بقلم: د.ماجد عزت إسرائيل
الأم هى الأنسانة الحنونة التي لا يمكن الإستغناء عنها، لأنها مصدر الحنان وتمتلك مفاتيح وسبل كثير لتقود أسرتها إلى بر الأمان، ولذلك هذا يجعلنا لا نستغني عنها ولو حتى لحظة واحدة، ولذلك بعد رحيلها تظل في القلوب وأفكارها وحكاياتها ووجودها وهالتها فى وجدان و خيال كل كيان الأسرة، فكانت أمي الحبيبة الطيبة شمعة تذوب لتنير دروب الآخرين،كما أن عطائها وتضحياتها على مدى الدهر يظل كدروس من الحياة لأبنائها وأحفادها، واليوم ونحن نتذكر رحيلها يعز علينا رحيل عظماء من أبناء الوطن وهما الدكتور" بطرس بطرس غالى"(1922-2016م) الأمين العام للأمم المتحدة، الذى رحل عن عالمنا فى 16 فبراير2016م،وأيضًا رحيل الكاتب الصحفى " محمد حسنين هيكل"(1923 -2016م) فى17 فبراير 2016م،ومنذ أيام قليلة رحل أيضًا أبن خالتى عاطف عبد الشهيد، وفى ذات الشهر ذكرى رحيل أخى الأكبر جمال عزت الذى رحل عن عالمنا الفانى فى 10 فبراير1991م،وهذا ما جعلنى أن أطلق على شهر فبراير بـ " شهر الأحزان أو الرحيل " مع العلم أن فى بداية ذات الشهر نحتفل بعيد "الحب" ولذلك إذا جاز لنا التعبير أن نطلق عليه شهر"الحب والأحزان".
كانت أمى الحبيبة الطيبة دائما تتذكر وتكرار ما ورد بالكتاب المقدس "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة "(أر10:48)،وكان لسان حالها يقول ما قاله المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث (1971-2012م) البطريرك رقم (117) قائلاً:"أعمل بكل حماس، وأستخدم الإمكانيات التي عندك مهما كانت قليلة،وتذكر أن الله إشتغل بإمكانيات بشرية كانت قليلة أيضا "إختار جهال العالم، وضعفاء العالم، والمزدرى وغير الموجود" (1كو 1: 27، 28) وإستطاع بها أن يخزى الحكماء والأقوياء، إعمل إذن، والله سيعمل فيك ومعك،أن حصاة داود التي هزمت سيف ورمح جليات، تذكرنا بأولئك الصيادين الذين وقفوا ضد فلاسفة العالم،وقادة الرومان، وشيوخ اليهود،وكل الكتبة دارسى الناموس، المهم أن تعمل، وتستخدم كل إمكانياتك مهما بدت أمامك ضعيفة. وثق أن الله يعمل بها"،كانت أمى دائما النوم فى العاشرة مساءً حتى تستطيع أن تستيقظ فى الخامسة صباحاً ، وتبدأ يومها بنظافة المنزل وأمامه والحديقة بسرعة،وبعدها تقوم بإعداد الأفطار لأودها وتبعث فيهم الحيوية والنشاط قبل الذهاب للمدرسة أو العمل.
كانت أمى الحبيبة الطيبة بعد نهاية يومناً الدراسى أو من يعمل من الأخوة ،تقوم بمتابعة كل أفراد الأسرة وخاصة بعد رحيل والدى فى أوائل السبعينات من القرن المنصرم،وكانت تبعث الجدية والنشاط من جديد لعمل الواجبات المدرسية أو الخدمة بالكنيسة، وكانت ترى أن الجدية لازمة فى كل عمل يعمله الأنسان حتى فى أمور الحياة العادية، والجدية فى العمل أو المذاكرة تؤدى الى أتقانه والنجاح فيه.بل تؤدى الى النمو والتقدم حتى يصل الأنسان الى ما يمكنه من درجات الكمال،كما قال الرب" كونوا أنتم كاملين كما أنّ أباكم الذّي في السماوات هو كامل" (5:48).
كانت أمى الحبية الطيبة تحثنا على عدم تأجيل عمل الواجبات اليومية للغد،ودائما تردد هذا المثل قائله:" الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك"،وكانت تذكرنا أيضًا أن الإنسان الجاد يكون مثل الأبن الضال يجب إلا يؤجل توبته للغد،اما إذا أجلها فيصبح مثل الوالى "فيلكس " والملك "أغريباس" فقد ضاعت فرصتهم فى التوبة نتيجة التأجيل والحجج.
كانت أمى الحبيبة قدوة لنا دائما جمعياً فى الألتزام والجدية والنظام وتنظيم وقتها، فكانت تذهب أسبوعياً للكنيسة مبكراً،وأحيانا تفتح الكنيسة بنفسها قبل وجود الأب الكاهن، وتحب أن تجلس فى الأمام حتى يكون تركيزها الأول والأخير فى الصلاة،وعقب انتهاء الصلاة تذهب إلى المقابر لمدة نصف ساعة تقريبا، لتزور أبى وأمى وجدتى بعد رحيلهم،وأيضًا زيارة مدفن المتنيح قداسة الأنبا أثناسيوس (1923-2000م) مطران بنى سويف بعد رحيله، وعند وداعهم تذكر هذه الكلمات قائله""سيأتى يوماً سنكون معاً فى هذه المقبرة".
كانت أمى الحبيبة الطيبة تحرص على تأدية الواجبات الاجتماعية بمشاركة الجيران من المسلمين والأقباط فى أفراحهم وأحزانهم حسب تعاليم الكتاب المقدس"فرحنا مع الفرحين وبكاء مع الباكين" (رو15:12)، بما لا يتعارض مع ظروف أسراتها، فكانت دائما زيارة المرضى والمسنين وخدمتهم بقدر المستطاع، وكانت تبعث الجدية والنشاط فى نفسها وتقول أن حاربكم العدو بأفكار كهذه ضد الجدية قولوا "أننا لانجهل أفكاره"(كو2:11) ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة!