محمد حسين يونس
في الديموقراطيات الحديثة .. يتم الحفاظ علي حقوق الشعوب في مواجهه تغول السلطة التنفيذية .. عن طريق ثلاث عوامل فاعلة يحترم وجودها الجميع .. ولها حصانة عدم المساس بها أو إيذاء من يزاول أنشطتها .
العامل الاول الشفافية .
التي يضمنها القانون .. ويؤكد علي الاحقية المطلقة لكل مواطن في (تيسير) حصوله علي المعلومات من الجهات الرسمية حتي في ما يخص أنشطة الامن القومي( التي تتاح عنها المعلومات وتفاصيلها بعد عدد محدود من السنين) .. كل شيء يتم في النور .. و لا توجد الغاز أوعوائق توضع أمام المواطن تمنعه من فهم ما يحدث حوله ، ليصبح قراره عندما يختار مبنيا علي أسس منطقية و مادية صلبة.
العامل الثاني هو أجهزة الاعلام.
التي تمتلك حرية النقد والكشف .. الذى قد يؤدى إلي طرد رئيسا للجمهورية مثل نيكسون لانه إرتكب مخالفة جسيمة تتصل بالتجسس علي المنافسين .. أو كشف كيف كان كلينتون لعوبا وخائنا لزوجته مع شابة متدربة .. الاعلام لا سلطة عليه حتي لو تجاوز ولا يوجد من يجمع التوقيعات لايقاف برنامج تلفزيوني ما ،أومن يرفع قضية حسبة لسجن شاب لانه كتب مشهدا في مجلة لم يرض عنه الفقهاء ، أو محاربة مفكر خاض في سراديب التاريخ و خرج بما يصدم مؤسسات الدعاية و غسيل العقول و الافئدة .
العامل الثالث هو مؤسسات المجتمع المدني.
النقابات المهنية و العمالية، الجمعيات الخيرية ، الاتحادات التعاونية ،مراكز التأهيل للمعوقين أو خريجي السجون ، مكاتب المحاماة و الدفاع عن حقوق الانسان غير الهادفة للربح ، مراكز الدراسات، الاندية والمستشفيات المجانية ،الملاجيء للايتام و العجزة و بيوت الرعاية للمسنين وكلها لا يحتاج تواجدها إلا لمجرد الاخطار بالبريد لجهه حكومية واحدة لا علاقة لها بالامن .
مؤسسات المجتمع المدني قادرة علي تضميد جراح المجتمع و تحقيق إتزانه المفقود من خلال الصراع اليومي.. وتقديم العون للمظلومين و المنتهكين بواسطة القوى المسيطرة إقتصاديا أو الاجهزة الحكومية الغاشمة التي من طبعها أن تسحق بشراسة من يقف عثرة في سبيل تحقيق أهدافها .
المؤسسات التي تخدم تحقيق الأهداف الثلاثة السابقة بالاضافة الي اليات تداول الحكم بين الاحزاب المؤيدة و المعارضة .. وتنوع توجهات البرلمانات القادرة علي إسقاط الحكومة و مساءلة الرسميين .. هي حوائط الصد ضد تغلغل الفساد .. وتوحش السوق و غش التجار ..و الارهاب .. و إستغلال النفوذ و التربح .. و الالتصاق بالكراسي لعشرات السنين دون تغيير .
مركز (النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف) ،منظمة مصرية غير حكومية، لعلاج و مساندة الضحايا ، يعتبر واحدا من هذة المؤسسات الكاشفة لتغول و جور السلطات ضد الشعب .. و هو دور حديث علي مجتمعاتنا المصابة منذ الازل بداء الاستسلام لقهر السلطويين..و الهرب أو البكاء .
و المركز حدد أهدافه بأنه مؤسسة ((مناهضة لكافة أشكال العنف والتعذيب والعنف المنظم، بغض النظر عن جنس أو جنسية أو عمر الضحية، وأيا من كان الجاني، وسواء كان العنف جماعيا أو فرديا، جسديا أو نفسيا أو جنسيا))
وقد عاصر وأدار نشاطه خلال الحكم المباركي منذ أغسطس 1993 .. وتواجد بقوة أثناء تخلخل الدولة خلال الهوجة التي دامت لخمس سنوات و كان الصوت العالي لكشف التجاوزات و الصدر الطيب لعلاج و (( مسانده ضحايا العنف والتعذيب بكافة السبل الممكنة، وفقا لاحتياجاتهم وإحتياجات أسرهم))... حتي لو كانوا من بلاد أخرى غير مصرية فهو اليد الممتدة دائما بالعون والمشاركة في تضميد جراح المكسورين كجزء فعال في نشاط إنساني عالمي لدعم ضحايا العنف.
اليوم .. يتخذ( مجلس وزراء ) النظام إسلوبا ظاهرة تطبيق القانون وحقيقته مزاولة القهر .. ليوقف نشاط مؤسسة كنا نراها .. بقعة منيرة في سواد الصورة.
و رغم كل ما قيل من تبريرات و روايات لا يوجد من يعرف الحقيقة ... هل تم تشميعه لان المركز قام ((بالتعاون مع كل المهتمين بظاهرة التعذيب المنهجي، من صحفيين ودارسين، وباحثين، داخل مصر وخارجها، و مع منظمات حقوق الإنسان المعنية بنفس القضية، محليا وعربيا ودوليا))
أم لمساندته للضحايا من المصريين و الاجانب ((والتعبئة من أجل وقف ظاهرة التعذيب المنهجي والعنف المؤسسي، ومقاومة الأسباب التي تساعد علي استشراء العنف والتعذيب ومساندة المدافعين عن حقوق الإنسان ومناهضة كافة أشكال انتهاكاتها.)) خصوصا بعد أن إنتشرت الاخبار خارج المحروسة عن أعمال عنف تمت بواسطة عدد من رجال الامن و الشرطة و تم إدانتها حتي في ملاعب الكرة الايطالية .
للاسف .. نحن لا نزاول حياة عصرية ولكننا نقوم بدور تمثيلي علي مسرح الوطن أمام الاخرون ندعي فيه بأننا مواطنون في دولة حديثة .. و نحن نضمر سيطرة إعتادنا عليها منذ زمن مماليك السلاطين العثمانية و قهرهم و سجونه و تعذيبهم للمخالفين .
غموض إغلاق (النديم ) ..وعدم شفافية إتخاذ القرار في تناول قضايا الامة و سجن المفكرين و المبدعين .. و وقف برامج المعارضين التلفزيونية .. تنبيء .. بإستمرار ليل طويل .. لا نعرف نهايته كنا قد تخيلنا للحظات أننا قد .إقتربنا من فجره .