قالت تقارير صحافية إن مصر استقبلت القرار السعودي بالتدخل بريا في سوريا بصمت لافت، ما يشير، حسب مراقبين، إلى حجم الخلافات في الرؤى السياسية بين البلدين بشأن التعامل مع الأزمة السورية. وشدد سفير مصرى سابق مفضلا عدم ذكر اسمه لصحيفة “القدس العربي” على أنه “من غير الوارد فى ظل المعطيات الحالية، أن ترسل مصر قوات برية للقتال خارج أراضيها سواء سوريا أو غيرها”، مؤكدًا أن “قرارًا كهذا يرتبط بشروط شديدة التعقيد، تتعلق باعتبارات سياسية وأمنية وعسكرية، ولا تتعلق بإرادة رئيس الجمهورية وحده كما يتصور البعض، بل بوجود غطاء دستورى ودعم من كافة أعضاء مجلس الدفاع الوطني، إلى جانب غطاء من الشرعية الدولية، والأهم من تأييد الرأى العام فى مصر”.
وأشار إلى أن مصر رفضت إرسال قوات برية للقتال فى اليمن بالرغم من وجود طلب رسمى من القيادة اليمنية التى تعتبرها القاهرة الممثل الشرعى للشعب اليمني، واكتفت بالمشاركة فى تأمين باب المندب الذى يخدم الأمن القومى المصرى والعربي. وإذا ما كان هذا الموقف يعنى أن القاهرة تدعم بقاء الرئيس السورى بشار الأسد فى السلطة، قال المصدر إن مصر لا تدعم أفرادًا، لكنها تؤيد الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها ووحدة الأراضى السورية، حتى لا تتحول البلاد إلى ليبيا جديدة».
وأضاف «أما بقاء الأسد من عدمه فمسألة تخص الشعب السورى وحده، ومع ذلك فان مصر تؤيد بشدة كل المطالب الشرعية للسوريين فى الحرية وحقوق الإنسان، وتشدد على موقفها الثابت من أن حل الأزمة السورية يجب أن يكون سياسيا فقط، وسندعم ما يسفر عن هذا الحل السياسى مهما كان طالما أنه كان موضع اتفاق بين السوريين».
وبالنسبة إلى مشاركة قوات مصرية فى تدريبات «رعد الشمال» فى السعودية إلى جانب قوات سعودية وأردنية وسودانية، والتى قيل إنها قد تكون تمهيدًا لإرسال «قوات إسلامية أو سنية مشتركة» إلى سوريا، قال «إن القوات المصرية تقوم بمهمة مقررة سلفا تنحصر فى التدريبات المشتركة، وهى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وستعود إلى أرض الوطن بمجرد الانتهاء من مهمتها، كما أن مصر ترفض الدخول فى تحالفات دينية أو طائفية، وتعتبر أن تشكيل قوة الدفاع العربى المشتركة، حسب قرار القمة العربية التى انعقدت فى شرم الشيخ فى شهر مارس الماضى ما زال يمثل السبيل الأفضل للحفاظ على الأمن القومى العربي».
وحول ما إذا كان الموقف المصرى يرتبط بالحفاظ على توازنات إقليمية ودولية دقيقة، وخاصة العلاقات الإستراتيجية مع روسيا، والرغبة فى عدم التصعيد مع إيران، قال المصدر»ان مصر تبنى مواقفها بناء على اعتبارات إستراتيجية ثابتة تتعلق بأمنها القومى أساسًا، وليس الرغبة فى إرضاء هذا البلد أو ذاك، وإذا عدت للوراء ستجد ان الموقف المصرى من الأزمة السورية وتشديده على حتمية الحل السياسي، وليس العسكرى قد سبق التقارب مع روسيا».
وفى غضون ذلك لم تكتف الحكومة المصرية بالصمت الرسمى تجاه الإعلان السعودي، بل سمحت لقنوات فضائية مقربة منها ببث بتصريحات معارضة لإرسال قوات برية سعودية إلى سوريا.
ومن جهته قال اللواء عبد الرافع درويش، الخبير العسكرى والإستراتيجى إنه يستبعد تماما تدخل السعودية بريا فى سوريا، معتبرا «أن تدخل المملكة العربية السعودية بريا فى سوريا سيكون خطأ كبيرا، لاسيما وأن تدخلها سيؤدى إلى نشوب حرب مذهبية بين الشيعة والسنة».
وأضاف أن التدخل فى الشأن السورى يجب أن يكون قانونيا، وبغطاء دولى ومن الأمم المتحدة ومجلس الأمن. مشيرا إلى أن الهدف من التدخل البرى هو إسقاط نظام بشار الأسد وليس القضاء على تنظيم الدولة، وبالتالى سوف يؤدى إلى الصدام مع روسيا وإيران، محذرا من أن التدخل السعودى سوف يؤدى إلى توسيع الحرب فى سوريا وجلب المزيد من الدمار وفتح جبهات قتال جديدة ضد المملكة من جانب إيران سواء فى اليمن أو فى سوريا أو فى العراق.
وتابع الخبير العسكري، أنه يتحدث بهذه اللهجة خوفا على الأشقاء فى السعودية، وليس من باب أنه ضدهم، مشيرا إلى أنه «ضد وقوعهم، وانجرارهم إلى المستنقع السوري».
ومن جانبه، قال اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكرى والإستراتيجي، إنه يستبعد تمامًا مشاركة قوات مصرية مع المملكة العربية السعودية للتدخل فى سوريا، مشيرا إلى أن مصر لن تتدخل إلا إذا كانت هناك دولة عربية يتعرض أمنها القومى للتهديد، لافتا إلى أن محاربة التنظيم تحتاج لقرار دولى يتعلق بمكافحة الإرهاب، وليس قرارا منفردا من جانب بعض الدول.
وأضاف مسلم أن مشاركة مصر فى التحالف الإسلامى لا تعنى مشاركتها فى الحرب فى سوريا، والدليل على ذلك أن القوات المصرية لم تشارك حتى الآن فى الحرب فى اليمن، إلا عن طريق مضيق باب المندب لحماية الملاحة.
وأشار الخبير العسكرى إلى أن مشاركة القوات المصرية فى مهمة تدريبية فى السعودية لا تعنى تورطها للقتال فى سوريا حتى لو كان تحت شعار مكافحة الإرهاب.
أما اللواء نبيل فؤاد، مساعد وزير الدفاع الأسبق فقال «أن الظروف التى تمر بها مصر لا تسمح بخروج قوات برية خارج الأراضى المصرية، لاسيما فى ظل التهديدات الإرهابية التى تواجهها مصر، سواء فى الجبهة الشرقية أو الغربية أو تهديدات فى الداخل. لافتًا إلى أن كل هذه التحديات جعلت الجيش يشارك الشرطة فى تأمين البلاد من الداخل، ومن ثم فهو يعتقد أن مسألة مشاركة مصر بريا فى سوريا موضوع غير وارد تمامًا.
وأشار مساعد وزير الدفاع الأسبق، إلى أن مشاركة مصر فى التحالف الإسلامى لا تعنى مشاركتها فى الحرب البرية فى سوريا، لاسيما وأن موضوع التحالف الإسلامى لم يدرس جيدا، ويضم بعض الدول التى بينها خلافات، وبالتالى التحالف الإسلامى وأد قبل أن يولد، مذكرا بالقوة العربية المشتركة، التى لم تر النور حتى الآن.(القدس العربي).