الأقباط متحدون - ما بين العلمانية والمدنية
أخر تحديث ١٣:١١ | الاثنين ١٥ فبراير ٢٠١٦ | ٧أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٣٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ما بين العلمانية والمدنية

عماد جاد
عماد جاد

 فى كلمته أمام مجلس النواب، كرر الرئيس عبدالفتاح السيسى إيمانه بمصر دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وهو قول لم يصدر عن سابقيه من رؤساء مصر بدءا من محمد نجيب وصولا إلى محمد مرسى، مرورا بعبدالناصر والسادات ومبارك، ومن ثم فهو أول رئيس مصرى منذ 1952 يمتلك هذه الرؤية الواضحة ويمتلك أيضا شجاعة الإعلان عنها بوضوح. وإذا كانت الديمقراطية النيابية هى نمط الحكم الأكثر رقيا الذى طوره البشر فى رحلة البحث عن نظام الحكم الأمثل منذ الديمقراطية المباشرة التى مارستها دولة المدينة اليونانية، والتى تعنى حكم الشعب نفسه لنفسه بنفسه، ويكون المسؤول فيها موظفا عاما لدى الشعب، يمنحه التفويض وبإمكانه سحبه فى أى وقت وفق قواعد وإجرءات محددة، فإن الديمقراطية لا تتواجد إلا فى صحبة مجموعة من القيم والمبادئ مثل المساواة، الحرية، العدل، المواطنة والعلمانية. وتكشف تجارب التطور الديمقراطى فى تاريخ شعوب العالم المختلفة أنه لا ديمقراطية دون علمانية، وإذا قلنا إن الديمقراطية لا تتحقق بين ليلة وضحاها بل يجرى إنجازها بالتدريج، فقد آن الأوان كى نعالج قضية العلمانية فى بلادنا بشجاعة ووضوح بعيدا عن التلاعب بالألفاظ والدوران حول المعانى

فللمفاهيم معانٍ محددة موجودة فى القواميس والمراجع ومنتشرة فى الثقافات المختلفة، وعندما يطلق المفهوم يكون المعنى معروفًا على وجه الدقة أو التقريب، ونادرًا ما تجد ثقافة من الثقافات ترتِّب معانى مخالفة، وربما مناقضة للمتعارف عليه فى ثقاقات الشعوب والأمم، فإذا ذكرت مصطلحات من قبيل الاشتراكية، الرأسمالية، الثيوقراطية، فإن معانى هذه المصطلحات معروفة على وجه الدقة أو التقريب، فالثيوقراطية هى الحكم الدينى أو حكم رجال الدين أو تزاوج الدين بالسياسة ولا معنى خارج عن ذلك. ومن بين هذه المصطلحات المستقرة تعريفاتها مصطلح العلمانية، فهذا المصطلح يعنى الفصل بين الدين والسياسة، يعنى حياد الدولة تجاه قضية الأديان، يعنى أن الدولة لا تميّز بين مواطنيها بسبب ما يعتقدون ويعتنقون، يعنى أنه ليس من بين مهام الدولة أن تحدد لمواطنيها ديانات مسموحا بها وعقائد مرفوضة، يعنى أنه ليس من وظيفة الدولة أن تساعد الإنسان على «دخول الجنة» فتلك قضية بين الإنسان وخالقه، له أن يعتقد ما يشاء ويؤمن بما يعتقد دون تدخل من الدولة، هذه هى معانى العلمانية فى مختلف المراجع والقواميس، إلا فى ثقافتنا العربية التى انفردت بتعريف للعلمانية يساوى بينها وبين الإلحاد أو معاداة الدين، فالمعنى المنتشر والمتعارف عليه للعلمانية فى العالم العربى هو فصل الدين عن المجتمع، أو معاداة الدين والمساعدة على انتشار الإلحاد. وقد وصل تشويه المفهوم إلى الدرجة التى جعلت أنصار العلمانية لا يفضّلون استخدام المصطلح ويستبدلون به مصطلحا آخر يقود إلى معنى قريب وهو المدنية، ومن ثم ينادون بالدولة المدنية بدلا من الحديث عن العلمانية.
 
جاء هذا التشويه المتعمَّد لمفهوم العلمانية نتيجة تزاوج الدين بالسياسة وتحالف رجال الدين مع رجال الحكم، فتاريخيًّا التقت المصالح، وعملا على حكم الشعب وإخضاعه، وهنا ارتدى رجال الدين ثوب السياسة وحكموا مباشرة فى صورة مباشرة لحكم رجال الدين أو النظام الثيوقراطى، كما ارتدى رجال السياسة ثوب الدين وامتزجت السياسة بالدين بشكل مباشر من خلال حكم رجال يجمعون بين الصفتين السياسية والدينية، أو صيغة مشتركة قامت على تحالف رجال السياسة ورجال الدين واشتراكهما فى الحكم معًا، حيث يحتاج رجال السياسة إلى رجال الدين من أجل الحصول على تأييد المواطنين ودفعهم إلى القبول بالحاكم وتبرير الخضوع له وعدم الخروج عليه، بل واستخدام الدين فى تهدئة غضب وثورة المواطنين ودفعهم إلى تقبل ظلم الحاكم على أساس أن الحياة على الأرض مليئة بالمظالم، وأنهم سوف يحصلون على التعويض فى السماء (ويعد تحالف القيصر مع البطريرك فى روسيا القيصرية نموذجًا لذلك) وهو الأمر الذى أسفر فى النهاية عن الثورة البلشفية الشيوعية عام ١٩١٧ واتخاذها موقفا عدائيا من الأديان، بل وحظرها وتحويل دور العبادة إلى متاحف.
 
ما نود تأكيده هنا هو أن تحالف رجال الدين ورجال السياسة فى مصر والعالم العربى أدى إلى تشويه متعمد للمصطلحات، وأسهم فى انتشار الجهل والأمية، ومن ثم بات مطلوبًا وبشدة إعادة تقديم المصطلحات والمفاهيم إلى الرأى العام المصرى والعربى وفق معانيها المتعارف عليها فى الثقافات واللغات المختلفة، وأن يبدأ ذلك من مرحلة الطفولة عبر الكتب المدرسية حتى يتعلم النشء المفاهيم الصحيحة والمصطلحات وفق المعانى المتعارف عليها عالميا. وفى تقديرى أن الفرصة سانحة فى مصر اليوم لتصحيح أخطاء وخطايا تحلف رجال الدين والسياسة، فظهر التوظيف السياسى للدين، وبرز رجل الدين الممارس للسياسة (التى هى حكم توافق الفلاسفة ليست مجال عمل الرجل الفاضل) وظهر «الرئيس المؤمن، دولة العلم والإيمان». لدينا اليوم فى مصر رئيس يؤمن ببناء نظام ديمقراطى مدنى حديث، وعلى الكتاب والمثقفين المصريين تقديم اجتهاداتهم فى كيفية بناء نظام سياسى ديمقراطى حديث، أى نظام علمانى يفصل ما بين الدين والسياسة، يحفظ للدين قداسته وحرمته كعلاقة بين الإنسان وخالقه، لا دخل للدولة فى هذه العلاقة، أما الدولة فوظائفها محددة وأولها فرض القانون، تحقيق العدل، إنجاز العدالة الاجتماعية للفئات الضعيفة فى المجتمع والتى تتمثل فى أربعة مكونات رئيسية هى حد أدنى للأجور، منزل آدمى صحى لكل مواطن غير قادر، تعليم عام مجانى جيد وأخيرا علاج مجانى لغير القادر.
نقلا عن المصرى اليوم
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع