لماذا الألم ؟ وهل يمكن لطريق الحياة أن يخلو من أعاصيره ؟ إننا نجد أن مترادفات مثل : الألم، التعب، المرض، التجربة، الضيقة ، الطريق الضيق، الموت ؛ هى كلمات عُرفت فى حياة كل إنسان ويسمح بها الله ؛ ومنها تعلو التساؤلات والأفكار، كمن يسأل: لماذا أنا؟ ونجد آخر يهرُب، وآخرين يعتمدون على ذواتهم وقواهم، إلا أن هناك من يُدرِك عظم ما يسمح به الله للإنسان فى الحياة ، إذ هو الطريق نحو البركة والسعادة والأبدية .
وفى البَدء يجب أن نُدرِك أن الله يعرِف تمامـًا جميع ما يمر بنا من أفكار ومشاعر وآلام نفسية وجسدية، ومن محاربات تحاول تحطيمنا، وفى كل هٰذه لا نجد إلا يده ممتدةً تسنُدنا، مرتفعةً بنا فوق أعاصير التجارِب لكى نُدرِك عمق محبته وقوته ومساندته، ونختبر معه المعنى الحقيقى للألم وبركاته. والألم المقصود هنا هو ما يسمح الله بأن يجتازه الإنسان فى الحياة دون ذنب اقترفه، وهو ما يُطلق عليه اسم "التجارِب".
ومن خلال الألم ، يُدرِك الإنسان قوة الله المعِينة، وسلامه الذى يفوق كل فكر وعقل، ذاك السلام الذى يرتفع بالنفس فوق آلامها فتصبح التجرِبة لها طريقـًا، تسير فيه وهى محاطة بالعناية الإلٰهية، نحو الحرية. حرية من الخوف .
إن مع الألم، يشعر الإنسان بالخوف والقلق، ولا إنسان على وجه المسكونة يرغب فى أن يعيش الألم، لٰكنه فى خضم التجربة التى يتعرض لها وقَبوله لها وبشكر لله، يجد وسْط آلامها معونة من الله تصاحبها: تقوِّيه، وتسنُده، وتعضِّده ، مانحـةً إياه سلامـًا لا يُنزع منه، إن إحدى بركات التجارِب ، يا إخوتى، هى وجود الله فيها: ناظرًا، وسامعـًا ، ومسرعـًا إلى نجدتنا فور أن نرتفع إليه بقلوبنا؛ وهٰذا ما عاشه الآباء القديسون، كالقديس العظيم "أنبا بولا" الذى قال: "من يهرُب من الضيقة يهرُب من الله"، لأن الله موجود داخل الضيقة ويعمل فيها بقوة عجيبة ! حرية فى الفكر فى التجرِبة، يتحرر الشخص من المفاهيم الضيقة المغلقة وينطلق إلى أفْق متسع، ينحل من القُيود التى كانت تُبعده عن الله ومن الارتباطات بالماديات إلى الترفع عن كل العالم بقوة عجيبة، أيضـًا مع كل تجرِبة تمر بالإنسان، يدخل إلى عمق جديد فى العَلاقة بالله، ويتذوق حلاوة العشرة معه؛ فتصبح التجارِب والآلام كتدريبات تقربه إلى الله أكثر فأكثر، فهٰذه تجربة تدربه على الثقة والإيمان، وأخرى تمرنه على السلام، وثالثة تجذبه إلى محبة الآخرين، ورابعة تُكسبه الصبر؛ وهٰكذا تضحى خبرة الألم كسبـًا لفضائل جديدة فى حياته. حرية من البشر وفى التجارب يتعلم الإنسان أنه يحتاج إلى الله فقط، فيقول: "الله وكفى"، فالله هو المريح وهو من يعضِّد ويَسند.
أما الاستناد إلى البشر فهو متعِب. وهٰكذا يتقوى الإنسان بالله فى كل محنة تمر به، ويُدرِك أنه السند الحقيقى، فلا مال ولا سلطان ولا قوة ينبغى لنا أن نتكل عليها، بل "الله وحده". تذكَّر، قارئى العزيز: إن سماح الله بالألم فى رحلة الحياة ليس نِسيانـًا منه ـ حاشاه ـ بل هو اهتمام بأن تكون أنت أفضل، وكن على يقين أنك لست وحدك فى الطريق، فكما قال "القديس البابا كيرلس السادس": "ثِق أن الذى اختار لك أول الطريق لن يتركك فى منتصفه".
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
نقلا عن اليوم السابع