بقلم نسيم عبيد عوض
فصل إنجيل هذا الصباح المبارك هو الجزء الثانى من الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا البشير( يو6: 22-27) ‘ وبالرجوع الى الجزء الأول نتذكر وجود الرب يسوع فى منطقة صيدا شرق بحر الجليل أو بحيرة طبرية ‘ وهى التى أشبع فيها الرب الخمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين ‘ حتى قال لتلاميذه" إجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيئ." ولما رأى الشعب الغفير المعجزة قالوا هذا هو بالحقيقة النبى الآتى الى العالم ." حسب نبوة موسى النبى لهم قديما فى سفر التثنية 18: 15" يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلى. له تسمعون." وحسب قول الكتاب" وأما يسوع فإذا علم انهم مزمعون أن يأتوا ويختطفونه ليجعلوه ملكا انصرف ايضا الى الجليل وحده." ‘ وتكملة هذا الجزء من الكتاب تقول ان التلاميذ فى المساء نزلوا الى البحر ليعودوا من حيث أتوا الى كفر ناحوم ‘ وهاج البحر من ريح عظيمة تهب ‘ ولم يكن يسوع معهم كما قلنا انه انصرف وحده بعيدا عن أعين الشعب ‘ ولما كان التلاميذ فى خطر هياج البحر عليهم نظروا يسوع ماشيا على البحر ومقتربا من السفينة ‘ فقال لهم انا هو لا تخافوا‘ حينئذ صارت السفينة الى الارض التى كانوا ذاهبين اليها ." يو6" 16-21. ولكن الشعب الذى رأى آية إشباع الجموع جاءوا بسفن من طبرية الى قرب الموضع الذى أكلوا فيه الخبز إذ شكر الرب ‘ أو الذى شكر عليه الرب ‘ الذى باركه والذى قدسه بصلاة الشكر (الافخارستيا) ‘فقد هزت الشعب الآية فبحثوا عنه فعثروا عليه فى كفر ناحوم ‘فعادت اليهم آمالهم أنه سيكون ملكهم المنتظر ‘
الذى سيعطيهم طعامهم فى كل حين كما حدث فى البرية طوال ألاربعين سنة لبنى إسرائيل قبل دخولهم أرض كنعان‘ ولكن هذا الحماس وفرحهم بالعثور عليه لا يتعدى ولم يخرج عن المحيط المادى وهو الشبع الجسدانى (الخبز والسمك)‘أو المحيط السياسى (الملك) ‘ وهنا يبدأ الرب فى تصحيح المفهوم عن إستعلان قدراته الفائقة ومصدرها وغايتها‘ ويصحح المقارنة بينه وبين موسى النبى العظيم‘ ولهذا جاءت إجابة الرب على تساؤلاتهم " أنتم تطلبوننى ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم." وهذه هى الحقيقة ‘ يطلبونه ليس لشخصه كالمخلص والفادى بل من أجل عطاياه الجزيلة ‘ فلم يروا فى أكل الخبز آية بل طعام للشبع الجسدى ‘ كما أيضا لما شفى أمراضهم (والمحتاجون للشفاء شفاهم) لم يبصروا الآية المعجزية أو لم يستدلوا على إعلان شخصه السماوى ‘ بل فقط راحة وشفاء لأجسادهم والطمع فى المزيد ‘ وكان المفترض فيهم وبعد ابصارهم هذه الآيات أن يقروا بإيمانهم به انه المسيا المنتظر والنازل من السماء ‘ ولكن راية الإيمان كانت محجوبة عن أنظارهم وغائبة عن عيونهم وقلوبهم‘ وكان السيد المسيح يرى فى كل مايقدمه لهم من أعمال الرحمة والمحبة والعطف انها قد تثير عقولهم وقلوبهم ويفهموا فيؤمنوا بحقيقةشخصه‘ لأنه بالإيمان وحده تكون لهم الحياة الأفضل والنعمة الدائمة الأبدية ‘ وكما أيضا الشبع الحقيقى لأرواحهم وليس لأجسادهم ‘ ولكنهم لم يكونوا جوعى أو عطشى لبر الله .
إعملوا لا للطعام البائد
واجه الرب هؤلاء الباحثين عنه وبكتهم وطلب منهم ان يعملوا لا للطعام البائد (الخبز للشبع الجسدى) بل للطعام الباقى للحياة الأبدية (جسد المسيح نفسه) الذى يعطيكم ابن الانسان ‘ لأن هذا الله قد ختمه." ‘ ونلاحظ ان كلمة البائد أوالذى يباد هى نفس الكلمة التى قالها الرب إجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيئ ‘ يضيع أو يبيد نفس الكلمة ‘ لأن الرب أراد ان يفهمهم ان الخبز الذى كسره ووزعه عليهم ليس من نوع الخبز البائد ‘لأنه خبز فيه سر الحياة والديمومة‘ وكان المفترض فيهم ان يبلغوا بقوة الإيمان بالمسيح ويفهموا أن الذى باركه وقدسه وأعطاه لا يباد منه شيئا بل يظل مصدر بركة دائمة‘ وهذا هو الفرق بين الذى يأخذ أعمال وآيات الرب يسوع أنها لغرض الإشباع المادى والجسدى ‘ عن الذى بالإيمان والثقة بالمسيح يرى أنها انه إستعلان عن طعام باقى وحي وأبدى لأن فيه سر الإيمان بالمسيح المخلص والفادى. فالذين يعملون للطعام البائد هم الذين أعمالهم جسدانيه كقول معلمنا بولس الرسول" واعمال الجسد ظاهرة التى هى زنى عهارة نجاسة دعارة‘ عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة ‘ حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه .. الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله." غل5: 19- 21‘ وأيضا قوله " لا تضلوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعى ذكور‘ ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله ."1كو6: 9و10.
الطعام الباقى للحياة الأبدية
أن العطايا الجزيلة التى يمنحها لنا الله يستحيل أن تعمل معنا للحياة الأبدية أو يكون لها نفع روحى فى حياتنا إذلم يكن المسيح هو غرضها‘ وقصدها وغايتها ‘ فالذى يطلب من المسيح أن يشفيه مثلا لن ينتفع من شفائه شخصيا إذا لم تكن الصحة الموهوبة له هى آية بحد ذاتها تعمل لحساب المسيح ‘ وإلا كانت معجزة الشفاء مثل ملء بطون الجليليون من الخبز والسمك ‘ وكما يرى فينا القديس بولس نحن المؤمنين بالرب يسوع المسيح " لكن ‘إغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا." 1كو6: 11. ‘ وفى رسالة غالطية يقول عن هذا الطعام الباقى للحياة الأبدية" أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف." الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح." غل5: 22-25. وقول الرب الطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الانسان ‘ فهو عطية للحياة الابدية ‘ وهى نفس الكلمة التى قالها الرب للمرأة السامرية" لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذى يقول لك أعطينى لأشرب لطلبت أنت منه فاعطاك ماء حيا."يو4: 10‘ فهنا عطية المياه الحية للحياة الأبدية ‘وعطية الخبز الحي أو عطية الطعام الروحى ايضا للحياة الابدية ‘ كقول الرب " فقال لهم يسوع انا هو خبز الحياة ‘ من يقبل الي فلا يجوع ومن يؤمن بى فلا يعطش ابدا." يو6: 35‘ والرب ينقلنا هنا الى عمل وفعل الروح القدس المحي‘ فإذا كان الماء الحي فى المعمودية للميلاد الثانى ‘ فالخبز أى الجسد للأفخارستيا كطعام للحياة الأبدية (كالقول فى القداس الإلهى" وحياة أبدية لمن يتناول منه.").
ختم الله الآب
يقول الكتاب " إعملوا للطعام الباقى للحياة الأبدية الذى يعطيكم ابن الانسان لأن هذا الله الآب قد ختمه." يو6: 27‘وهذه هى المرة الأولى والأخيرة التى يقول فيه الرب يسوع المسيح "الله الآب" ‘ فالمعتاد ان يقول أبى أو الآب ‘ وهنا تأتى التسمية من فم المسيح بالصيغة الأبوية للتنبيه انه ليس ختما خاصا فقط بالسيد المسيح نفسه ولكن أيضا ختما خاصا بالانسان ككل‘ فهو ختم أبوة الله على جسد الابن الوحيد ‘ الكلمة المتجسد ليصير الله به أبا لكل من يقبله أى لكل من يتناول منه ‘ وكلمة ختم أيضا لا تقع على الطعام بل يقصد بها السيد المسيح ‘ لأن هذا الله الآب قد ختمه بمعنى شهد له بنفسه ‘ كما يقول البشر _- أختم أو أبصم -على ان هذا حق وشهادة للتصديق كما أورد الوحى الإلهى " ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق‘لأن الذى أرسله الله يتكلم بكلام الله."يو3: 33‘ وسمعنا ختم الله الآب وشهادته فى العماد أو الظهور الإلهى عندما قال صوت من السماء قائلا"هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت." وكذلك على جبل التجلى " وفيما هو يتكلم اذا سحابة ظللتهم وصوت من السماء قائلا: هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت له اسمعوا." مت 17: 5‘ وأيضا عن ختم المعمودية أو الميلاد الثانى " إذا آمنتم ختمتم بروح الموعد المقدس الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده."أفس 1: 13و14‘ وتخص أيضا السيد المسيح لتفيد ختم التقديس كقول الكتاب" الذى قدسه الآب وأرسله الى العالم." يو10: 36‘ وختم التقديس الذى تم بواسطة الآب ‘ فى التجسد" فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله." لو1: 35‘ وفى المعمودية " الذى ترى الروح القدس نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذى سيعمد بالروح القدس.- ويكمل يوحنا المعمدان - وانا قد رأيت وشهدت أن هذا هو إبن الله." يو1: 33وفى القيامة أيضا يقول الكتاب " وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الاموات." رو1: 4.
كيف نعيش للحياة الأبدية ؟
الله فى كلمته لنا اليوم يحذرنا ويشجعنا ان نحارب حب الحياة الجسدانية والمادية وطغيانها علينا ‘ ويحرك فينا الشوق للسمائيات "لأن سيرتنا نحن فى السماويات" ولأن الجسد يشتهى ضد الروح‘ فالرب يحارب فينا ان يطغى سلطان الجسد وطغيان الغرائز الجسدية على سلطان الروح ‘ وينبهنا ان تمسكنا بالأرضيات أكثر يبعدنا عن الغرض الذى خلقنا الله من أجله ‘ فيحذرنا " ان العالم ليس فيه إلا شهوة العين وشهوة الجسد وتعظم المعيشة‘ والعالم يمضى وشهوته ." 1يو1: 16و17 ‘ ويرفع الله نظرنا الى السماء ويقول" الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق يجب ان يسجدوا."يو4: 24‘ وكقول رب المجد" طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون."مت5: 6‘ وأيضا قوله " طوبى للذين يسمعون كلام الله ويعملون به." لو11: 28.
ونحن مقبلين على صوم أهل نينوى نسأل إلهنا الصالح أن يعطينا غذاء الروح ليقوى النفس ويحييها ولنعيش فى حياة توبة صادقة‘ ويشفى أمراض أجسادنا وأرواحنا ‘ ويطهرنا من خطايانا ويمحى ذنوبنا وآثامنا ‘ ويجعلنا فى إيماننا ثابتين وأقوياء فى جهادنا الروحى. أمين.