الأقباط متحدون - هيكل.. في مديح الأستاذ
أخر تحديث ٠٤:٥٩ | الثلاثاء ٢٣ فبراير ٢٠١٦ | ١٥أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٤٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

هيكل.. في مديح الأستاذ

أحمد المسلمانى
أحمد المسلمانى

 أنهيتُ وَقَفَاتى الخمس عشرة مع «الأستاذ».. بوقْفةٍ ودعاء.. وقد وجدتُ سطورًا مما كتبتُ في «المصرى اليوم» وقد نقلتْها مواقع وصفحات.. تشيرُ إلى ما كانَ من نقدٍ، وما صَارَ من دُعاء.

 
( 1 )
 
لقد أحزننى– كما أحزن الملايين غيرى- رحيلُ «الأستاذ».. وغروبُ صوتِه وصورتِه. وإنّه ممّا يضاعف الأسَى أن يجىء الرحيلُ وسط هبوطٍ غير مسبوقٍ للقوةِ الناعمةِ المصرية.. والنزول من «زمن الكبار».. إلى «سطْوة الصغار».. بعد انكسار «الفكر» في مواجهة «الشهرة».. و«سيادة الإفّيه» على «سلطة العقل».
 
( 2 )
 
مازلتُ أحتفظُ– بالطّبع– بكل مواقفى تجاه تجربة «الأستاذ».. ذلك أن المعاركَ الفكرية لا تتوقّف بتوقّف الحياة.. وإنما تمضى إلى أجيالٍ وأجيال.. وإلى مدارسَ ومراكز.. وقاعاتٍ ومكتبات. وقد كان «الأستاذ» مهّمًا إلى القدرِ الذي لا ينطفئ وَهَجُه بمجرد إغلاق المصباح.. ولا ينتهى أثره بالانتقال إلى «دار العودة».. من «دار الحياة».
 
( 3 )
 
إننى واحدٌ ممن تعلّموا في مدرسة «الأستاذ».. لغةً وأسلوبًا وطريقةَ حياة.. ولقد كنتُ– مثل كثيرين– مأخوذًا بالمستوى الأسطورى لما يكتُب، وما يتحدّث.. ومذهولاً من قدرته على البقاء في القمة طوال الوقت.. والصعود بالكتابة السياسية إلى مستوى أن يكون للكاتب دور ومكانة.. تتجاوز الإقليم إلى العالم.
 
لقد أعطانا الأستاذ هيكل درسًا مثيرًا.. كيف يمكنُ للكاتبِ أن يرفضَ المناصب العليا.. ثم يضعَ نفسه بمقالاته وكتبه.. فوق تقلبّات المناصب.. ودوران المقاعد.. ونشوة اليمين الدستورية.
 
كما أعطى المثقفين نموذجًا مُلهمًا.. كيف يمكن ألا يحوزَ المرءُ شهاداتٍ عُليا.. أو ما بعد عُليا.. ثم يكون هو نفسه– بما يعلَم ويعرِف– موضوعًا للدراسات العليا.. ومادةً تَضَعُ كاتبَها في قوائم الأكثر مبيعًا!
 
ولقد أعطى «الأستاذ» الطامحين.. خريطةَ طريق.. كيف يمكن للمرء أن يأتى من قرية بسيطة ليعيش حياةً أبسط.. ثم يمضى من ذلك «الحد الأدنى» إلى «الحد الأقصى».. مطوِّرًا السِّمات الشخصية ورافعًا جودة الحياة.
 
ثم إن «الأستاذ» أعطى كل الجادّين نهجًا منضبطًا.. في الأمل والعمل: رياضةً وقراءةً، كتابةً وحديثًا، استقبالاً وحوارًا.. ليصبح «اليوم الواحد» أشبه بحقبةٍ زمنيّةٍ كاملة.. تتوالى فصولها قبل الشروق، ولا تنتهى بعد الغروب.
 
( 4 )
 
لقد تشرفتُ بلقاء «الأستاذ».. ونحن طلاب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. ثم تشرفتُ بلقائه مراتٍ عديدة بعد ذلك.. وأحتفظ في ألبومى بالعديد من الصور.. نشرتُ إحداها في كتابى «ما بعد إسرائيل». ولقد حظِى لقائى معه في حفل إفطار «المصرى اليوم» قبل سنوات بجدلٍ وسجال.. لكن جانبًا كبيرًا من غيومٍ أحاطت بما كان.. قد تبدّد حين التقيتُه في النادى الدبلوماسى.. وكنّا ضيوفًا على الدكتور كمال الجنزورى ودار الشروق.
 
( 5 )
 
إننى حين أتأمل تجربتى المتواضعة للغاية.. أجدُنى مدينًا بالكثير.. والكثير جدًا.. للكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل.. فلقد كانت قراءاتى للأستاذ.. شأنها شأن دراستى في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. أو عملى بالأهرام.. أو قربى من الدكتور أحمد زويل والفريق الشاذلى.. أو تشرُفى بالعمل مع الرئيس عدلى منصور.. كلها ركائز في تعليمى وتكوينى.. لا أرانى بدونها.
 
لقد تعلمنا من «الأستاذ».. كيف نقرأ ونكتب.. وكيف نحلل ونشرح.. كيف يكون بناء المقال.. وكيف تكون صناعة الكتاب. تعلمنا من «الأستاذ».. كيف نتحدث.. وكيف نقابل ونتذكر.. ثم كيف نروى ونسرد.
 
( 6 )
 
واليوم.. إذْ تفقِد بلادُنا وأجيالُنا الصحفى الأول في العالم.. كما وصفه الدكتور جمال حمدان.. فإنّا نلتمِس من بعد الصوتِ الصدى، ومن بعد الصورةِ الظلال.. ومن بعد الحزن الدعاء.
 
رحم الله «الأستاذ».
 
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع