذج كثيرة جدًّا لعظماء تخطَّوا الألم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: "هيلين كيلر"، "لويس برايل"، "بيتهو?ن"، ومن "مِصر" عميد الأدب العربى "ط?ه حُسين"؛ حمل كل منهم فى رحلة الحياة ألمـًا تخطاه إلى نجاحات وإنجازات تُعد ومضات أمل فى ذاكرة التاريخ. "فرانكلين دلانو روز?لت" إنه أحد الذين حولوا الألم إلى طاقة عمل فى الحياة؛ فقد عانى فى بداية حياته مرض شلل الأطفال. وفى عام 1921م، أصيب بالشلل لينزوى ثلاث سنوات، ويعود بعدها إلى الحياة السياسية فيصبح عمدة "نيويورك" مدة أربع سنوات 1928-1932م، ثم رئيسـًا "للولايات المتحدة الأمريكية" فى سنوات مرت بها هى أدقها وأصعبها حيث ساد الكساد الاقتصادى؛ لينتشل البلاد من تلك الهُوَّة العميقة، ويقودها هو جالس على كرسى متحرك ثلاث مُدد رئاسية متتالية، ليموت مع بداية المُدة الرابعة، وذكراه محفورة فى ذاكرة شعبه والعالم كأعظم رئيس مر على البلاد. عزيزى القارئ: لا تخشَ الألم، أنه يصنع الرجال، وتذكّر: "لكى تحصل على سعادة عظيمة، عليك أن تصارع ألمـًا عظيمـًا، لأنك لن تشعر بالسعادة يومـًا أن لم تختبر الألم".
وبعبارة أدق: فى الألم ترى عظم هبات الله لك.
نقلا عن اليوم السابع