بقلم : سليمان شفيق
من قبل كتبت مقالا ناعيا د مكرم مهني في هذا المكان، والآن اكتب عن د بطرس غالي:
دفن فقيدنا بالكنيسة البطرسية بجوار جدة بطرس غالي الكبير، تلك الكنيسة التي قامت الأسرة ببنائها فوق ضريح بطرس غالي 1911، ـ الذي قتلة إبراهيم الورداني 1910 بسبب أحداث دنشواي ـ الغريب أن بطرس غالي باشا كان قد تقدم بشكوى ضد البطريرك كيرلس الخامس للملك وللانجليز وتسبب في نفيه إلي دير البراموس 1890وحتي 1891، حينما كان رئيسا للمجلس الملي العام، ولكن البطريرك صالحة وفك "الحرمان الكنسي" عنة 1892.
من هنا ندرك تاريخ الأسرة التي نشم منها عطر الوطن والكنيسة، ورغم أن فقيدنا متزوج من السيدة اليهودية ليا نادلر ومشارك في اتفاقيات كامب ديفيد ، إلا أنه صاحب مواقف وطنية وقومية مشرفة حينما طالب بلجنة تحقيق في مذبحة قانا، ولم يمدد له سوى مرة واحدة على عكس المعتاد في هذا المنصب، ورأى الكثير من الدبلوماسيين ومنهم غالي نفسه أن سبب عدم التمديد له هو إصرار على إصدار تقرير الأم المتحدة يدين إسرائيل بارتكاب مجزرة قانا عندما قصفت مخيما للاجئين في جنوب لبنان في أبريل عام 1996، وقتلت 106 من المدنيين ، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو لمنع إصدار قرار يدين إسرائيل، ثم رفضت استمرار غالي في منصبه ليستبدل بإفريقي آخر هو كوفي عناني.
بطرس بطرس غالي، ، الذي رحل عن عالمنا الثلاثاء هو سليل عائلة مصرية قبطية عريقة خدمت خمسة ملوك وخمسة رؤساء علي مدي عمر الدولة المصرية الحديثة ..
البداية كانت عند نيروز غالي، جده الأكبر الذي تولى منصب ناظر الدائرة السنية لشقيق الخديوي إسماعيل في الصعيد، أما ابنه بطرس نيروز غالي والذي يلقب ب "بطرس غالي الكبير" ، فقد تولى منصب رئيس وزراء مصر في الفترة من 12 نوفمبر 1908 إلى 1910، ويعد أول رئيس وزراء مصري"قبطي" يتولى المنصب،حيث أن نوبار باشا الأرميني كان رئيس الوزراء الأول في عهد الخديوي إسماعيل، ولكن بطرس غالي الكبير اغتاله إبراهيم ناصف الورداني في 20 فبراير 1910.
محكمة دنشواي تكتب صفحات من الدم:
كان بطرس غالي الكبير قد ترأس محكمة حادثة دنشواي الشهيرة باعتباره قائما بأعمال نظارة الحقانية في 23 نوفمبر 1906 وقضت المحكمة بالإعدام شنقا لأربعة من الأهالي، وبالأشغال الشاقة مددا مختلفة لعدد آخر، وبالجلد خمسين جلدة على آخرين، وتم تنفيذ الأحكام بعد محاكمة استمرت ثلاثة أيام فقط وأمام الأهالي.. الأمر الذي دفع الورداني لاغتياله واحدث الأمر فتنة طائفية أدت إلي المؤتمرين الشهيرين القبطي والإسلامي 1911، لكن الذين تصدوا لهذه الفتنة قادة أقباط ووطنين عظام مثل مرقص حنا وسينوت حنا وابن القتيل واصف غالي،وصار ثلاثتهم فيما بعد من قادة ثورة 1919 ، ومن درس اغتيال الورداني لبطرس غالي الكبير تعلم الزعيم الوفدي عبد الرحمن فهمي رئيس الجهاز السري للوفد، وحينما قبل يوسف وهبة باشا ترأس الوزارة في 19 نوفمبر 1919 رغم مقاطعة الوفد له وللجنة ملنر الانجليزية ، كلف عبد الرحمن فهمي الشاب القبطي طالب الطب عريان يوسف سعد باغتيال يوسف وهبة حتى لا يتحول مقتلة إلي فتنة طائفية ، وبالفعل قام عريان يوسف بالمهمة ولكن يوسف وهبة كتبت لة الحياة وسجن عريان عشرة سنوات.
بطرس غالي من أكبر خبراء الشئون الإفريقية في العالم، وله العديد من الدراسات الإفريقية لكبريات الجامعات ، لذلك لم يكن غريبا أن يكون أول من تنبأ بأزمة سد النهضة، جاء ذلك في حوار صحفي منذ عشرة سنوات ، وقال في حواره الأخير مع الإعلامي يوسف الحسيني ببرنامج "السادة المحترمون :" إن هناك تقصير من مصر في التعامل مع أزمة مياه النيل، مشيرًا إلى أنه حاول إقناع الرأي العام لمدة 20 عامًا لإنشاء منظمة لمتابعة مفاوضات أزمة مياه النيل ولكنه فشل فيها. وأضاف :" أنة لا يجب أن نلوم إثيوبيا علي الحدة التي تتعامل بها في مفاوضاتها لأنها تعاني من أزمة مائية خانقة".
هكذا نودع فرعون مصري يشكل تاريخه مكونات الهوية المصرية ما قبل "الغزو الوهابي" ، ليبرالي لم يخون قضية التنوير ، ورئيس الفرانكفونية ، خدم مصر الناصرية، اشتراكي ونائب رئيس الاشتراكية الدولية، حقوقي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، إصلاحي يؤيد ثورتي 25 يناير و30 يونيو ،رحم اللة فقيدنا كريم العنصرين.
لكن يبقي السؤال هل من يعوض الوطن والكنيسة عن أمثال مكرم مهني وبطرس غالي ؟
كلاهما من أبناء عائلات عريقة بدأت من الطبقة الوسطي وشربت من حليب وطنية الكنيسة واجتهدا علميا ، لكنهما حفظا الوطن في عين والكنيسة العين الأخرى، لم نجد احدهما يذهب في الكنيسة بالأعياد ويجلس في الصفوف الأمامية حتى ينال الشكر، ويستمد من الكنيسة مكانته في الدولة والمجتمع، علي العكس مكرم وبطرس كانت الكنيسة تستمد مكانتها في الدولة والمجتمع منهما وهما يستمدان المكانة الروحية من الكنيسة ، كان كلاهما امتدادا لمدرسة كنسية وطنية هي مدرسة "المعلم إبراهيم الجوهري " مدرسة رجال الدولة الأقباط والتي لا يخلوا تاريخ الكنيسة من أمثالهما ، وزراء أقباط "اراخنة" مملؤين بالروح وبالحكمة وبالوطنية ، وليس مثل "الاراخنة المسخ" الذين يتكسبون من العلاقة بالكنيسة ومنهم من تشتم رائحة فسادة التي تفوح أكثر من رائحة البخور !!
مكرم ومهني وعائلات مثل (آل عبد النور وال ساويرس وال صالح وغيرهم) أطال الله أعمار سلالتهم عبقة الوطنية، كل هؤلاء ليسوا من هواة التسلل الي الصفوف الاولي في الكنيسة او في الدولة ومن أمثالهم في الوطنية الكنسية عاش الاقباط ، ومن أمثالهم من قدم علميا للوطن والكنيسة العلم في صمت مثل د مجدي يعقوب ود محسن برسوم ود هاني عازر وغيرهم
اما الان وفي الاربعين عاما الاخير عرفنا انواع من البيروقراط والتكنوقراط الذين يلعبون دور مندوبين الدولة لدي الكنيسة ، وفي العشرين سنة الاخير تدهور الامرمن مندوبين للدولة الي مندوبين للامن في الكنيسة ، ثم وصل الامر مؤخرا الي "عملاء للامن علي الكنيسة " للاسف طبعا ، ورغم بحور الدماء التي قدمها الاقباط في الاربعين عاما الاخيرة في اكثر من عشرة مذابح من الكشح وحتي ماسبيروا أضافة الي 320 قتلوا علي الهوية الا ان المواطنين المصريين الاقباط لما ينالا اي حقوق لاستكمال مواطنتهم لان أغلب المتحدثين بأسمهم اما مندوبين او مستفيدين من الدولة واجهزتها ، الامر الذي يدفع الشباب لمزيد اما من الالحاد او التمرد او التشدد .
رحم اللة مكرم وغالي واطال اعمار من تبقي من ابناء مدرسة المعلم يعقوب.