الأقباط متحدون - هرمزد المُدهش
أخر تحديث ٠٦:٣٣ | السبت ٢٠ فبراير ٢٠١٦ | ١٢أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٤٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

هرمزد المُدهش

بقلم: ليديا يؤانس
قال عنه الكاتب الفرنسي الشهير الأب مارتان   "ان بُنيان الدير ربان هرمزد المُدهش وموقعه الجذاب يجعلان هذا الأثر المجيد لا مثيل له في الغرب ولا شبيه له في الشرق".

نعم أنه مُدهش هذا الصرح العجيب "دير الربان هرمزد القوش"   الذي أخذ اسمه وشهرته من اسم "القديس هرمزد".

كِلاهُما مُدهِشْ،   وأنا واثقة أنكم سوف تستمتعون بقصة كِلاهُما كما يرويها لنا الراوي.

في العراق وفي عهد البطريرك أيشوعياب،   الذي عاصر الخليفة أبو بكر وعمر بن الخطاب،   يُحكى أن شيبيني إبن حاكم الموصل،   عقبه بن فرقد،   قد أصيب بمرض عضال إحتار فيه الأطباء،   إقترح عليه الناس بإرساله إلي ناسك اسمه هرمزد يُصلي له،   يًقيم بإحدي الصوامع بالقرب من الدير في جبل القوش.

عندما وصل حاكم الموصل إلي جبل القوش،   كان ابنه قد فارق الحياة،   وأراد أن يرجع ليدفن إبنه،    إلا أن المُرافقين له أصروا علي أن يوصلوه للربان هرمزد،     طمأنهم الربان وبعد صلاة طويلة رجعت الحياة إلي شيبيني.

رجع الحاكم إلي الموصل،   وأقام إحتفالاً عظيماً،  شارك فيه المسيحيين والمسلمين واليزيديين،    وأرسل مع إبنه شيبيني سبعة أوزان من الفضة للربان هرمزد،    لكي يقوم ببناء دير مُخصص له،   كما أوقف له الحاكم أراضي وأملاك كثيرة،  وتم البناء علي يد أميران آشوريان حوالي  سنة 640 م.   تخليداً لذكراه وسُمي الدير علي اسم الربان هرمزد.

هذا الربان المُدهش هو "هرمزد،"  مؤسس الرهبانية الأنطوانية الهرمزية الكلدانية،   ولد في بيت لافاط (شيراز)،   من مقاطعة الأهواز،   في أواخر القرن السادس الميلادي،   من أبوين مؤمنين هما يوسف وتقلا.

دخل المدرسة في الثانية عشر من عمره،  وتلقي العلوم اللغوية والدينية،   ونبغ في العلوم اللآهوتية التي كانت تستهويه جداً،  وفي سن العشرين،   قرر الإنقطاع لحياة الزُهد والنُسك والرهبنة.

في بداية حياته الرهبانية،   قام بزيارة الأماكن المقدسة ناحية فلسطين،  ثم ذهب لدير برعينا الذي كان به حوالي 200   راهب،  ولكنه أراد أن يتوحد،   فترك الدير،  ليعيش في تقشف وخلوة صارمة،  في مكان منفرد في كوخ جبلي،   يُصلي ويصوم ويتأمل.

مرت الأيام وتقابل مع راهب يُدعي ابراهيم،  ولكن بسبب الجفاف الذي كان قريباً من صوامعهم  ذهبا إلي موضع آخر في جبل بيت عذري شرق قرية القوش،    وأقاما في مغارتين بجوار كهف،   يوجد به ينبوع ماء يخرج من بين الصخور،  المياة عذبة تشفي العليل والسقيم،  عرف هذا النبع فيما بعد بإسم "عين القديس" أي "عينا دقديشا"،  وللآن الناس يتباركون من ماء هذا النبع.

لم يستطع الراهب إبراهيم،   المُكوث مع صديقه هرمزد سوي ثلاثة أيام،    فإرتحل إلي شمال شرق باطانيا وبني لنفسه ديراً وهو المعروف حالياً  بدير مار أوراها.

يقولون أن 50 شخصاً من مدرسة ايثالاها قصدوا الربان هرمزد،    وإنضموا إليه ليعيشوا حياة نُسك جماعية،   وبنوا لهم كنيسة فكانت نشأة الدير وقد ساعد أهالي القري المُجاورة في البناء وفي فترة قصيرة أصبح عدد الرهبان حوالي 120 راهباً. 

زاد عدد الرهبان بالدير،  وكان كل راهب يقوم بحفر صومعته في الصخر بيديه وأحيانا كان يستمر حفر الصومعة لأكثر من 10 سنوات إلي أن وصل عدد الصوامع حوالي 400 صومعة،   كانت الصوامع ترتبط مع بعضها بطريقة خفية ليست ظاهرة للعيان،   هذا بالإضافة إلي صومعة كبيرة جداً يُطلق عليها غرفة الطعام،  طولها 40 قدم،    محفورة في الصخر.

عاش هرمزد القوش المُدهش في ديره المُدهش الذي سُمي علي إسمه ويُقال أنه استغرق حوالي 22 عاماً في بناءه،  وأصبح الآن  مزاراً ومكاناً  لحج المسيحيين وغير المسيحيين مما يريدون التبرك  وطلب عمل المعجزات،  بالإضافة إلي كونه دير للرهبان.

وتنيح القديس هرمزد عن عمر يُناهز 94 عاماً،    قضاها جميعاً في حياة التقشف والتأمل والأصوام والصلوات،   بإستثناء العشرون سنة الأولي،  هي سنوات طفولته ودراسته،    أكثر شئ يُميزهذا القديس هو ملامح السلام والهدوء النفسي المرسومة علي وجهه،   مع إشعاعات نورانية تنبثق من عينيه فتكون بلسماً لكل مُتألم أوحزين،   ولذا كان القديس دائماً مُطارداً من طالبي الصلوات وأيضاً من بعض الرهبان بالأديرة الأخري،   الذين بدأت الغيرة تأكل قلوبهم من جهة الموهبة المُعطاه لهذا القديس المُدهش.

هذا الدير الأثري المدهش،   يقع بالقرب من بلدة القوش شمال العراق،  ويعتبر من أشهر الأديرة بالعراق والشرق الأوسط،   حيث إحتل مكانة مرموقة في القرنين العاشر والحادي عشر،  ولذا سُمي   ب"دير الربان هرمزد القوش".

نعم معظم الأديرة في العالم بُنيت علي الجبال،  ولكن هذا الدير المُدهش يُعتبر صرح أثري محفور في صدر جبل القوش،  شاهداً علي قوة الإنسان وإبداعاته لكي يحفر بأنامله هذا الصرح الصخري الشاهق من علي سفح جبل يطل علي البحر بإرتفاع 900 متر عن سطح البحر.

هذا الدير المُدهش يعتبر تُحفة طبيعية معمارية روحية،    حينما تتواجد في هذة البقعة تشعر وكأنك بداخل تليفريك،    يأخُذك تارة إلي فوق فتشعر بأنك تسبح في الفضاء،   وتارة أخري وكأنك تتمشي علي سطح مياة البحر.

تحتار في أي من الصوامع تدخل لتأخذ أيلولة،   أذا كانت الصومعة بدون صاحب،  وإذا كان بها راهب ستجد من يستضيفك ويشاطرك حلو الحديث والتأمل وربما يصطحبك إلي الصومعة الكبيرة حيث تتشاركان الطعام.

أثناء تجوالك هُنا أوهُناك ستجد الدير مُحاطاً  من جهاته الثلاثة بالقمم العالية الطبيعية،    وأكيد سوف تقع عينيك علي البرج الذي  يعلوه ناقوساً،  حيث تسمع صدي دقاته في جميع أنحاء البلدة.

وإذا نظرت إلي عُمق الوادي ستُطالعك أشجار خضراء في كل أوقات السنة،   يأخذ منها الناس ورق وثمار للبركة،   كما ستجد نبات العرقسوس متوافر بكثرة هناك،  هذا بالإضافة إلي عين الماء التي اشتهرت بعين القديس.

وإنت داخل الدير من البوابة سوف تشاهد صورة محفورة تعلو البوابة،  عبارة عن حمامة من الجهة اليمني وثعبان يتدلي من الجهة اليسري،  وترمزللحكمة والنقاوة.

لقد تعرض الدير لعدة هجمات:   
هجمة تيمور لنك سنة 1393 حيث قتل عدداُ من الرهبان وفر آخرين.
هجمةالمملوك التركي مراد بيغ سنة 1508 حينما حاول أهالي القوش الإحتماء به.
هجمات عديدة علي يد أمراء أكراد وأتراك خلال القرن ال16.
في سنة 1714 إنتقل الدير إلي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لفترة وجيزة ثم عاد مرة أخري إلي كنيسة المشرق في القرن ال19.
قام نادر شاه بحصار الدير الذي لجأ إلية أهالي القري المسيحية المجاورة سنة 1743  غير أن نادر شاه تمكن من الفتك بعدد كبير من الأهالي داخل الدير.
وفي الفترة الأخيرة أدي العصيان التركي إلي إخلاء الدير في سنة 1975.
وفي أيام الحصار تم بناء سياج حول الدير.

البعض يقول أن هذا الدير كان من قبل معبداً وثنياً أو مجوسياً.
والبعض يقول أنه كان  معبداً  لصنم آشوري تقوم له مراسيم سنوية في نينوي الآشورية.
والبعض يعتقد أنه  في القرن السابع قبل الميلاد كان مكان الدير هو موطن النبي ناحوم.
 
تتجلي عظمة وروعة "دير الربان هرمزد القوش"  و  "القديس هرمزد"  في الإحتفال السنوي،  الذي يُقام   لذكري مارهرمزد بمنطقة سهل نينوي،   في شهر نيسان والذي يوافق ثاني أحد بعد عيد الفصح،    ويسمي هذا الإحتفال بالسريانية "شيرا" وتعني "السهر".

حيث يقدم المسيحيين الصلوات،  ويأتي الزوار والحجاج من كل الأديان والمعتقدات إبتهاجاً بالعيد وإكراماً للقديس هرمزد،   يشعلون الشموع طلباً للشفاعة والبركة،  بينما يقوم الشباب برقص الدبكة علي أنغام الأغاني التقليدية.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter