الأقباط متحدون - وزير السعادة.. وسعادة الوزير
أخر تحديث ١٢:١٩ | الجمعة ١٢ فبراير ٢٠١٦ | ٤أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٣٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

وزير السعادة.. وسعادة الوزير

د.محمود خليل
د.محمود خليل

أعلنت الإمارات استحداث منصب «وزير دولة للسعادة» مهمته الأساسية مواءمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع، بالإضافة إلى استحداث منصب وزير دولة للتسامح، لترسيخ التسامح كقيمة أساسية فى مجتمع الإمارات. الخبر كان محل تعليق الكثيرين، وتساءل البعض: لماذا لا نستحدث فى مصر وزارة اسمها وزارة السعادة، يتولاها وزير مختص؟ وأتصور أن السؤال متسرع، لأننا لسنا مثل غيرنا فى حاجة إلى «وزير سعادة»، لأن الوزير والوزارة فى مصر هى «السعادة» بعينها، ليس بمجرد الدلالة، بل باللفظ أيضاً.

الوزير فى مصر لقبه «سعادة الوزير»، ليس الوزير وفقط، بل المحافظ أيضاً كثيراً ما يُخلع عليه نفس اللقب، وأنت تعلم أن ثورة يوليو 1952 أعلنت إسقاط الألقاب التى كان ينعم بها المسئولون قبل قيامها، لكن ذلك لم يحدث بالطبع، لأن الواقع كان أقوى من الفكرة، فتواصل خلع الألفاظ على المسئولين، وأهمها لقب «سعادة»، وخصوصاً من يشغلون المواقع الوزارية.

الوزارة فى مصر «سعادة»، بغضّ النظر عن مسئولياتها، والدليل على ذلك أن أى شخص يُرشَّح لهذا المنصب يستقبله محبوه بالتهانى والتبريكات، ويستقبل اليوم الأول لعمله داخل مكتب تتزاحم فيه باقات الورود التى تهنئ الوزارة والعاملين فى الوزارة بـ«سعادة الوزير»، وبين يوم وليلة يتحول الوزير من مجرد مواطن عادى إلى «رجل مهم»، تحيط به الحراسة، وتُفتح له أبواب المكاتب والسيارات، وتطارده وسائل الإعلام للحصول على تصريحاته، ويعتبر بعض السعداء من الوزراء أن علاقتهم بالإعلام لا بد أن تكون وطيدة، وعياً منه بدور أدوات الإعلام فى تجميل وتزيين صورته الذهنية لدى المواطنين، ولدى المسئولين الأكبر منه أيضاً. ويبلغ الأمر ببعض الوزراء حدّ اعتبار الإعلام «تاجر السعادة» الذى يجب أن يُرضوه باستمرار من أجل الاستمرار!.

أرجو ألا يُفهم من كلامى أننى أنفى عن وزرائنا المسئولية والالتزام، فكل منهم يسعى قدر طاقته، لكن ذلك لا يمنع «السعادة»، ولا يزيل عنهم هذا الوصف، والدليل على ذلك أن بعضهم يصاب بأوجاع نفسية متنوعة بعد الخروج من المنصب. والسر فى ذلك يرتبط بعدم التفكير فى اليوم الذى سيخرج فيه الوزير من مكتبه فى اللحظة التى يتسلم فيها الوزارة. فدأب الإنسان الظن بأن السعادة التى تقع بين يديه سوف تظل فى حوزته دائماً، وينسى أحوال الحياة المتقلبة، وأن الدنيا لا تدوم لأحد، لأنها لو دامت لغيره لما وصلت إليه. من ينسَ هذه الحكمة تهتز نفسه وتنفلت أعصابه فى لحظة الخروج.

تقديرى أن الكثير من الوزراء سيتحولون إلى إسعاد المواطنين الذين يعملون فى خدمتهم إذا تنازلوا عن لقب «سعادة» الذى يسبق أسماءهم. المسئول الذى يشقى من أجل مواطنيه، نادراً ما تظهر على وجهه أمارات الراحة، بل غالباً ما يبدو عليه الإجهاد، ليس معنى ذلك المطالبة بأن يعيش الوزراء إحساساً بالاكتئاب، بل المقصود ألا يستغرق أحدهم فى الاستمتاع والسعادة بالمنصب، فى الوقت الذى يئنّ فيه المواطنون، وينسى فى غمرة اللقاءات والاجتماعات وحالة الأبّهة التى يعيش فى كنفها أن كل ذلك إلى زوال. سعادة الوزير الحقيقية لا بد أن تكون فى إسعاد المواطنين!
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع