الثلاثاء ١٦ فبراير ٢٠١٦ -
٤٧:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم : عبدالخالق حسين
من الأقوال المأثورة أن الشدائد تكشف معادن الرجال والمجتمعات والشعوب. والعراق يمر اليوم في إحدى محنه التاريخية الكثيرة والمزمنة التي كشفت معادن الكثيرين. لذلك فكثيراً ما بهرنا بشخصيات فكرية وسياسية، معجبين بمواقفهم الوطنية. ومن هؤلاء السيد رشيد الخيون الذي كثيراً ما شغفنا بكتاباته وخاصة في التراث العربي الإسلامي والأديان، وموقفه المعارض من حكم البعث الصدامي. ولكن مع الأسف الشديد اختار هذا الكاتب أخيراً وبملء إرادته، أن يبيع نفسه للشيطان، السفاح السعودي الوهابي التكفيري، الذي أدعم الإرهاب وأسرف في قتل الشعوب ومنها شعبنا العراقي.
فخلال السنوات العشر الأخيرة انضم هذا الخيون إلى الإعلام السعودي والخليجي، على حساب وطنه الجريح، وضيفاً دائماً على فضائياتهم المضللة ليكتب ويقول ما يملى عليه لإرضاء أولياء النعمة، مبرراً جرائمهم بما يغترف من التراث من أمثلة لتجميل الباطل، ومحاربة العملية السياسية بذريعة محاربة الفساد والمحاصصة الطائفية، بينما النظام السعودي الذي يدافع عنه خيون وأمثاله هو أفسد نظام طائفي تكفيري يستخدم الإرهاب لتحقيق أغراضه في تدمير شعوب المنطقة وإدامة عمر نظامه المتخلف الغاشم. وكنا قد سكتنا عنه على مضض طوال هذه المدة، متعلقين بأذيال عسى ولعل أن يعود الرجل إلى رشده، ولكن بلا جدوى، إلى أن بلغ السيل الزبي، حيث شاهده العالم بالصوت والصورة وهو يركع أمام ذباح الشعوب العربية (في اليمن وسوريا وليبيا والعراق)، ليصافح الملك سلمان بن عبد العزيز، الملوثة يده بدماء الأبرياء، في مهرجان الجنادرية الذي يقيمه النظام سنوياً لتجميل صورته(1).
يقول فولتير: "أينما وجد الظلم فالكتّاب هم المسؤولون عنه"، بمعنى أن الكتّاب يتحملون مسؤولية أخلاقية لفضح الظلم بشتى أشكاله، من أجل تنوير الناس و تثويرهم ضده والخلاص منه. لذلك فركوع رشيد الخيون ومصافحته السفاح السعودي هو ليس (لتأدية فرضية رد السلام على ملك السعودية الذي يرعى بروتوكوليا مثل هذه النشاطات)، كما قال أحد المدافعين عن خيون، ولو بنوايا حسنة، بل عملية تجميل وتبرير جرائم نظام هذا الملك الطاغية الفاسد المخرف، وابنه المتهور الملوثة أيديهم بدماء الشعوب العربية ومنها شعبنا الجريح.
بالطبع كان متوقعاً أن يثير ركوع خيون أمام السفاح السعودي غضب الإعلاميين والمثقفين العراقيين الذين اعتبروه إهانة لهم، ونشير هنا إلى التقرير الموسوم (- كتّاب وإعلاميون: رشيد الخيون باع نفسه للدولار)(رابط 1 في الهامش)، حيث عبر العديد من الكتاب عن غضبهم لهذا السلوك اللاوطني واللا أخلاقي. كما ونشر الأخ الكاتب المتميز الاستاذ عباس العلوي، مقالاً بعنوان (إلى رشيد الخيون: لقد انتحرت غير مأسوف عليك)، فتحركَ أنصار خيون في الدفاع عنه، مبررين ما قام به في خدمة السلطان، وأنه قام بمحاربة الطائفية والطائفيين... الخ. إن دفاع هؤلاء عن خيون يذكرني بمقولة لينين: (المثقف هو الأسرع في الخيانة الوطنية لأنه الأقدر على تبريرها). وهاهم "المثقفون" من وعاظ السلاطين من مرتزقة سلمان السعودي، ومسعود البارزاني الذي هو الآخر وضع يده بيد سلمان لتدمير العراق، يتسارعون للدفاع عن خيون لتبرير ركوعه أمام الجلاد. نعم من حقنا أن نغضب لأن هذا الملك الطاغية مازالت قواته الجوية تقصف الشعب اليمني الفقير بحجة محاربة النفوذ الإيراني، ومازالت عصاباته الإرهابية تدمر الشعب السوري وكذلك شعبنا العراقي. لذلك من حقنا، بل ومن واجبنا أن نغضب ونفضح أهل الباطل، إذ كما قال الإمام علي: "إذا سكت أهل الحق عن الباطل، ظن أهل الباطل أنهم على حق". و إذا كان الساكت عن الحق هو شيطان أخرس، فما بالك عن الذين يدافعون عن الباطل وأهله؟
لقد بات معروفاً لدى حتى حلفاء السعودية الغربيين، أن النظام السعودي هو الذي أسس ورعى ومول وسلح التنظيمات الإرهابية التي دمرت اليمن وسوريا والعراق وليبيا، ويخطط الآن لإرسال قوات برية إلى سوريا والعراق بذريعة محاربة داعش، ولكن الغرض الحقيقي هو لإسقاط حكم بشار الأسد في سوريا، وإسقاط الديمقراطية والعملية السياسية في العراق وإعادته إلى ما قبل 2003، بعد أن فشلت السعودية وقطر وتركيا في تغيير هذين النظامين عن طريق الإرهاب الداعشي الذي كلفهم عشرات المليارات الدولارات، إضافة إلى تدهور سمعتهم إلى الحضيض. وقد حذر ديمتري ميديديف، رئيس الحكومة الروسية "بأن دخول جيش أجنبي بريا للأراضي السورية يعني حربا عالمية"، أي يعني حرباً مباشرة بين روسيا وأمريكا. وهنا يظهر مدى غباء النظام السعودي في مغامراته الطائشة التي لا تقل غباءً وطيشاً عن غباء وطيش صدام حسين في شنه حروبه العبثية وتدمير المنطقة.
وبناءً على كل ما تقدم من أسباب، فهكذا نظام رجعي همجي بدوي وقبلي متخلف، من العار التآزر معه ومصافحته وتحت أية ذريعة كان. رشيد الخيون سكت في كل كتاباته عن جرائم السعودية، وحارب العملية السياسية في العراق خدمة لأسياده السعوديين وغيرهم من الخليجيين باسم الوطنية ومحاربة الفساد والطائفية، بينما السعودية هي أكبر دولة طائفية فاسدة، ومثيرة للفتن الطائفية والإرهاب وزعزعة أمن واستقرار شعوب المنطقة. ولذلك انكشفت حقيقة هؤلاء المطبلين على طبل الطائفية والفساد، فغرضهم خدمة السعودية مقابل حفنة من البترودولار وليس لخدمة العراق ... فلن نصدقكم بعد.