الأقباط متحدون - هل الحل في حكومة التكنوقراط؟
أخر تحديث ١٥:٠٦ | السبت ٢٧ فبراير ٢٠١٦ | ١٩ أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٥١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

هل الحل في حكومة التكنوقراط؟

د.عبدالخالق حسين
منذ سقوط حكم البعث الصدامي الجائر عام 2003، صار العراق حقلاً للتجارب السياسية على أمل إيجاد أفضل نظام حكم، وعلى أن يكون وفق المقاييس الديمقراطية، وبدون عزل وتهميش أي مكوَّن، ابتداءً بمجلس الحكم الانتقالي الذي شكله بول بريمر، والذي تناوب على رئاسته أعضاء المجلس حسب الحروف الأبجدية لأسمائهم، كل لمدة شهر واحد، ثم الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور أياد علاوي لكتابة الدستور والاستفتاء عليه، ثم حكومات منتخبة تشكلها الكتلة البرلمانية ذات الغالبية المطلقة على أن تضم ممثلين عن جميع الكتل السياسية الكبرى ومكونات الشعب العراقي، يعني (حكومة الشراكة الوطنية) والتي أطلق عليها (حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية).

ولكن خلال 13 عاماً الماضية فشلت هذه الحكومات في تحقيق طموحات الشعب العراقي بتلبية احتياجاته الضرورية في توفير الأمن والخدمات بسبب الصراع بين الكتل السياسية المتنافسة، والإرهاب، وتفشى الفساد الإداري والمالي، الأمر الذي وضع العراق في مقدمة الدول الفاشلة، وطاقاته البشرية والمادية مبددة في محاربة الإرهاب المدعوم من الخارج والداخل.

وإزاء هذه الأزمات واحتدام السجال لإيجاد حل لهذه المشاكل المتفاقمة، اقترح رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في كلمته أمام البرلمان (منحه تفويضاً عاماً لتشكيل حكومة المهنية والاختصاص بعيداً عن الفئوية والحزبية)، كما و دعا الكتل النيابية الى (التنازل عن استحقاقها الانتخابي وحكومة النقاط من اجل المصلحة العليا للبلد). و لم يتبين بعد فيما اذا منحه البرلمان تفويضاً عاماً ام رفض هذا الطلب(1).

كثير من الزملاء الكتاب وعامة الشعب يرون أن الأحزاب السياسية المهيمنة على السلطة، وقلة خبرة ممثليها في الحكومة، هي الأسباب الرئيسية في فشل الحكومة، لذلك يعتقدون أن الحل يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط، بعيدة عن الحزبية والمحاصصة، ودعوة الأحزاب للتخلي عن الاستحقاق الانتخابي.

فما هو مفهوم حكومة التكنوقراط؟
التقنوقراط هم النخب المثقفة الأكثر علما وتخصصا في مجال المهام المنوطه بهم، وهم عادة مستقلون. وبذلك يكون معنى تقنوقراط حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة والإدارة، وغيرها، وغالبا تكون غير حزبية فهي لا تهتم كثيرا بالفكر الحزبي والحوار السياسي. وقد كتبت عن هذا الموضوع قبل سنوات مقالاً بعنوان: (حول مفهوم حكومة التكنوقراط)(2)

والسؤال هنا: هل تستطيع حكومة التكنوقراط تقديم الحل السحري لمشاكل العراق المتفاقمة وبدون أن يكون لها دعم من الأحزاب والبرلمان وحيتان الفساد والتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية؟ وهل حقاً جميع الأحزاب السياسية والوزراء والنواب فاسدون؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا فازت هذه الأحزاب في جميع الانتخابات السابقة؟ وفي هذه الحالة فهذا يعني أن جميع الناخبين أو الشعب فاسدون أيضاً، وهذا ما لا يقبله العقل والعرف.

ومن الحلول المطروحة، هو حل الحكومة والبرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة أملاً في أن تؤدي إلى فوز مرشحين مستقلين من خارج هذه الأحزاب "الفاسدة"، وبالتالي تشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الحزبية والمحاصصة. ولكن التجارب السابقة تؤكد أن هذا المقترح سوف لا يلبي المؤمل والمرتجى منه، وهو غير ممكن وغير صحيح، إذ لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية حتى ولو كانت هذه الأحزاب متخندقة طائفياً وقومياً. كذلك لا ننسى أن هؤلاء النواب يمثلون تنظيمات سياسية وبالتالي مكونات الشعب، وفازوا عن طريق الانتخابات التي شهد بنزاهتها مراقبون دوليون. وليس صحيحاً الطعن بالبرلمان المنتخب وحرق الأخضر بسعر اليابس والمطالبة بحله لأن هناك ناس غير راضين عن أدائه، فصناديق الاقتراع هي التي يجب الركون إليها. ولا يعني هذا أن البرلمان العراق بلا نواقص وبلغ سن الرشد، فلا بد من انقسامات وصراعات بين الكتل السياسية وحسب مصالح مكوناتها وهذه حالة ملازمة للديمقراطية وشروطها في كل مكان و زمان. كذلك هناك أكثر من خمسين نائباً لم يحضروا أية جلسة برلمانية، ويستلمون رواتبهم ومخصصات حماياتهم الخيالية، فالمطلوب في هذه الحالة طرد هؤلاء المقصرين وفضحهم أمام الشعب، وليس توجيه عقوبة جماعية بحل البرلمان كما يطالب البعض.

فحكومة التكنوقراط إذا ما أريد لها النجاح يجب أن تحظى بقبول البرلمان ودعمه وإلا فإنها تعني الانقلاب على الديمقراطية، وهذا لا يتم إلا في حالة الانقلابات العسكرية التي ولّى عهدها . كما ويعتقد آخرون أن التكنوقراط المستقلين هم ملائكة منزهون عن الخطأ والطمع والجشع. ولكن الواقع يفند ذلك. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فالمهندس أيهم السامرائي، وزير الكهرباء في حكومة أياد علاوي سرق نحو 300 مليون دولار وهرب، وكذلك حازم الشعلان، وزير الدفاع في نفس الحكومة سرق نحو 800 مليون دولار وهرب، وكلاهما مستقلان.

والمشكلة الأخرى هي: من هي الجهة المخولة باختيار هؤلاء التكنوقراط؟ في هذه الحالة رئيس الوزراء، ولكن لا بد وأن يعتمد على آخرين لمساعدته في اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب. وما هي المعايير التي يمكن اعتمادها لمعرفة مؤهلاتهم وكفاءاتهم وإخلاصهم للوطن، وقدراتهم الإدارية لإدارة وزاراتهم. وفي هذا الخصوص، يقال أن الرئيس جمال عبدالناصر أراد تعيين الأخصائي في الأمراض العقلية والعالم المصري المعروف الدكتور مصطفى محمود وزيراً للثقافة، نظراً لكافأته العلمية والطبية ومكانته الأكاديمية و الاجتماعية، فاعتذر الرجل قائلاً بأنه فاشل حتى في إدارة شؤون عائلته، إذ تزوج وطلق أربع مرات، فكيف له أن ينجح في إدارة وزارة كبيرة ذات مسؤولية سياسية واسعة ومعقدة.

كذلك أفادت الأنباء أن السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري (حزب الأحرار)، شكل لجنة مهمتها اختيار التكنوقراط ووضع شروطاً لاختيارهم، ولكن الغريب أن العديد من هذه اللحنة لهم علاقة بالتيار الصدري، كما جاء في مقال لسيد علاء اللامي عن هذه اللجنة وعلامات الاستفهام على العديد من أعضائها، وإليكم رابط المقال في الهامش(3). لذلك فهذه الحكومة التكنوقراطية "المستقلة" إذا قدر لها أن تولد من لجنة الصدر و وفق شروطه، فهي ليست مستقلة.

فالوزارة هي منصب سياسي وليست شركة ذات مسؤولية محدودة ليديرها تكنوقراط مستقل، ورغم أنه من المفيد أن يكون الوزير ذا إطلاع ومعرفة بشؤون وزارته، إلا إن هذا الوزير هو مسؤول بالدرجة الأولى لتنفيذ سياسة حزبه، التي أعلنها في بيانه الانتخابي، وعلى ضوئه انتخبه الشعب، وهو محاسب أمام حزبه والبرلمان، لذلك فنجاح الوزير لا يعتمد على شهادته الجامعية واختصاصه، بل على إخلاصه واختياره السليم لمستشاريه ومساعديه الأكفاء من أصحاب الاختصاص في شؤون وزارته، وكذلك على كفاءته الإدارية. فنادراً ما نجد في الحكومات الديمقراطية الغربية عسكري يتبوأ منصب وزارة الدفاع، أو طبيباً يصبح وزيراً للصحة أو مديراً لمستشفى. فإدارة المستشفيات عادة يقوم بها إداريون أكفاء من غير الأطباء، والأطباء يتفرغون لمعالجة المرضى وليس للإدارة. ولكن في العراق والعالم الثالث يعتقد الناس أن الطبيب الذي صار مديراً للمستشفى أو رئيسا للصحة هو أفهم من زملائه الآخرين، وهذا خطأ.

إن المشكلة العراقية ليست في نقص الخبرة لدى الوزراء المقصرين في واجباتهم، بل في نقص الاخلاص الوطني، وغياب الضمير المهني، وعدم الالتزام بالقوانين، والصراع والمنافسة الشرسة بين الكتل السياسية المشاركة في السلطة، فبعضها شاركت أصلاً من أجل شل عمل الحكومة، فلها رِجِل في السلطة وأخرى مع الإرهاب.
 
كذلك أود التأكيد أني لا أقصد بأن ليس في العراق تكنوقراط أكفاء ومخلصين، وما أكثرهم، بل ستلعب الوساطات والأحزاب السياسية في اختيارهم، و خاصة لكونهم مستقلين وغير متمرسين بدهاليز السياسة وأحابيلها، لذلك سيكونون أضعف الحلقات لأنهم غير مدعمين من قبل التنظيمات السياسية. لذلك فإذا ما تم تشكيل حكومة التكنوقراط بعيداً عن حيتان الفساد ونفوذ الأحزاب، فشهر العسل لن يدوم طويلاً، إذ سرعان ما تبدأ حملات التسقيط والتشهير ضدهم، كما هو الآن، وهم لا حول لهم ولا قوة في الدفاع عن أنفسهم. فحملات التشهير والتسقيط ليست لمحاربة الفساد، بل لإسقاط العملية السياسية، وآخرون ركبوا الموجة.
إن فكرة تشكيل حكومة التكنوقراط المستقلين فكرة جميلة جداً من الناحية النظرية، ولكن عيبها أنها غير عملية، وهي أشبه بالحكاية الرمزية عن القط الذي كان يفترس الفئران، فاقترح فأر بربط جرس على رقبة القط، فيسمعون دقات الجرس عند قدومه فتهرب الفئران. ولكن المشكلة من يشد الجرس؟

ولهذه الأسباب مجتمعة، أرى أن الحل ليس في تشكيل حكومة التنوقراط المستقلين، بل تشكيل حكومة الأغلبية البرلمانية من الكتل المتقاربة والمنسجمة في مواقفها السياسية على أن تختار كل كتلة الأفضل من عندها من التكنوقراط للوزارة التي صارت من حصتها، ولا بأس من شمولها بعدد من التكنوقراط المستقلين من ذوي الخبرة والسمعة الحسنة. فالعراق هو البلد الوحيد في العالم الذي فرض عليه من خارج حدوده أن تضم حكومته عناصر معادية للعملية السياسية باسم (حكومة شاملة). وفي حالة تشكيل حكومة الأغلبية البرلمانية يجب على الكتل غير المشاركة في السلطة أن تشكل المعارضة الديمقراطية أي (حكومة الظل) تحت قبة البرلمان وليس في صفوف الإرهاب، إذ لا ديمقراطية بدون معارضة ديمقراطية تراقب الحكومة وتحاسبها على أعمالها.  
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالحليم الرهيمي: ما بعد سجالات التغيير الجوهري
http://www.akhbaar.org/home/2016/2/207545.html

2- عبدالخالق حسين: حول مفهوم حكومة التكنوقراط
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=672

3- علاء اللامي: لجنة الصدر ومجموعة المستشارين: طبيب يداوي الناس؟!
http://almothaqaf.com/index.php/araa2016/903305.html


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter