بقلم: ايهاب الهادى
تحدثت مع ابنتى الكبرى عن الوصايا العشر طبقا للوصية ( وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ ) وسألتها ما هى الوصايا العشر ؟
فنظرت الى الارض خجلا وقالت سأحاول ان اتذكرها واجتهدت واعطتنى سبعة وصايا منهم واحدة من العهد الجديد وثلاثة من الوصايا العشر والباقى من الاخلاق الحميدة !! ووسعت دائرة السؤال لتشمل كل من تعاملت معهم خلال يومين كما ساعدنى من لم يستطيعوا الاجابة وقاموا بتوجيه السؤال لاصدقائهم لكى يثبتوا لنفسهم انهم مثل الجميع. وكانت نتيجة الاجابات لم ينجح أحد وكانت الاجابات كالتالى
الاربع وصايا الاولى والتى تهتم بعلاقة الانسان بالله فشل رهيب فى حفظها والوصايا الست الباقية والتى تتحدث عن علاقة الانسان بأخيه الانسان فكانت وصية اكرم اباك وامك هى اكثرهم حفظا وخلفها بالترتيب لا تسرق ولا تقتل
كما تضمنت اجابتهم وصايا دخيلة على الوصايا العشر اكثرها لاتكذب ولاتحلف ويليهما مقدمة الوصايا فى سفر التثنية تحب الرب الهك من كل قلبك ... أما اكثر الوصايا نسيانا هى اذكر يوم السبت لتقدسه
وبعد تلك النتيجة الصدمة رأيت أن يكون سؤالى هو ماهى قيمة الوصايا العشرة لنا اليوم ؟ وهل نحن تحررنا منها ام لازلنا مطالبين بها ؟
فالبعض يرى انها خارج التاريخ فقد كتبت لاناس كانوا يعيشون من قرابة 3500 سنة والعالم الآن قد تغير كثيرا , كما يرى البعض اننا قد اعتقنا من الناموس بجسد المسيح وبالتالى يسقط من علينا الالتزام بها لاننا نعيش فى عهد النعمة فهل هى كذلك ليست نافعة لنا اليوم ؟
يوضح لنا سفر الخروج الاصحا ح 20 الوصايا التى أعطاها الرب لموسى بعد أن أخرج الشعب من أرض العبودية وفى سفر التثنية الاصحاح 6 يرد التعليم ثانية عن الوصايا العشر وكذلك أهمية حفظها عبر الاجيال
ففى سفر التثنية نجدها موجهه الى الجيل الثانى فالله يأخذهم فى رحلة عبر الزمان ليضع الجيل الحاضر امام الماضى بصورة حيوية فوضعهم أمام كل ما تعلمه الشعب من موسى عن الله . وهذا كان من الضرورى أن تتعلمه الاجيال التالية لكى تقف امام الله وتعرفه وتعرف كيف كانت تعاملاته مع ابراهيم وآبائهم وأن يضعوا هذة التعاليم فى كل مكان يذهبون اليه فيكون حاضرا أمامهم فى كل وقت
فيوصيهم الرب فى الاصحاح السادس من سفر التثنية قائلا : 6 وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ،7 وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ،8 وَارْبُطْهَا عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ،9 وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ.
وتلك التعاليم تقدم الاجابة على ما يدور فى ذهن الابناء فالله هو الذى أخرجهم من أرض مصر أرض العبودية الارض التى سخرهم فيها فرعون بعبودية وذل , واعطاهم الله بدلا منها حياة رائعة وسعيدة تلامسوا فيها مع الحضور الالهى واختبروا عنايته , وتتوافق الوصايا بما تحويه من الاحكام والفرائض الجديدة مع طبيعة هذا الاله رب الجنود
ونلاحظ هنا ان الله اعطى لهم الخلاص من العبودية ثم الزمهم بعد ذلك بأن يحفظوا الناموس بعد أن خلصهم وهذا عكس الاعتقاد الخاطئ بأن العهد القديم يتطلب حفظ الوصايا اولا ثم يعطى الله الخلاص بناءا على حفظ الوصايا . وهذا الفكر اللاهوتى نراه فى كل الكتاب المقدس فالله خلق آدم ووهبه الجنة ثم اعطاه الوصية بأن لا يأكل من ثمر شجرة معرفة الخير والشر, وفى العهد الجديد يتجسد الكلمة ويحل بيننا آخذا صورة عبد ليعطينا خلاص ثم يقدم لنا تعاليمه على الجبل وهكذا نجد ان العهد الجديد يتفق مع العهد القديم ونحن لانستطيع أن نفهم المبادئ المسيحية فى العهد الجديد الا بالرجوع الى العهد القديم لكى نفهم معاملات الله التى هى من أجلنا نحن هذا الجيل , كما جاء فى سفر التثنية فإن الهدف من المبادئ والاحكام والفرائض التى فى العهد القديم هو طاعة مشيئة الله . فلقد آمن العبرانيون أن الانسان يريد ان يحقق ذاته وان يدرك معنى وجوده ليس بمجرد البحث عن السعادة والوصول الى انجازات معينة فى حياته انما بخدمته لله وتحقيق مقاصده فى حياته .
وهذا الاعتقاد جاء نتيجة الاعلانات الالهيه والتى أعلنها الله للشعب العبرانى فقد اختبروا الله بعدما إختار هذا الشعب وأنقذهم وأخرجهم من أرض مصر وشعروا انهم مدينون له بحفظهم ورعايتهم وقيادتهم حتى وصلوا الى الارض التى وعدهم بها وهكذا فاننا نرى أن الاساس الذى بمقتضاه اعطى الله الشريعة والوصايا هو نعمة اختيارهم واخراجهم من ارض مصر , والامتثال الحتمى لهذة النعمة هو فى حفظ فرائضها وأحكامها لذلك نجد فى مقدمة الوصايا هذا القول أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
ان الوصايا العشر ليست مجرد احكام ووصايا وضهعا الله لكنها تعبر عن طبيعة الله نفسه فان الاحكام تنبع من طبيعته فهو القدوس البار والعادل والرحيم والمحب وغيرها من صفاته الالهية . ومن هذة الصفات الالهية تستمد الشريعة مادتها ومضمونها لذلك فهى مازالت وستظل نافعة وحيوية لكل الاجيال فهى من طبيعة الله وهى اعلان عن رحمته لنا
هناك من يعارض ويركن الى انه لاحاجة للمؤمن المسيحى لحفظ الوصايا العشر او ان تكون حاجته لها بعد ان خلص اقل من حاجة المؤمن لها فى العهد القديم لكن الكتاب المقدس يقول (قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله فى اجسادكم وارواحكم التى هى لله 1) كو 6 : 20 ومن مبادئ الكتاب المقدس ان الله يطلب كثيرا ممن اعطى لهم كثيرا ويطلب قليلا ممن اعطى لهم قليلا ( لو 12 : 18 ) ولهذا السبب فان التزام العبرانيين بالوصايا اعظم من التزام الامم والوثنيين بها ولنفس السبب فإن المسيحى مطالب بحفظها اكثر من العبرانى فى العهد القديم .
اخيرا فان المسيحى بعد اختباره الحياة الجديدة بالايمان يقدم الكتاب المقدس تنبيرا له على اهمية السلوك فى هذة الحياة الجديدة , ويعلن ان الدعوة الفعالة لابد ان تؤدى الى اعمال صالحة ( حفظ الناموس )
والدارس لفكر الرسول بولس يجد انه ينتقل من التعليم الى التطبيق الاخلاقى كما جاء فى رسالة رومية 13 : 8 - 10 وغلا 5 : 14 و 1 تس 4 : 1 - 8 يوضح ان مقياس السلوك الاخلاقى هو ناموس الله
مما سبق نخلص الى ان العلاقة الروحية مع الله تتطلب امانة فى الحياة وولاء من الانسان (اتخذتكم شعبا واكون لكم الها ) خروج 6 : 7
وحتى يمكن للانسان ان يتمتع ببركات العهد عليه ان يستمع لصوت الله ويحفظ هذا العهد ( فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ)
لقد اعطى الله الوصايا العشر وهذة الوصايا لخصت فى كلمات محدودة فى مقدمة الوصايا العشر فى سفر التثنية تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ ومن سفر اللاويين 19 : 18 تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ ثم اضاف الرب يسوع الكلمات افعل هذا فتحيا (لوقا 10 : 27 - 28 ) دلالة على ان الوصايا العشر نافعة لنا اليوم .
واذا كان العالم قد تغير من 3500 سنة الا انه تغير بطريقة خلطت مابين الحق والباطل وصرنا نعيش فى فوضى على اسس وقواعد خاصة وضعناها لانفسنا ونحتاج اكثر من اى وقت مضى للرجوع الى تلك الوصايا لحفظها فى ضوء تعاليم السيد المسيح .