بقلم : فاروق عطية
3ـ أطماع فرنسا وحملة نابليون
في عام 1501م اختار المماليك السلطان قنصوه الغوري ليكون سلطانا علي مصر والشام وبلاد الحجاز. وفي عام 1512م تولّي السلطان سليم الأول حكم الدولة العثمانية (تركيا) وهاجم المماليك في آسيا الصغري لمدة أربع سنوات قبل احتلاله الشام ولم يصمد فرسان قنصوه من المماليك أمام الأسلحة والمدافع العثمانية في معركة مرج دابق بحلب عام 1516م. وهزم طومان باي في الريدانية قرب القاهرة بصحراء العباسية في يناير عام 1517م. عرض السلطان سليم علي طومان باي حكم مصر تحت الحكم العثماني ورفض. فدارت معركة بينهما عند الأهرامات استمرت يومين ولجأ طومان باي للبدو لكنهم باعوه لسليم مقيدا بالسلاسل، وأقتيد من بولاق لباب زويلة حيث اعدم. وبهذا انتهي عصر حكم السلاطين المماليك بمصر والشام والحجاز. وتولي خيري بك وكان واليا علي حلب ولاية مصر الذي إتخذ قرارا بإلغاء الإقطاع المملوكي وجعل تحصيل المال ثابتا وخراج القمح كان يرسل جزء منه لإدارة شئون الامبراطورية. واتخذ له حامية من أوجاق الانكشارية لحراسة اسوار القاهرة والقلعة التي كانت مقر الوالي العثماني، وكان يطلق عليهم المستحفظان ويرأسهم الأغا. وكان كتخدا مستحفظان مهمته السيطرة علي أوجاقات الأقاليم التي كانت من الانكشارية أيضا.
وتولي بعده الوالي أحمد باشا عام 1522 الذي أعلن السلطنة في مصر وكان يعاونه اليهود بالمال إلا أنه قتل عام 1524م. جاء مصر بعده الصدر الأعظم إبراهيم باشا ووضع سياسة جديدة للإدارة. مكونا أول حكومة عثمانية علي رأسها الوالي أو الباشا يعاونه مجلس استشاري يجتمع أربع مرات في الإسبوع. وقسم مصر 14 إدارة يرأسها الضباط المصريون ومهمتهم تنظيم الري وجمع الضرائب. وكان بيت المال مسئولا عن دفع 16 مليون بارة للآستانة سنويا وهو الجزء المستحق لإدارة شؤون الامبراطورية. وصارت مصر ولاية عثمانية مقسمة لعدة أقاليم إدارية وكل إقليم كان يتولاه مملوك من المماليك البكوات مسئول أمام الحاكم العثماني والحاكم كان مسئولا امام الباب العالي بالآستانة.
وفي القرن 18 أصبح الباشا صوريا والمماليك البكوات هم اهل الحل والعقد. وكانت بينهم صراعات علي السلطة محتدمة ومنافسة للسيطرة علي سدة الحكم، وفي عهدهم وصلت مصر لمدي هائل من التدني والانحطاط العلمي والثقافي والفكري لم تشهده مصر قبل ذلك مما أدي لوقوعها بسهولة ويسر تحت سيطرة الحملة الفرنسية 1798م.
كان احتلال مصر رغبة قوية لدى فرنسا، وبقيت أملا لسياستها وقادتها ينتظرون الفرصة المواتية لتحقيقها متى سنحت لهم، وفي سبيل ذلك كانوا يبعثون رجالهم إلى مصر على هيئة تجار أو سياح أو طلاب دارسين، ويسجلون دقائق حياتها في تقارير يرسلونها إلى قادتهم، ولما بدأ الضعف يتسرب إلى الدولة العثمانية أخذت فرنسا تتطلع إلى المشرق العربي، وكانت تقارير رجالهم تحرضهم بأن اللحظة المناسبة قد حان أوانها ولابد من انتهازها. كما كشفت تقارير المسيو (مور) قنصل فرنسا في الإسكندرية ومسيو شارل مجالون القنصل الفرنسي بالمحروسة مدي ضعف الدولة العثمانية، وأنها في سبيلها إلى الانحلال، مما دعا لضرورة الإسراع باحتلال مصر.
قاد الحملة الفرنسية الجنرال نابليون بونابرت على مصر والشام (1798-1801م) بهدف إقامة قاعدة في مصر تكون نواة لامبراطورية فرنسية في الشرق من ناحيه، وقطع الطريق بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند من ناحية آخرى وأيضا لإستغلال مواردها في غزواته، استمرت الحملة 3 سنوات وفشلت وأسفرت عن عودة القوات الفرنسية إلى بلادها. وصل الأسطول الفرنسي لأبو قير في أول يوليو 1798، وبادر بإنزال قواته ليلاً على البر ثم سيّر جيشاً إلى الإسكندرية، ونجحت في احتلالها في 2 يوليو 1798م بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها السيد محمد كريم دامت ساعات وأخيراً أستسلم وكف عن القتال، وفي مساء 3 يوليو 1798م زحفت الحملة على القاهرة، وفى 6 سبتمبر 1798م وجّه نابليون نداءً إلى الشعب المصري بالهدوء والتعاون وأن نابليون قد اعتنق الإسلام وأصبح صديق وحامي الإسلام. وأصدر منشورا على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه وهو تخليص مصر من طغيان البكوات المماليك الذين يتسلطون علي العباد، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين، وبدأ المنشور بالشهادتين
تسربت إلى بريطانيا العدو اللدود لفرنسا أخبار الحملة، وبدأ الأسطول البريطاني يراقب الملاحة في البحر المتوسط، واستطاع نيلسون قائد الأسطول الوصول إلى ميناء الإسكندرية قبل وصول الحملة الفرنسية بثلاثة أيام، وأرسل بعثة صغيرة للتفاهم مع السيد محمد كريم حاكم المدينة وإخباره أنهم حضروا للتفتيش عن الفرنسيين الذين خرجوا بحملة كبيرة وقد يهاجمون الإسكندرية التي لن تتمكن من دفعها ومقاومتها، لكن السيد محمد كريم ظن أن الأمر خدعة من جانب الإنجليز لاحتلال المدينة تحت دعوى مساعدة المصريين لصد الفرنسيين، وأغلظ القول للبعثة فعرضت أن يقف الأسطول البريطاني في عرض البحر لملاقاة الحملة الفرنسية وأنه ربما يحتاج للتموين بالماء والزاد في مقابل دفع الثمن، لكن السلطات رفضت هذا الطلب لتترك الاسطول الإنجليزي للمواجهة مع الحملة في معركة أبي قير البحرية والتي انتهت بتدمير قطع الاسطول الفرنسي لتترك الحملة في مصر بلا اتصال بفرنسا.
عندما ترك نابليون أسطوله في الإسكندرية متجهاً إلى القاهرة كان قد أمر نائبه الأدميرال فرنسوا-بول بروى أن يُفرغ كل حمولته من المواد اللازمة للجنود ويبحر بأقصى سرعة ممكنة إلى كورفو ، مع ضرورة تجنب ملاقاة البريطانيين، لكن سوء الأحوال الجوية آخر إبحار بروي، ودرات بينهما معركة أبو قير البحرية التي انتصر فيها نيلسون في أول أغسطس 1798م وتم تدمير الأسطول الفرنسي تماما ولم يستطع الهروب سوي سفينتين. وعندما وصلت أخبار هذه النكسة الكاسحة إلى نابليون في القاهرة أيقن أن فتحه لمصر غدا بلا معنى، فالمغامرون المرافقون له قد أحيط بهم الآن براً وبحراً وما من سبيل لوصول العون الفرنسي إليهم، وأنهم سرعان ما سيصبحون تحت رحمة أهل البلاد المعادين، والبيئة غير المواتية.
لم تكن الحملة الفرنسية وبالا علي مصر كما هو الاستعمار دائما، بل كان لها العديد من الفوائد والمزايارغم قصرها. عندما جاء نابليون بالحملة الى مصر لم يكن معة ضباط وجنود وأسطول فقط بل كان معه ايضا ما يزيد على مائة عالم فى مختلف المجالات كما أنه قد أحضر أول طابعة عرفتها مصر، وذلك لأنهم جاءوا الى مصر يهدف تحويل مصر الى مستعمرة فرنسية حالها كحال فرنسا من التقدم والحضارة التي فقدتها مصر. قاموا بالعديد من الاصلاحات فى امور الادارة والحكم منها:
1- تأليف كتاب وصف مصر(وهو كتاب يتناول كل النواحى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنون المصرية القديمة وغيرها من المعلومات الضخمة عن مصر ومواردها) وكان اول موسوعة حديثة ساعدت بشكل كبير على النهوض بمصر كدولة حديثة.
2- العثور على "حجررشيد" بواسطة الضابط الفرنسى"بوشار"فى 19 يوليو1799 وقيام العالم الفرنسى"شامبليون" بعد ذلك بفك رموزه (وبالتالى معرفة اللغة المصرية القديمة بل معرفة التاريخ المصرى القديم بأكملة).
3- أنشأ نابليون بونابرت الديوان العام وديوان الأقاليم وديوان القاهرة وذلك لتدريب الأعيان والعلماء والمصريين على نظام مجالس الشورى من حيث تلاقى الاراء يعود بالنفع على الأهالى.
4- مشاريع مينو فى التجارة والزراعة والصناعة والتى شملت: على تنويع الحاصلات الزراعية والاهتمام بالرى. كما انشئت مصانع للنسيج والدباغة وصناعة حروف الطباعة وغيرها من الصناعات الدقيقة. أيضا استطاع مينو ان يفتح اسواقاً لمصر فى بلاد البحر الأحمر ودارفور والسودان والحبشة وبلاد شمال افريقيا.
5- إنجازات رائعة فى الصحة العامة: حيث تم انشاء المحاجر الصحية (المستشفيات) فى القاهرة والعديد من المدن الأخرى.
6- كانت الحملة الفرنسية هى أول من فكر فى حفر قناة السويس والتى تعد من أكبر مصادر الدخل القومى لمصر الآن حيث قام المهندس الفرنسى "لوبيير" فى 14 نوفمبر 1799م بمحاولة لشق قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط لكنه تراجع لاعتقادهم أن منسوب البحرين مختلفان. وبعدها التقط الفكرة المهندس الفرنسي ديليسبس وقام بتنفيذها.