الثلاثاء ١٦ فبراير ٢٠١٦ -
٥٢:
٠٩ ص +02:00 EET
جون هنري
كتب : سامح جميل
ميلاد هنرى دونان السويسرى مؤسس الصليب الاحمر..
جون هنري دونان المعروف بأنه أبو الصليب الأحمر و الهلال الأحمر ولد في 16 فبراير 1828 في جنيف بسويسرا كان و الده رجل أعمال ناجحاً و مواطناً ذا مكانة بارزة و ثروة واسعة و كانت أمه سيدة رقيقة و تقية ، و هي التي كانت مسؤولة أكثر من أي شخص أخر عن تربية ابنها البكر في سنوات عمره الاولى و كان لتأثيرها دور كبير في تشكيل طباعه ..
و عندما شب دونان كان يحظى بكل المزايا التي أسبغها عليه وضع أسرته الاجتماعي و الاقتصادي و في الوقت نفسه اختبر دونان الآداب المعتادة لأبناء المواطنين السويسريين المسؤولين ، و أثر في نموه و تطوره كذلك جو جنيف الكالفينية ، و تكونت لديه مبكراً قناعات دينية عميقة و مبادئ أخلاقية عالية .
و في السنوات الأولى من نضوجه وجد منفذاً لطاقاته بانضمامه إلى مختلف الحركات أو مناصرة بعض القضايا و بالاشتراك في الأنشطة الخيرية و الدينية ، و أصبح عضواً في منظمة بجنيف عرفت باسم جمعية الصدقة ، كانت تعمل على تقديم العون الروحي و المادي للفقراء و المرضى و المتألمين ، و كان أيضاً يزور سجن المدينة بصورة منتظمة حيث كان يعمل للمساعدة في إصلاح الخارجين على القانون ..
و على الرغم من تكريس دونان نفسه لمثل هذا النوع من القضايا إلا أنه لم يقصر أنشطته عليها ، فقد شرع أيضاً في تأسيس مستقبل له في مجال الاعمال ، ففي عام 1849 تدرب في مؤسسة مصرفية في جنيف لتعلم العمال المصرفية و قد تقدم في هذا العمل لدرجة أنه عين في 1853 بصورة مؤقته كمدير عام لفرع الشركة في الجزائر يحمل إسم (( كولوني سويس دو ستيف )) و في وقت لاحق قطع دونان علاقاته مع الشركة و شرع في تنظيم مشروع لحسابه و كان يبدو أن هذا الشاب المفعم بالحيوية يتجه نحو مستقبل ناجح في مجال الأعمال و اكتساب ثروة طائلة..
و بينما كان دونان في رحلة تجارية في إيطاليا ، رمته الاقدار ليصل إلى كستليوني ديلا بيف في اليوم الرابع و العشرين من شهر حزيران 1958 الذي وقعت فيه معركة سولفرينو القريبة ، و عندما غصت المدينة بالمصابين و اتضح أن الخدمات الطبية العسكرية غير كافية كان من الطبيعي جداً أن يحاول دونان المساعدة في تخفيف آلام الجرحى و معاناتهم ، و قد أمكن تحقيق ذلك بما كان يتمتع به من سجية و تقاليد و تدريب ، و غيرت هذه التجربة مسار حياة دونان تماماً فمنذ ذلك الوقت أصبحت أنشطة دونان التجارية و اهتماماته الأخرى ثانوية إذ أنه سعى إلى إيجاد وسيلة يمكن بها منع تلك المعاناة بشكل ما أو على الأقل التخفيف منها في الحروب القادمة ..
و شكل نشر كتاب تذكار سولفرينو بداية لفترة قصيرة وصل فيها دونان إلى ذروة نجاحه ، فقد أيد أشخاص كثيرون اقتراحه بشأن تنظيم جمعيات من المتطوعين مدربين في جميع البلدان للمساعدة في رعاية المقاتلين الجرحى في وقت الحرب ، كما أثارت فكرته بشأن عقد معاهدة دولية بين الأمم لضمان تقديم رعاية إنسانية أفضل للجرحى اهتماماً كبيراً ، و تنقل دونان بين عواصم أوربية كثيرة و فتحت له جميع الأبواب و تمكن من التحدث مباشرة إلى أشخاص مؤثرين كثيرين ، و أنصت الملوك و عامة الناس على حد سواء باحترام إلى دونان و هو يشرح مقترحاته و إن كان بعض المستمعين إليه شكوا في جدوى ما كان ينادي به ، فإنهم مع ذلك استمعوا إليه باهتمام لقد كانت تجربة بهيجة لهذا الشاب الذي برز بدون سابق إنذار من العالم المغمور ليمس قلب أوربا و يحرك ضميرها..
و في السنتين 1863 و 1864 بلغ نجم دونان قمته و من ثم بدأ مباشرة في الهبوط لقد تسابق الناس إلى دعمه و تأييده ، و شكلت لجنة و عقدت مؤتمرات بيد أنه في الوقت الذي كان يتحول فيه الحلم الى حقيقة انزوى دونان الحالم تدريجياً عندما بدأ رجال عمليون بدرجة أكبر في تبني العمل و شهد عاما 1865 و 1866 مزيداً من الهبوط في مشاركته في الحركة التي ولدتها مقترحاته و كان حياء دونان أو خجله مسؤولاً إلى حد ما عن ذلك – فالشاب الذي كان بليغاً و مقنعاً بقلمه و في أحاديثه مع الناس لم يكن له سوى القليل الذي يقوله أو يقدمه في الاجتماعات و المؤتمرات..
و بقيت في انتظار دونان ذروة التكريم ففي عام 1901 منحته لجنة نوبل أول جائزة لها للسلام ، شاركه فيها فردريك باسي الفرنسي ، و لما كان دونان أضعف من أن يقوم بالرحلة الطويلة إلى كريستيانا لاستلام الجائزة و الوسام ، فإنهما أرسلا إليه في هايدن و جاءته من جنيف موطنه القديم رسالة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقول (( ليس هناك من يستحق هذا الشرف أكثر منك ، فأنت الذي أسست منذ أربعين سنة مضت ، المنظمة الدولية لإغاثة الجرحى في الميدان ، و بدونك ربما لم يكن من الممكن أن يتحقق ذلك الإنجاز الإنساني الأعظم ، الصليب الأحمر )و في يوم الأحد الموافق 30ديسمبر 1910 توفي جون هنري دونان في هايدن بين الجبال وفي وسط الناس حيث وجد هدوء البال ..!!