بقلم: محمود بسيونى
فجأة باغتتنا جريمة الدرب الاحمر ، وشعرنا بالخوف من تجمع الناس امام مديرية امن القاهرة ، ذلك المشهد المخيف الذى يعيد لنا ذكريات الفوضى عقب 25 يناير ، نزل علينا خبر قتل امين الشرطة فيتو لدربكة سائق السوذوكى بطبنجته الميرى امام الناس كالصاعقة بعد خلاف على الاجرة .
جريمة عبثية صاحبتها جرائم من نفس النوع بينها عامل مشترك واحد هو "أمناء الشرطة " وقفزت مشاهد فيلم هى فوضى للراحل يوسف شاهين والمبدع الراحل ايضا خالد صالح للاذهان وخرج النشطاء فى غزوة "مافيش حاتم بيتحاكم " فى اشارة لعدم قدرة الدولة على مواجهة هذه الفئة وانها الاقوى .
كان رهان من اراد اشعال الموقف ونشر الحريق بين المواطنين هو أحداث الشرخ أو حالة الانفصال بين الشرطة والمجتمع كما حدث من قبل فى 25 يناير فيصبح الهجوم على اقسام الشرطة ومدريات الامن وسرقة اسلحتها متاح مرة اخرى ، كما تسلل بينهم اخرين يسعون للضغط على الشرطة حتى تتوقف عن ملاحقتها للعناصر الارهابية مما يعطيها فرصة افضل للاختباء من اجل الاستعداد لمعارك اخرى قادمة مع الدولة واجهزتها .
كانت مصر فى موقف صعب على مواقع التواصل الاجتماعى وفى الشوارع وداخل المنازل لا حديث سوى عن ازمة امناء الشرطة ، وكالعادة كثف الاعلام من متابعته للموضوع وتمكن من تكرار المشهد عشرات المرات ، وكأن امناء الشرطة قد اصابهم فيروس ما افقدهم صوابهم ، بينما الالاف منهم لا دخل له بكل ما يجرى ومنهم من ينتظر الموت على الحدود فى سيناء او فى مطاردة البلطجية والمجرمين .
الازمة ان التعامل مع مثل هذه الاحداث يخرج عن سياقه الطبيعى ، فهناك فئه تنتظر اى فاجعة او كارثة حتى تحولها الى زلزال على مواقع التواصل الاجتماعى ، يمكن ان تطلق عليهم مطمئنا "نافخى الكير" وهؤلاء يتغذون على مثل تلك الاخبار ، وليدهم القدرة والخبرة على تحويل الايجابى الى سلبى والعكس لانهم يعلمون جيدا ان الدولة لا تملك اى سلطة على مواقع التواصل لانهم كائنات ممنوع الاقتراب منها ومن يصحح لهم معلومة فهو عميل للامن وبذلك المسألة محسومة من البداية لصالحهم .
من مميزات الرئيس ان لديه القدرة على التعامل المبكر مع هذا النوع من الازمات ، لانه يعلم حجم التربص والحرب النفسية التى يتعرض لها المواطن المصرى يوميا ، وضعف الاعلام المصرى الحكومى والخاص وغياب قدرته على المواجهة ، وبهدوء شديد عقد اجتماعا هاما مع وزير الداخلية على هامش مشاركته فى افتتاح القمة الافريقية الاقتصادية ونزع فتيل الازمة ، وشدد على ان رجل الامن يستخدم سلاحة لحماية المواطن وليس قتله ، رسم الرئيس خطا فاصلا بين دور الشرطة فى الحماية وحالة التسلط على المواطن ، واعطى للوزير مهلة 15 يوما لضبط الوضع من خلال تشريعات يصدرها البرلمان بالمشاركة مع الوزارة ، اراد الرئيس ان يذكر الجميع بوجود مؤسسات فى الدولة وان دورة يتوقف عند مرحلة معينه بحسب الدستور الجديد لتبدأ المؤسسة التشريعية عملها .
الا ان الازمة ايضا تمتد للمواطن الذى نسى الدستور ، فلا يزال يتوجه بالشكوى للرئيس رغم ان صلاحيات البرلمان على الحكومة فى الرقابة والتشريع اقوى ، والسبب انه لا احد يذكرة بذلك ، هناك برلمان فى مصر لديه صلاحيات ومنتخب ديمقراطيا من الناس ولديه سلطة سحب الثقة من الحكومة والوزراء ، وبالتالى التركيز على الرئيس غير مبرر، وابتزاز الدولة بالثورة اصبح امرا مقيتا لا يتناسب ابدا مع حجم التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تواجه مصر .
غضب الرئيس من الواقعه دفعت الوزارة لتطهير العفن الذى نما على جدرانها وتكاثر بعد 25 يناير ، اخطرها غياب المحاكمات العسكرية للامناء والافراد والتى يسأل عنها اللواء محمود وجدى الذى نفذ حكما للقضاء الادارى بوقف هذه المحاكمات ولم يطعن عليه وقتها فأصبح ساريا ، واصبح الامناء بلا رقيب ، الامر الثانى عودة بضعه الاف منهم للخدمة بعد مظاهرات رغم فصلهم من قبل ، الامر الثالث حالة الارتباك التى اصابت الوزارة وقيادتها عقب 25 يناير جعلتها ضعيفة فى مواجهة مثل هذه الاعتداءات التى يقوم بها بعض الامناء وتستفز مشاعر المواطنين ، حتى وصلت بهم الجرأة والاستهزاء بالقانون الى اححتجاز مساعد وزير الداخلية الذى ذهب للتفاوض مع الامناء فى محافظة الشرقية الذين اغلقوا مديرية الامن حتى تستجيب لهم الوزارة وحينما رضخت زادت قوتهم أكثر وخرج منهم الكثير عن حدود وقواعد عمله مما اساء مرة اخرى لعلاقة الوزارة بالمواطنين ومن هنا ظهرت الثغرة التى يسعى الرئيس الى سدها بالقرارات التى طلبها من الوزير .
وكان اول تطبيق عملى هو بدأ المواجهة مع ما سمى بأئتلاف أمناء الشرطة بقيادة الامين منصور ابو جبل العقل المدبر لما حدث فى الشرقية ، وتلك اشارة بالغه الاهمية لتصميم الدولة هذه المرة على مواجهة هذا الائتلاف غير الشرعى ، وانها مصره فى الوقت نفسه على المواجهة مع الحفاظ على الكيان وشرفائه .
فى الحقيقة اراها معركة طويلة أشبه بالجراحة الدقيقة التى تتم فى وقت صعب لا يمكن تأجيله ، فهى ضرورية لانقاذ الداخلية من "كمين" يعد لها بحرفية عالية من متربصين فى الداخل والخارج تمهيدا للانقضاض عليها وعلى الوطن والدولة.