بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (574)
ذهب الرئيس السيسي إلي مجلس النواب لاستكمال الشكل الرسمي البروتوكولي لافتتاح رئيس الجمهورية الدورة البرلمانية .. لم تكن تلك الزيارة هي بدء أعمال مجلس النواب لأننا جميعا تابعنا منذ نحو شهر مضي انعقاد المجلس وانتخاب هيئته – رئيسه ووكيليه ولجانه النوعية – ثم تابعنا تعاقب الجلسات الصاخبة لمراجعة واعتماد القوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية في غيبة البرلمان, والدوي الذي أحدثه رفض المجلس الموافقة علي قانون الخدمة المدنية – وهو المأزق التشريعي الذي لم تتضح سبل الخروج منه حتي الآن – وبعدها انشغل المجلس في مناقشة وصياغة إصدار مشروع قانون لائحته الداخلية التي تنظم عمله .. ولم يخل الأمر من الأحداث الساخنة التي شدت انتباه الإعلام والرأي العام مثل خروج بعض الأعضاء علي الأعراف والتقاليد البرلمانية في لياقة الحديث ومثل استقالة المستشار سري صيام المعين من قبل رئيس الجمهورية احتجاجا علي تهميشه داخل المجلس – وهو ما شكل سابقة غير مسبوقة دستوريا في استقالة عضو معين وليس منتخبا – ومثل طلب رفع الحصانة عن ثلاثة من النواب بدعوي عدم استيفائهم الشروط القانونية للعضوية – وذلك ما رفضه المجلس لدي مناقشته وإجراء التصويت عليه.
ذهب السيسي في زيارة شبه احتفالية ليوجه الخطاب الرئاسي للمجلس,وقد اختلف الخطاب عما توقعه البعض حيث اعتاد المصريون خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك أن يشتمل خطاب رئيس الجمهورية للبرلمان علي تكليفات تشريعية أو ما اصطلح علي تسميته أجندة القوانين … لكن كان خطاب السيسي في مجمله أبويا سياسيا يتحدث عن مصر الدولة العظيمة التي تجاوزت تحدي كيانها ومؤامرات هدمها , ومصر الشعب العظيم الذي يتطلع إلي الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, ويوصي البرلمان بأداء الدور التاريخي المنوط به للوفاء بحق هذا الشعب تشريعيا ورقابيا.
لم يكلف السيسي البرلمان بأجندة تشريعية , وفي ذلك تغيير ملحوظ له مدلولاته المتوافقة مع دستور مصر الجديد , فرئيس الجمهورية لم يعد الآمر الناهي للبرلمان وعليه أن يترك للبرلمان وللحكومة أداء دوريهما في مباشرة الدور التشريعي دون إملاء أو وصاية , وفي ذلك أيضا ترسيخ للمعايير الديمقراطية في اتباع المسارات البرلمانية والسياسية نحو اقتراح ومناقشة وإجازة أو رفض مشروعات القوانين دون الوقوع في حرج أو ضغط لتنفيذ أجندة تشريعية بعينها لمجرد أنها وردت ضمن تكليفات رئيس الجمهورية للبرلمان.
وتبقي ملحوظة مهمة- لن أمل من تكرارها – وهي الأجواء المتبسطة التي سادت خلال الجلسة وأثناء إلقاء رئيس الجمهورية خطابه من جانب أعضاء مجلس النواب والتي أثبتت أنهم مغيبون عن التقاليد البرلمانية العريقة الواجب أن تسيطر علي الجلسة … فبالرغم من أن الرئيس كان يقرأ كلمته من خطاب معد سلفا ولم يسترسل في كلام مرسل كعادته إلا أن المجلس فشل في تلقي مدلولات ذلك ولم يستشعر هيبة الخطاب الرسمي ووقار خطاب رئيس الجمهورية للبرلمان .. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن بعض الأعضاء من نواب المجلس حولوا الجلسة إلي شبه جلسة احتفالية حرة وغير رسمية حفلت بموجات من التصفيق زادت عن حدها وجعلت الرئيس السيسي يخرج عن تركيزه في تلاوة خطابه إلي اضطراره لتكرار مقاطع وجمل بعينها مرات ومرات حتي تعود القاعة للهدوء والإنصات ..كما انطلق بعض النواب في مقاطعة الرئيس إما لتحيته أو للإثناء عليه أو لمديحه ولم يكن ذلك يتناسب مع جلال جلسة الافتتاح الرسمي للبرلمان بل حولها إلي ما هو أشبه باحتفال شعبي فاقد الأصول والتقاليد.
للأسف تلك ثقافة مغلوطة يجب علينا التصدي لمعالجتها لترسيخ التقاليد البرلمانية المحترمة .. وأتصور أن المبادرة يجب أن تأتي من أمانة مجلس النواب التي يقع عليها عبء زرع أسس السلوكيات التي تتفق مع الحياة البرلمانية , ويجب أن يعي النواب أن وضع القيود والضوابط إزاء ما يقال وما لا يقال أو ما يفعل ومالا يفعل لا يمثل أي انتهاك لحرية التعبير أو حق السلوك تحت القبة … ولكن هنا تجدر الإشارة والتساؤل : هل تعي أمانة المجلس ذلك أصلا؟ .. أم هي سعيدة فخورة بما حدث ؟!! .. كما تجدر الإشارة أيضا إلي خطاب المستشار علي عبد العال في مستهل الجلسة والذي حفل بإغداق المديح علي الرئيس السيسي بدرجة فاقت الوقار والموضوعية وابتعدت عن الحقيقة في بعض المواضع , الأمر الذي أعادنا بالذاكرة إلي برلمانات حسني مبارك وفتحي سرور وصفوت الشريف .. وأظن أن كلا من الرئيس السيسي والمستشار علي عبد العال لا يقبلان ذلك!!
وفي هذا الصدد لعل ما تنشره وطني في هذا العدد عن ملامح التجربة النيابية في مصر عبر عصور برلمانية متعاقبة وهو ما يجيء متزامنا مع مرور 150 عاما علي بدء الحياة النيابية في مصر , يعطي صورة تاريخية مشرفة للمسار البرلماني الذي ناضل من أجله المصريون واكتسبوا حقوقا مستحقة لكيفية مشاركة الحاكم في إدارة شئون البلاد وفي رقابة الحاكم والحكومة وفي إدارة الحياة التشريعية التي تحكم هذا الشعب .. والحقيقة أن الخوض في ذلك التاريخ العريق والمشرف يكشف مقدار أصالة وعراقة البرلمانات المصرية وأنها تستحق منا الكثير من الهيبة والوقار وليس فيض الغوغائية والانفلات!!
نقلا عن وطنى